(4) سنوات على أبريل.. كيف تحول السادس “المنصور”  إلى  “المنكور” ؟

الخرطوم: الزين عثمان

أربع سنوات للوراء، يومها كان السودانيون يرتبون تفاصيل معركتهم وجولتهم مع منسوبي نظام عمر حسن البشير، المخلوع لاحقاً، كان القيادي في المؤتمر الوطني، نافع علي نافع، يخرج آخر ما في جرابه من سخرية، قائلاً: (كلها يومين ونشوف عددهم كم) في إشارة منه لمليونية ستة أبريل المتجهة نحو القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة، وقتها كانت كل تقاطعات البلاد وشوارعها تمتلئ بلافتات الخلاص وبالدعوات أن موعدنا وطن نغنيه مثلما نريد ونبتغي.

الثالثة بتوقيت البلاد كانت مجموعة من منسوبي جهاز الأمن الوطني يضعون سلاحهم، ويخاطبون بعضهم بعضاً (هذا الأمر لا قبل لنا بمواجهته، وتلك السلطة سقطت ما من ذلك شك).

يوم الفتح العظيم.. حينما يريدون التشويه بقوش

في عصر ذلك اليوم كان الجنود والضباط في عالم آخر، كانت الهتافات تنغرس في أعماقهم ساعة ترديد الجميع (الجيش جيش السودان، الجيش ما جيش كيزان) كان لحاف محمولاً فوق كتف أحد الشباب يخبر عن ما يمكن أن يحدث في الساعات القادمة، الساعات التي تقول إن الحلم في الخلاص بات أقرب  إليهم من أي وقت مضى من مسيرتهم  المقاومة، من صنعوا الثورة يعرفون طرق قياداتها إلى آخر محطاتها، الصوت يأتيك من بعيد (صابنها) قبل أن يجعله منسوبو الجيل الراكب راس أقرب، وهم يرددون جملتهم (صابنها) ومعاها (ما بنرجع إلا البيان يطلع) يتخلق ساعتها أجمل مشاهد السودان الحديث في ثورة شعبه، اعتصام القيادة العامة الذي انتصر بإزاحة البشير قبل أن يتم فضُّه.

في عبارة بدت وكأنها الاختصار الأبلغ لمسيرة ديسمبر الثورة، وعلى صفحة تجمع المهنيين السودانين  كتب “السادس من أبريل ليست سدرة  منتهانا” كان السادس من أبريل خطوة في درب طويل، لم يكن أحداً واثقاً من أنه سيكون  الأخير في  عمر الإنقاذ، يقول ياسر عبد الرحمن وهو شاب من الذين عبروا المتاريس يومها (نعم لم ننتصر تماماً ولكن لا أحد بإمكانه كسر إرادتنا كشعب مرة أخرى)، يكمل الشاب عن السادس من أبريل لا شيء يمكنه وصق ما حدث يومها بمكن اخنصار كل ذلك في غبارة واحدة هي انتصرت إرادة الشعب ورغبته، ووضعنا السطر ما قبل الأخير لحقبتهم السوداء.

يقول ياسر إنه  لو عاد به الزمن  مرة أخرى لخرج   في موكب السادس من أبريل، ولاعتصم ولخرج في المواكب التي سبقته، ويتساءل  لو أن قوش هو الذي فتح لنا أبواب القيادة فمن كان يطلق علينا الرصاص؟، ويحسم كل الجدل بقوله هذه الثورة صنعها السودانيون ورغبتهم في إسقاط النظام الذي كان يحرسه قوش وجنوده، وهم من كانوا أكثر حرصاً عليها من تحت شعارهم (تسقط بس)، وبالطبع هي الثورة التي صنعتها دماء الشهداء وعهد رفاقهم ويصادف السادس من أبريل وذكراه الجدل حول أن مدير جهاز الأمن   الوطني، الفريق أول صلاح عبد الله قوش، هو من فتح  أبواب  القيادة العامة أمام المتظاهرين حتى يسقط نظام البشير، وهو أمر يعتبره البعض محض محاولة للتقليل من الثورة ودور الشعب فيها.

السادس “المنكور”.. العطلة تحكي كل شيء

في إعلان بدا مثيراً للدهشة والسخرية معاً، أعلنت  الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن عطلة بمناسبة السادس من أبريل، المفارقة أن سبب العطلة لم يكن    بمناسبة أبريل 2019، التي أسقطت نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وإنما عطلة بمناسبة ذكرى انتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت بنظام الراحل نميري، المفارقة أن الحكومة التي أعلنت عن العطلة حكومة مكلفة بواسطة سلطة ما بعد انقلاب 25 أكتوبر التي يطلق عليها البعض سلطة إصلاح مسار الثورة، ولا يبدو الهروب من الثورة أيامها وقيمها التي دعت إليها أمراً مثيراً للعجب من سلطة الأمر الواقع الراهن، حيث يقول ديسمبري إن إعلان العطلة ليست احتفالاً بأبريل المنصور، وإنما هو محاولة للهرب من أبريل، ومن جيلها المتمسك بأهدافها، والساعي لإكمال طريقها حتى النهاية، متوقع أن  يتحول السادس المنصور لأبريل، للسادس “المنكور” وأن تذهب السلطة للهروب من مواجهة الشارع الرافض لها للاحتفال بانتفاضة اسقطت سلطة النميري،  قبل أن يأتي نظام ديمقراطي أسقطه البشير الذي بدا سقوطه في السادس من أبريل لهم حق الاختيار، ولنا طريق المواجهة والاحتفال بالسادس من أبريل وعلى طريقتنا.

