حرب على الرأسمالية الوطنية.. (السوداني) تكشف تفاصيل انتشار ظاهرة الاحتيال وتهكير وسرقة حسابات مصرفية لرجال أعمال سودانيين
تحقيق: هالة حمزة
شكا عدد من رجال الأعمال السودانيين، عن تعرضهم للاحتيال وسرقة أموال من حساباتهم عبر التطبيقات البنكية للمصارف التي يودعون بها حساباتهم.
وقالوا لـ(السوداني)؛ إن تزايد معدلات المتضررين من الظاهرة قد تضطرهم لسحب ودائعهم وتحويلها لبنوك أخرى.
ولفتوا لأهمية محاصرة الاحتيالات عبر تهكير الحسابات بقصد السرقة وإنهاء النصب عبر التطبيقات المصرفية.
وحذروا مما أسموه بالحرب على الرأسمالية الوطنية بقصد شل حركتها وتحقيق المزيد من الخسائر التي مُنيت بها بسبب الحرب.
يروى رئيس لجنة الصاغة وتجار الذهب الخيرية بولاية كسلا – رجل الأعمال عثمان صديق يعمل في تجارة الذهب لـ(السوداني)، تفاصيل عملية النصب التي تعرض لها شقيقه بسرقة مبلغ 8 ملايين جنيه من حسابه عبر تطبيق مصرفي يخص البنك الذي يتعامل معه.
وقال: “قام شقيقي بفتح بلاغ في النيابة، وإخطار شركة الاتصالات منذ 12 يوماً دون ان يتم التوصل لنتيجة حتى الآن”.
واشار إلى ان الحساب الذي تم فيه تحويل المبلغ لا يزال خالياً حتى اللحظة.
وكشف صديق عن معظم عمليات النصب والسرقة المماثلة التي تعرض لها المتضررون تمت نهاية الأسبوع.
وأضاف: “السارق قام بإغلاق الشريحة المسجلة في الحساب يوم الخميس 3/ 10، بعد استخراج الشريحة بدل تالف، واتضح أن الشريحة تم استخراجها يوم الخميس لشخص آخر، لم يتم الإفصاح عنه حتى الآن من قبل شركة الاتصالات”.
وقال متضرر آخر يدعى عمر لـ(السوداني)، انه تعرض لسرقة مبلغ (3,700.000) جنيه من حسابه في 22 سبتمبر الماضي وتم إغلاق الشريحة بعد ذلك.
واشار لاكتشافه عملية استخراج الشريحة بمستند مزور والاتصال بالبنك وفتح الحساب في جوال آخر وسحب المبلغ.
وأوضح أنه الآن يملك صورة من المستند المزور.
ودعا عمر لضرورة الإسراع في رد الأموال المسروقة، وحسم هذه الظواهر الدخيلة على المجتمع السوداني.
وأشار المستثمر الوطني، رجل الأعمال محجوب ميرغني محمد عبد الرحمن الذي يعمل في مجال الخدمات الطبية، لتعرضه لأكبر عملية سرقة عبر تطبيق بنك شهير بسحب مبلغ يزيد عن 70 مليون جنيه من رصيده.
وقال د. محجوب لـ(السوداني): “كنت خارج السودان ولم أتمكن من الدخول للتطبيق كالعادة وافتكرت أن ذلك بسبب خطأ في الشبكة ولم أتصور السرقة”.
وأكد محاولاته الاتصال بالخط المباشر دون التمكن من الإجابة على الأسئلة، لأنه لا يعلم ما حدث في الحساب.
وأضاف: “اضطررت إلى السفر لبورتسودان لمقابلة الإدارة العليا للبنك، وبالفعل قابلت كبار المسؤولين بالبنك ووعدوني بإعادة المبلغ المسروق بعد الاطلاع على التقارير”.
ومضى في القول: “مر حتى الآن 3 أسابيع دون بروز أي اتجاه لحل المشكلة”.
وكشف د. محجوب عن تفاصيل السرقة والتي أكد أنها تمت عبر سرقة تطبيق البنك من جواله الخاص ولم يتمكن من الدخول للتطبيق لتغيير كلمة السر لأن التطبيق صار موجودا في جوال آخر، مبيناً حدوث تحولات للحساب، ووجود أشخاص لديهم بلاغات ضده لقيام السارق باستلام مبالغ منهم دخلت في حسابه دون ان يعلم أي تفاصيل عنها.
وأوضح: “السرقة تمت بتغيير كافة معلوماتي الخاصة بالإيميل والجوال، لأن السارق يعرف كافة المعلومات عن الرصيد، وآخر 3 عمليات تمت على حسابي، بل تعدى ذلك لمعرفته حتى للأسئلة التي من المفترض ان يسألها الموظف الذي يقوم بتغيير كلمة السر”.
وأشار الى أن السارق لا يتجرأ على سرقة حساب ما لم يكن يعلم أن به رصيداً يستحق العملية الإجرامية التي قام بها، مضيفاً: “مع العلم بخلو حسابي في كثير من الأحيان من أي رصيد لفترات طويلة”.
