كتب: د. هيثم مكاوي
منذ خروجي من الفقاعة الزرقاء تعهدت مع نفسي ان لا أكتب عن عمليات حفظ السلام في العالم، كوني لا أرى أي نجاح لأي بعثة للأمم المتحدة منذ إنشائها.
لكن صباح اليوم الجمعة، أوصت بعثة تقصي الحقائق المدعومة من الأمم المتحدة بنشر “قوة مستقلة ومحايدة” بتفويض لحماية المدنيين في السودان.
أقول: نشر الأمم المتحدة لقوات في دولة ما، مثل السودان، يتم بناءً على إجراءات محددة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، وهنا سأقوم بسرد فقط الخيارات التي أعرف أو الخطوات الرئيسية التي تتبعها الأمم المتحدة لنشر قوات حفظ السلام أو قوات أخرى وفق تجارب قسم حفظ السلام في الأمم المتحدة.
الخيار الأول، ان يكون ذلك بطلب من الحكومة أو قرار من مجلس الأمن.
إذا وضعنا خيار الطلب الرسمي من الحكومة السودانية الحالية، فوفقا لمواثيق الأمم المتحدة فيمكن للدول طلب مساعدة الأمم المتحدة في توفير قوات لحفظ الأمن أو لحماية المدنيين. هذا قد يحدث عندما تكون الدولة عاجزة عن إدارة الوضع الأمني داخليًا، كما كان الحال في دارفور.
يذكر أن قوات الأمم المتحدة كانت تعمل تحت البند السابع وقد قابلتها كثير من النقد وصل البعض إلى وصفها بالعاجزة عن حماية نفسها، ناهيك عن المدنين وأثارت الناطق الرسمي السابق عاشوري كثيراَ من المغالطات حول البعثة لست بصدد الحديث عنها.
أو يمكن ان يكون الطلب تحت البند السادس وهو عملية دعم السلام او مراقبة اتفاقية سلام وفي هذه الحالة يجب ان يصل طرفا القتال إلى اتفاقية تمهد لتوقيع اتفاقية وضع القوات الامينية ونشرها ومناطق تواجدها ووضعها القتالي.
الخيار الثاني، قرار من مجلس الأمن وعادةً ما يتم ذلك إذا كانت الحالة تشكل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، والسودان يدخل في هذا الخيار، صراحة عليه يمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اتخاذ قرار بنشر قوات. القرار يتطلب موافقة 9 أعضاء من أصل 15 دون استخدام حق الفيتو من الدول الدائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، المملكة المتحدة وفرنسا). ويذكر ان روسيا قد تعارض هذا القرار إلا بتدخل إقليمي قد يكون باهظ التكلفة للدول الراعية للحرب أو الراعية للسلام.
فروسيا تعمل بنظام الـbroker في حرب السودان. او اكثر دقة هي مثل عائلة روتشيلد في الحروب النابليونية فهي داعم للطرفين بحيث لن تخسر في اي حالة انتهت الحرب.
الصين بعد زيارة البرهان قد تأخذ موقفا ضد اي قرار وتوقفه في مهده.
إذا نجحت عملية الإحالة والموافقة، سيكون التحدي الثاني إنشاء مهمة حفظ السلام او فرض سلام.
بعد اتخاذ القرار، يتم إنشاء مهمة حفظ سلام محددة تابعة للأمم المتحدة. هذه المهمة تحدد المهام والصلاحيات الموكلة للقوات التي سيتم نشرها، وستكون الأهداف المعلنة:
*حماية المدنيين.
*دعم العملية السياسية.
*ضمان وصول المساعدات الإنسانية.
*مراقبة وقف إطلاق النار إذا تم التوصل لاتفاق مستقبلاً.
سيكون التحدي هل ستدخل الأمم المتحدة باتفاقية SOFA مع كل طرف او دون اتفاقية؟
ان اتفاقية مع طرف ستكون ذات تكلفة مادية واخلاقية بحيث انها ستجعل من الاسئلة الاخلاقية تظهر كثيراً في مجلس الأمن، فإذا اتفقت الأمم المتحدة مع الدعم السريع دون الاتفاق مع الجيش فقد فقدت الحياد، وكذلك العكس.
