بعد توقيع اتفاقية السلام بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل التي وقعت في العاصمة الأمريكية واشنطن في 26 مارس 1979، تم اعتبار شبه جزيرة سيناء منطقة منزوعة السلاح مقابل وقف العمليات العدائية من جانب الطرفين وتطبيع العلاقات واعتراف إسرائيل بمضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية.
ومع مرور السنوات لم يحدث اختراق للاتفاقية وساد نوع من الهدوء بين البلدين وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وحتى السياحية، لكن ما يحدث اليوم من تصعيد غير مسبوق في المنطقة وما تفعله إسرائيل من اختراق لبعض بنود الاتفاقيات المعلنة، بالإضافة الى الاستفزازات الأخرى التي تقوم بها تل أبيب من محاولات للضغط على جمهورية مصر العربية قد يعطي مؤشرات لتوتر العلاقات في المستقبل القريب اذا لم يتم التوصل لحلول جذرية واذا لم تتوقف إسرائيل عن استفزازاتها ومشاريعها الاستعمارية ليس فقط في قطاع غزة وجنوب لبنان، بل في أفريقيا كذلك وخصوصًا في الدول المطلة على البحر الأحمر كالسودان والصومال.
بدأت تل أبيب بالتصعيد والضغط على دول القرن الأفريقي حتى قبل بدء الحرب على قطاع غزة منذ أحداث السابع من أكتوبر من العام الماضي، فعلى سبيل المثال، حاولت إسرائيل تطوير علاقاتها الديبلوماسية مع جيبوتي في عام 2020 تمهيدًا لاستخدام بعض القواعد العسكرية التي كانت مستخدمة من قبل فرنسا في البلاد، ولكن قوبل الطلب الإسرائيلي بالرفض من السلطات في جيبوتي، وبهذا الصدد وفي 4 نوفمبر 2024، صرح وزير خارجية جيبوتي والمرشح لرئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، بأن الاتحاد الأفريقي لن يفتح أبوابه أمام أي دولة تتجاهل المبادئ القانونية والأخلاقية المشتركة بين الدول الأفريقية، وخاصة إسرائيل.
يقول الباحث بالشؤون الإسرائيلية عثمان أبو سمهدانة، إن إسرائيل مهتمة للغاية بإقامة علاقات مع جيبوتي لتعزيز السيطرة على البحر الأحمر ومكافحة الحوثيين اليمنيين بشكل أكثر فعالية، وكذلك الضغط على مصر.
ولتحقيق مصالحها في جيبوتي والحصول على قاعدة في مضيق باب المندب، تتجه إسرائيل نحو فرنسا، التي لا يزال موقفها في البلاد قويا، وتستضيف جيبوتي حاليا أكبر مجموعة عسكرية فرنسية في الخارج، قوامها 1500 فرد، وفي يوليو الماضي، مددت الدولتان معاهدة الدفاع، التي تحتفظ فرنسا بموجبها بالحق في استخدام قاعدة عسكرية في جيبوتي.
وتضغط فرنسا من جانبها من أجل التقارب بين جيبوتي وإسرائيل وتوفر قاعدتها العسكرية لعمل الموساد، وأصبح ظهور أجهزة المخابرات الإسرائيلية في القاعدة ممكنا بعد انسحاب الوحدة الألمانية من أراضي القاعدة الفرنسية عام 2021م.
ويضيف أبو سمهدانة: “جيبوتي ليست المثال الوحيد على محاولات التوسع الإسرائيلي في أفريقيا، فقد سعت لبناء قاعدة عسكرية في أرض الصومال مقابل تقديم اعتراف بها كدولة مستقلة الأمر الذي يعتبر بمثابة دليل أخر على المحاولات المستمرة للتواجد على البحر الأحمر، وهذا ما يشكل خطراً مباشراً للمصالح المصرية”.
أرض الصومال هي منطقة أعلنت استقلالها عن الصومال في عام 1991 ولكن لا تزال غير معترف بها من قبل معظم دول العالم، ويلعب موقعها الجغرافي دوراً مهماً، فهو يقع عند مدخل مضيق باب المندب، وهي نقطة شحن مهمة بجوار اليمن، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية للسيطرة على الممرات الملاحية، اما بالنسبة لمصر، التي وقعت اتفاقية تعاون مشترك مع الصومال، فالتواجد الإسرائيلي في أرض الصومال يعتبر بمثابة تهديد أمني لها، حيث أن تواجد إسرائيل أو اثيوبيا بهذه المنطقة قد يعرض حرية حركة السفن التجارية القادمة الى ومن مصر الى الخطر.
بالإضافة إلى ذلك، انتشرت في السنوات الأخيرة تقارير تفيد بأن إسرائيل والإمارات ناقشتا أيضًا إمكانية السيطرة المشتركة على جزيرة سقطرى الواقعة قبالة سواحل اليمن، وهناك تكهنات بأنه تم إنشاء قاعدة هناك، بما في ذلك مهبط طائرات ومنشآت عسكرية أخرى.
وما يحدث في السودان كذلك ليس بعيدًا عن هذه الأحداث، حيث أن قوات الدعم السريع تتلقى دعم عسكري غير محدود من قبل الإمارات العربية المتحدة، وفي الأيام الأخيرة ظهرت تقارير تفيد بأن القوات المتمردة في السودان تتلقى كذلك دعمًا عسكريًا من إسرائيل وفرنسا.
وكانت منظمة العفو الدولية قد أعلنت مؤخرًا، عن نتائج بعض التحقيقات التي أثبتت وجود مركبات مدرعة مصنعة في الإمارات ومزودة بتكنولوجيا عسكرية فرنسية، تُستخدم من قبل قوات الدعم السريع في النزاع القائم مع الجيش السوداني، وهو ما يشكل انتهاكًا محتملاً لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
كل هذه الشواهد تشير الى تحركات ضخمة تقودها إسرائيل بالتعاون مع حلفائها للتوسع أفريقيًا وخصوصًا في الدول التي تطل على البحر الأحمر، وهو ما يشكل خطرًا مباشرًا للمنطقة ككل وضغطًا إضافيًا على جمهورية مصر العربية بشكل خاص.