الهمباتة.. صعاليك العصر (3)

هشام الخليفة

كما أسلفنا في الحلقتين السابقتين، فإن الهمباته هم امتداد لصعاليك العرب في الجاهلية، وقد انتقلت الظاهرة لبوادي كردفان في السودان إبان عهد السلطنة الزرقاء، ثم بعد ذلك لبقية بوادي ووديان السودان الشمالي.

شكّلت المرأة ركناً ركيناً في حياة الهمباتي وهي لم تكن في الواقع امرأة واحدة وإنما كانت أكثر، فهناك المرأة الأم والمرأة الزوجة والمرأة الابنة والمرأة (الخليلة) التي كان يأوى إليها عقب كل غزوة يرتاح من رهق السفر وقعقعة السلاح، فيأكل المشاوي والكلاوي والمطايب ويعب (الخندريس) عبا وهو يناجي رفيقه قائلاً:
أملالنا الكدوس تمبكنا يا عباس
ما بترضى أم خدود جيبة الزمل يُبْاس
ده الجابر على الحارة أم ضرب رصاص
نحن بندركا وعقب الكريم خّلاٌص
******
والكدوس هو (الغليون) يطلب من عباس أن يملأه بالتبغ لأن (أم خدود) وهي المحبوبة لا ترضى إن جئنا دون غنيمة (الزمل يُباس) وهذا ما يدفعنا لدخول المعارك (الحارة أم ضرب رصاص) وعلى الله الاتكال.

غير ان الملحوظة المخمة في علاقة الهمباتي بالمرأة هي انه لا يقربها بسوء أبداً؛ فلا يؤذيها ولا يسرق منها، بل يعتبر ذلك عيباً وشراً مستطيراً.
اتهم بعضهم الطيب ود ضحوية أحد أئمة الهمباتة بسرقة ذهب إحدى النساء، فاستشاط غضبا عبر عنه في ابيات ساخنة قال فيها:
اخوك يا السمحة ثقّاف الخلا العتمور
واخوك يا الجاهلة ختّار الجدي المديور
اكان اسرق سوار ادور لي فيهو سرور
حكاية تضحك النعجة وتبكي التور
********
فهو هنا يفتخر بنفسه (ثقاف الخلا العتمور.. ختار الجدي المديور)، بل إنّ هذه التهمة الوضيعة تضحك النعجة (والنعجة لا تبتسم أبداً) بينما يضحك من الرواية (التور) وهو دائماً عابس متجهم.

يفتخر الهمباتي بابنته، بل ويكنى بها احيانا (ابو فاطمة وابو زينب) وذلك لأنه يعتبرها الحلقة الأضعف في سلسلة المرأة المحيطة به، فيحرضها للفخر به وبشجاعته واقدامه وكرم خصاله، فهو لن يجلب لها العار أبداً، بل يجعلها دائما فخورة به مرفوعة الرأس:
كم شديت على تيسا بسوك الناب
وكم جايب زمل من الرهد كساب
حديث الناس كتير ماعندي ليهو حساب
ينقطع اللسان يا فاطمة ابوك ان عاب
*******
يعني انه يهاجم الأسد (تيسا بسوك الناب) وهو يغزو حتى منطقة “الرهد” فيأتي بالغنائم (الزُمَل كُسٌاب).
وفي مناسبة أخرى يقول:
مانى التَنبل القاعد براعي الضأن
وختاراً ببيت فوق قُجة ام كيعان
صباراٍ على قدر الإله ان كان
انا ابو فاطمة فى اليوم السنونو سنان
********
و(التنبل) هو الإنسان العبيط الذى لا همّ له، وانما أواجه المخاطر وابيت فوق العوالي (قجة أم كيعان)
وأنا اشرفك يافاطمة في يوم المعركة (اليوم السنونو سنان).
اما بعد انجلاء الغبار وهدوء العاصفة، فإن الهمباتي يقصد الحبيبة (وهي غالبا غير الزوجة)، حيث يلقى عصا الترحال فيتخفف من (لامة الحرب).

يأوى إلى ركن ركين تشوي له الحبيبة المشاوي وتقدم له ما طاب من الشراب ثم يستلقي يراقبها وهي ترقص:
عومي ونسّفي الفوق المتاقل ندّى
ما ترمينا بى عربيا كتالهم هدّه
تشوفى نبانا وكتين الصراع يتهدٌ
تمي الرقصة بعدين السما الينهدّ
******
فبعد ان تعوم (ترقص كما الوزينة)
لا يهمه شئ أبداً، حتى ولو انهدت عليهم السماوات السبع!!!.
وسلامتكم

ننعي للأهل والأحباب عمتنا (صلحة فضلون) بت دار السلام الخليفة علي، وهي آخر أحفاد الخليفة علي خليفة الشيخ إدريس ود الأرباب، والتي لاقت ربها راضية مرضية بمدينة الدامر يوم أمس الأول رحمها الله رحمة واسعة.

القاهرة / العيلفون
٢٠٢٤/١١/١٥ م

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.