ويبدو جلياً أنّ الأمم المتحدة تحاول جاهدة الابتعاد عن اي اتفاق مع الدعم السريع، محاولة إرجاع ذلك لاتفاق مع الدولة السودانية.
حالة معبر أدري مثالاً…
الدعم السريع تسيطر على المعبر لكن الاتفاق كان مع الحكومة السودانية. هنا ستظهر روسيا والصين مرة أخرى.
روسيا كغيرها استثمرت كثيرا في السودان وستضع مصلحتها اولا خصوصا انها في حرب اقتصادية تتطلب وجود السودان وان حدث تقارب اكثر سوداني روسي قد ينقلب الأمر، لكن روسيا في نظري ستكون روتشيلد السودان.
اكبر التحديات سيكون نشر القوات، فبناءً على متطلبات المهمة، تقوم الأمم المتحدة بجمع قوات من الدول الأعضاء. يتم الاتفاق على حجم القوات وتوزيعها الجغرافي وبناءً على الظروف على الأرض. يأخذ حجم القوات المتقاتلة واتساع الرقعة الجغرافية، فإننا سنشهد ميلاد أكبر قوة حفظ سلام تفوق قدرة الاتحاد الأفريقي وربما استعان الاتحاد الأفريقي بالناتو او الاتحاد الأوروبي وكلاهما مرهق، فأوروبا اليمينة اكثر من أي زمن آخر لن تنجر إلى معارك خارج أوروبا خصوصاً مع وجود المهدد الروسي.
تكلفة القوات ستكون هائلة، فهذه القوات تتضمن عادة وحدات عسكرية، شرطة مدنية ومستشارين مدنيين.
تعتمد الأمم المتحدة على الدول الأعضاء لتوفير الجنود والمعدات، حيث أن الأمم المتحدة نفسها ليس لديها جيش خاص. ففي حالة التفويض من سيدفع فاتورة القوات.
قد تحاول بعض الجهات دفع الفاتورة لإخفاء بعض الحقائق مستقبلاً، لكن هذه القوة ستكون أكثر كلفة من الحرب نفسها.
من ثم سيأتي تحدي التفويض والصلاحيات. فمجلس الأمن الذي سوف يحدد مدى التفويض الممنوح للقوات، قد يشمل التفويض استخدام القوة لحماية المدنيين (البند السابع) أو مجرد مراقبة الوضع ومنع تصاعد النزاعات البند السادس.
البند السابع كان مفعلاً في حالة دارفور، كانت هناك قوات تابعة للأمم المتحدة تحت اسم “يوناميد” (بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور) بمهام تشمل حفظ الأمن وحماية المدنيين. ويذكر انها متهمة بالفشل وكم من التهم الأخرى وتوجد قوة الأمم المتحدة في أبيي أيضاً تحت البند السابع و هي فاعلة إلى اليوم.
التحدي الكبير الآخر سيكون التنسيق مع الجهات المحلية والدولية، فالقوات تتعاون مع السلطات المحلية، منظمات الإغاثة، ومجموعات المجتمع المدني لضمان تحقيق أهدافها على أرض الواقع.
فمثلاً في دارفور تم نشر قوات UNAMID بناءً على قرار مجلس الأمن واستمرت في العمل بين عامي 2007 و2020، حيث كانت واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام التي نشرتها الأمم المتحدة في أفريقيا.
أخيراً، الصعوبات قد تواجه هذه القوات، تحديات مثل نقص الموارد، التعاون المحدود من الحكومات، والتعقيدات السياسية على الأرض.
إذا نشر القوات الأممية يعتبر إجراءً حساسًا ويستلزم تعاونًا دوليًا واسعًا لتحقيق الاستقرار في مناطق النزاع مع مراعاة مصالح الدول الكبرى وداعمي أطراف النزاع، فهم المحدد الحقيقي لنجاح هذه الخطوة.