إن سمح لي القارئ بأن اصطحبه في رحلة تاريخية قصيرة نسبياً وأن أعود به بالذاكرة لأعوام من ١٩٩٨ – ٢٠٠٣ وأن اصطحبه في رحلة إلى نهر الكونغو في تلك الأعوام.
لنعيش الحرب الكونغولية واعتذر ان أخذتكم الى حرب أخرى غير حربنا، فالقصد ان نعتبر من التاريخ فالعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه.
تُعتبر الحرب الكونغولية الثانية واحدة من أكثر الصراعات دموية وتعقيدًا في تاريخ القارة الأفريقية. لذلك سماها البعض بالحرب العالمية الأفريقية، وذلك لتعدد الأطرف واشتراك من الدول والقوى الإقليمية فيها، وتأثيرها العميق على منطقة البحيرات العظمى رغم قصر زمنها نسبياَ.
بدأت الحرب الكونغولية الثانية في أغسطس 1998، بعد عام من نهاية الحرب الكونغولية الأولى التي أطاحت بنظام الرئيس موبوتو وجاءت بالرئيس لوران كابيلا إلى السلطة.
كابيلا. ذلك الثائر الذي جاءت به الأقدار من مجرد ثائر يهيم في الأدغال الى سدة السلطة.
فقد دفعته به حرب الأولى إلى سدة الرئاسة مدفوعا برغبة رواندا وأوغندا في التخلص من موبوتو بسبب دعمه لمليشيات الهوتو التي شاركت في الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. فبرغم انتهاء الحرب الرواندية وصعود نجم ثائر في رواندا وهروب الكثير من الهوتو الى الكونغو الا ان الإصرار بالانتقام او ربما الاقتصاص او ربما حب الدم دفع بالدولتين لدعم الثائر المغمور حينها ليسقط نظام موبوتو.
كأي دولة انشأت عضلات حديثاً، نسي كابيلا حلفاء الأمس وذلك ربما لتضارب المصالح، فالجنرالات المنتصرون في الحرب كثيرا ما تتقطع بهم السبل والمصالح.
ورغم أن كابيلا كان حليفًا لرواندا وأوغندا خلال الحرب الأولى، إلا أن علاقته بهما سرعان ما تدهورت بعد توليه السلطة، ويعزي البعض ان الاسباب كانت الامتعاض الشعبي وتبعا لكل حرب مزعومة اقليمياَ لا بد ان يكون للداعم الحق والاجر، حتى ان بعض المناصب العسكرية العليا في الدولة مُنحت لروانديين وأوغنديين مما سبب حنقا في الشارع. كأي قصة انتصار إفريقي لابد ان يأتي من يخرب الحفلة التي تتضارب فيها المصالح وتعلو فيها الأنا. ويتناسي الخاسر والمنتصر من سقط وقُتل.
ففي عام 1998، اندلعت تمردات مدعومة من رواندا وأوغندا ضد حكومته كابيلا، مما أدى إلى اشتعال الحرب الكونغولية الثانية.
تدخل رواندا وأوغندا أدى إلى دخول فاعلين آخرين وللاختصار يمكن جمعهم في طرفين أولهما حكومة كابيلا التي تلقت دعمًا من أنغولا، زيمبابوي وناميبيا، حيث كانت هذه الدول تسعى للحفاظ على استقرار الكونغو وصد النفوذ الرواندي والأوغندي.
وجماعة التمرد المدعومة من رواندا وأوغندا التي شملت “التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية” و”الحركة من أجل تحرير الكونغو”، اللتين تلقتا دعمًا ماليًا وعسكريًا من رواندا وأوغندا على التوالي.
المليشيات المحلية داخل الكونغو، كانت هناك مليشيات محلية مسلحة لها أجندات خاصة، وارتبط بعضها بالدول الأجنبية أو العرقيات المتصارعة.
أحد أبرز الدوافع لاستمرار النزاع كان الموارد الطبيعية الهائلة في الكونغو، بما في ذلك الذهب، الألماس والنفط، بالإضافة إلى المعادن الثمينة مثل الكولتان، الذي يعد مكونًا أساسيًا في صناعة الإلكترونيات. سعت العديد من الدول المشاركة في الحرب إلى السيطرة على هذه الموارد لتمويل حملاتها العسكرية أو لتعزيز اقتصاداتها.
وكان المواطن الكونغولي هو الخاسر الأكبر، فالقادة في أفريقيا إذا اتفقوا تفاكروا كيف يقتلون شعوبهم، وإن اختلفوا اجمعوا على قتل شعوبهم.
فكان المواطن عرضةً للسرقة والقتل والاغتصاب بحيث قدر عدد الضحايا بما يزيد عن 5.4 مليون قتيل معظمهم قضوا بسبب الجوع والمرض نتيجة النزوح الكبير وتدمير البنية التحتية. أضف الى ذلك، اللاجئين، فقد أدت الحرب إلى نزوح الملايين من الأشخاص داخل وخارج الكونغو، مما خلق أزمة إنسانية كبيرة في المنطقة.
وانتهت الحرب رسميًا في عام 2003 بتوقيع اتفاق بريتوريا للسلام، الذي تم بوساطة من جنوب أفريقيا. ومع ذلك، ظلت الصراعات قائمة في مناطق معينة من الكونغو، خاصة في إقليم كيفو الشرقي، حيث استمر نشاط المليشيات.
كانت الحرب الكونغولية الثانية نقطة تحول في السياسة الأفريقية والجيوسياسية في المنطقة. أبرزت تداخل المصالح الإقليمية والدولية في أفريقيا، بالإضافة إلى فشل المجتمع الدولي في إدارة الأزمات الإنسانية والأمنية في الدول الأفريقية الضعيفة. كما أدى النزاع إلى تعميق الفقر والتخلف في جمهورية الكونغو الديمقراطية، على الرغم من ثروتها المعدنية الكبيرة. ولا تزال الحرب الكونغولية الثانية تلقي بظلالها على المنطقة حتى اليوم. رغم انتهاء النزاع رسميًا، إلا أن آثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ما زالت ملموسة، ولم تتمكن البلاد بعد من تحقيق استقرار كامل أو استغلال مواردها بشكل عادل ومستدام.
عليه، ان اتفاقا سياسيا لا يغلب مصلحة المواطن ويحمي القتلة والمغتصبين ما هو إلا تأجيل للصراع ومفتاح لدولة فاشلة.