ولفت د. محجوب لفتح بلاغات ضده بمبالغ تم استلامها على حسابه لا يعرف من الشاكي ضده، وذلك لأن السارق استلم مبالغ على الحساب دون ان يعلم مصدرها، ولفت لقيام السارق بتحويلها لجهات لا يعلمها.
على صعيد متصل؛ قال المحلل المصرفي د. عثمان التوم لـ(السوداني): “من الصعب التكهن بكيفية حدوث عمليات الاحتيال على العملاء عبر التطبيق البنكي، خاصة ان بعض عملاء البنوك صاروا يشكون من مشاكل في استخدام تطبيقات بعض المصارف”.
وأشار لاحتمال ان يكون هنالك أكثر من طرف في مثل هذه العملية، منها ضعف ضوابط الحماية داخل التطبيق نفسه، ومنها العميل نفسه الذي لا يولي المعلومات الخاصة باستخدام التطبيق الحماية الكاملة والتعامل بالثقة مع بعض الأشخاص في الدخول للحساب عن طريق التطبيق.
واوضح ان سحب مبالغ كبيرة بهذا الحجم لابد ان يلفت نظر البنك.
وأوضح لاحتمال ان يكون هنالك ضعف في ضوابط وبرنامج أعرف عميلك (KYC) لدى البنك.
وأضاف: “البرامج المستخدمة عالمياً تمنع حدوث مثل هذه السرقات. لكنها إما انها غير متاحة لنا بسبب المقاطعة أو لأن اصحاب القرار يرون انها مكلفة، بالتالي يكتفون ببرامج ضعيفة. وقد يكون اصحاب القرار ليسوا على علم بهذه الأمور، لأنهم لا يستعينون بخبراء متخصصين في التطبيقات وأنظمة المعلومات”.
من جانبه، قال المحلل المصرفي د.صالح جبريل لـ(السوداني)؛ إن هذه الاحتيالات تعتبر من مخاطر التقنية في السودان.
وأكد عدم وجود خبرة كافية عن الأمن السيبراني لضعف التدريب وضعف الأنظمة المستخدمة في المصارف التي لها أنظمة، لأن الجريمة تتطور وهناك أناس تخصصوا في اختراق الأنظمة.
وأضاف د. جبريل: “ما لم تتم مواكبة مستمرة للتطور في الأنظمة العاملة في المصارف وتأمينها، فإن عملية الاختراق سوف تستمر مما يؤثر على سمعة المصارف”.
مشيراً لحدوث عيب في الأجهزة العدلية يتمثل فى بطء الإجراءات لقلة خبرة الأجهزة العدلية في مجال التقنية.
وطالب بضرورة التنسيق بين المصارف ونيابة المصارف، مع ضرورة التدريب المكثف على مخاطر التقنية وطرق معالجتها وحماية حقوق العملاء للحفاظ على سمعة الجهاز المصرفي، ودعا لإحداث تطور مستمر في نيابة المصارف.
لمعرفة الإجراءات القانونية حول عمليات الاحتيال البنكي، يقول المستشار القانوني والمحامي حيدر التوم لـ(السوداني)، إن
الجرائم الواقعة على تطبيقات البنوك في السودان تقع مسؤولية مكافحتها على البنوك المنشئة للتطبيقات ابتداءً، وأشار إلى ان أغلب الناس يتحدثون عن ضعف القوانين وغيرها من الأسباب ويتناسون أن البنوك بموجب قانون بنك السودان تتحمل مسؤولية الحماية ضد عمليات الاحتيال والقرصنة، مؤكداً مسؤوليتها كذلك عن سوء الاستخدام وعن حماية خصوصية معلومات وبيانات العملاء، وفنياً عن معالجة الشكاوى التي ترد إليه، ثم يأتي دور القانون.
وأضاف التوم: “الملاحظ أن المتعاملين مع التطبيقات والبنوك على حد السواء يقفزون على المراحل ويتحدث الجميع عن عجز القانون في وضع حد للجرائم الواقعة على التطبيقات”.
وأبان أن القانون شرع لمحاسبة المعتدين وردعهم ليتعظوا، غير ان الجريمة مستمرة رغم الردع.
وطالب البنوك بتفعيل برامج الحماية واختيار أكثر النظم فاعلية لحماية التطبيقات، كما ان عليها بذل الجهد في هذا الصدد، والاهتمام بالشكاوى وتخصيص إدارة خاصة بمتابعة الشكاوى حتى أمام الجهات العدلية، ثم يأتي دور القانون الذي نرجو أن يواكب الجريمة.
وواصل: “إن جريمة التطبيقات البنكية ذات خصوصية تحتاج لمعالجة تشريعية، لأن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية بكل تجديداته يصلح لجرائم النشر الإلكتروني أكثر من معالجة ومكافحة الجرائم المتعلقة بالتطبيقات”.
واقترح حيدر التوم إعداد بنك السودان ووزارة العدل قانونا لحماية التعاملات المالية عبر التطبيقات وتقديمه لمجلسي السيادي والوزراء كجهة تشريع بموجب الوثيقة لحين انتخاب برلمان قومي.