الزلزال.. تنسيقيات لجان المقاومة

ومثلما اعتادت، قررت تنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم وبقية مدن السودان استعادة ذاكرة أيام ديسمبر  وبنفس طريقة ديسمبر “المواكب” استعادة السادس من أبريل بذات النص القديم إنه ليس سدرة المنتهى، وأن الطريق ما زال طويلاً شائكاً ومليئاً بالمتاريس، فيما تتابعت البيانات المعلنة الخروج يوم   السادس من أبريل حيث أصدرت لجان مقاومة ود مدني: “سيضرب زالزل السادس من أبريل مدينة ود مدني بعدة هزات، تمر كل هزة على قلوب المجلس العسكري والسلطات الانقلابية ومن عاونهم وشايعهم أو استنَّ بدربهم في يوم مفتوح على النحو التالي التصعيد الثوري، حرق إطارات، وإغلاق تام لطرقات ومداخل المدينة، وختمت لجان مقاومة مدني بيانها  وبذلك فإن السادس من أبريل ليس سِدرة مُنتهانا، ولا خاتمة مبتغانا، وإنما درج سامٍ وسُلمٌ مَتِين نخطو به نحو تمام الحرية وسقف الإسقاط وبناء الوطن الذي يحترم الجميع ويرسم أحلامنا التي نود ونريد”.

دامت المقاومة سُماً يتغلغل في أجساد الأوباش، عاش الغضب ودَفْعُ الظُلمِ مِنهاجاً يضرب للطغاة مسمار النعش وقاصمة الظهر، دام الشهداء مثلاً أعلى نحذو حذوهم إلى أمل الوصول، والمشهد كله يؤكد على تكرار مشهد السادس من أبريل محاولة التمسك بالسلطة في مقابل إصرار على المقاومة من قبل الشارع وبينهما الزلزال الذي ربما يتخذ أشكالاً أخرى.

الخرطوم المغلقة والمنتظرة

في الخامس من أبريل كانت الخرطوم التي شهدت  السادس من أبريل قبل أربع سنوات على  موعد مع حدث جديد أو على موعد مع انتظار المدينة التي أنجز شعبها وعده قبل أربع سنوات، حين قرر  الوصول للقيادة العامة، ووصلها، بدت مختلفة بالأمس  والجميع ينتظر مآلات إعلان الإغلاق الكامل للمدينة بواسطة الإدارات الأهلية التي حددت الأربعاء يوماً للحدث المشهود الذي أعلن عنه عبر مؤتمر صحفي   تحدث فيه رئيس الإدارات الأهلية بالعاصمة، العمدة عجيب  البدري،  لكن الأخبار المتداولة قالت إن الرجل أصيب بوعكة صحية نقل على إثرها  لتلقي العلاج، ورغبة البدري وتحالفه في إغلاق الخرطوم  لا تنطلق وفقاً لمعيار أبريل الثورة،  أو استعادة أيامها  الرجل أعلن إغلاقه العاصمة احتجاجاً  على  التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وبين   مركزي الحرية والتغيير،  وقال إن الأمر أيضاً يأتي في سياق  رفض التدخل الأجنبي عبر الاتفاق الاطارئ ذاته المحدد لتوقيعه اليوم،  في وقت بدت الحياة في المدينة عادية، وإن ظهرت بعض المشاهد لمحاولات إغلاق لمداخل بعض المدينة وبواسطة   أشخاص لا يتجاوز عددهم العشرة أشخاص في أفضل الأحوال، مع لافتات تخبر عن الإغلاق الجماعي وترفض تجريف القيم، كما شهدت المدينة بعض الازدحام المروري وحركة كبيرة لآليات عسكرية يتم  نقلها من مكان لآخر، يأتي ذلك بالتزامن مع حالة من  التصعيد بين المكونات العسكرية ممثلة في الجيش والدعم السريع الذي نقلت أخبار عن نشره أكثر من (60) ألف فرد بالعاصمة في الأيام الفائتة، مع تزايد المخاوف من  اشتعال الأوضاع في أي لحظة.

السادس  من أبريل  “التوقيع”

في الوقت الذي حددت فيه لجان المقاومة بالخرطوم مسارات مواكب زلزال السادس من أبريل، في خطوة جديدة من خطوات استعادة الثورة، تنتظر قوى الحرية والتغيير ممثلة في المجلس المركزي صبيحة السادس من أبريل من أجل إنجاز خطوة التوقيع على الاتفاق الإطاري بين القوى السياسية وبين  المكون العسكري.  الخلاصة أن الخرطوم التي كانت تحبس أنفاسها في مثل هذا اليوم قبل 4 أعوام ما تزال هي نفسها المدينة المرتبكة بمشكلاتها وتعرجات صفوفها من أجل الحصول على الحياة الكريمة. المدينة التي تنام باكراً خوف تربص جنود النظام المخلوع ستجد نفسها مجبرة لممارسة ذات الفعل في ظل واقع  تسيطر عليه العسكرة، وتتزايد فيه امكانية المواجهة بين  المكونات العسكرية.

هي نفسها الخرطوم  الخائفة من عدم حدوث التوقيع  في تاريخ يوم انتصارها، والخائف أكثر من حدوثه في نفس اليوم  ما  يعني بالضرورة إعادة تكرار ذات  السيناريوهات من قبل النخبة السياسية، وانتظار نتائج مختلفة من أصحاب المصلحة في التغيير دون أن يجرؤ أي شخص على الإجابة على سؤال كيف سيحدث ذلك؟ وهي ذاتها الإجابة المعلقة حول   مستقبل السادس من أبريل الراهن في السودان الملتهب.

شارك الخبر

Comments are closed.