حسن فضل المولى يكتب: «الفاتح عروة» الذي عرفتُ

إن الذي دفعني لهذه (الخاطرة) ،

تلك ( الصورة ) التي جمعتني به ،

و هو يُكَرِّمُني ، مع المُكَرَّمين ، في

إحدى نسخ ( جائزة الطيب صالح ) ..

و ( الصورة ) كثيراً ما تبعث على الشجى ، و عذب الذكريات و مُرِّها..

و هي حاضرة في ( غُنانا ) ..

( فيها أيه إنسان بِعِزَك لما يحفظ

ليك صورة ) ..

و ( توعدنا و تبخل بالصورة ) ..

و في الخيال ،

( كيف تغطي الصورة صورة !! ) ..

و يبقى المصورون من أنفع العباد

لنا و هم يخلدون آثارنا ..

و من هنا أحييك أيها ( المصور )

البارع الخلوق أخي ( كمال عمر ) ،

و أنت توافيني بهذه الصورة

و أخواتها ،

و أحيي كل مصوري بلادي النابهين ،

و كذلك أتمنى لو أن كل واحد

منكم قرأ ما كتبته الرائعة

( سهير عبدالرحيم ) ، و هي تنعى

لنا ، قبل أيام ، المصور ( جاهوري ) ،

حيث أبانت لنا بأي عقلٍ و فؤاد

كان ( يُصوِّر ) ..

 

و أقول ..

أنا لست هنا بصدد الحديث

عن الفريق طيار ،

و لا عن الرئيس التنفيذي ،

و لا عن رجل الاستخبارات ،

و لا عن الوزير ،

و لا عن الخطر المُثير ،

و لا عن تاريخ الأسرة و سبقها ..

هذا مما يتفق عليه الناس

و يختلفون ، و هو مما لا يسترعي

إهتمامي ..

و لكنني خلال مسيرتي العملية ،

تعرفت على أناس كانت لهم معي

مواقف ( بيضاء ) أجد لزاماً علي

إبرازها كلما لاح لي منها بارِقٌ ،

و هو بالتالي تَلمُّس لوقائع كنت

من خلالهم طرفاً فيها و أنا أنهض بوظيفتي و اسعى نحو مقاصدي ..

و آتي هنا على ذكره ..

( الفاتح عروة ) ..

فبعد أن اقتربتُ منه أدركت كيف

أنه يسخو بوقته و اهتمامه ..

و ( من ليس يسخو بما تسخو

الحياة به

فإنه أحمق بالحرص ينتحر ) ..

و ليس السخاء وقفاً على المال ،

و لكنه الجود بالأهم و هو

الإهتمام ..

تذهب إليه في مكتبه ، أو يقابلك

عَرَضاً فيظل يُغدِقُ عليك من وقته

و اهتمامه و بشاشته ، حتى تظنن

أن الرجل لاشيء يشغله غيرك ،

و هو يحمل من الأعباء ما يُثقل

راسيات الجبال ..

يظل يحدثك و يحدثك ،

لا يستثقلك ،

و لا يملك ،

و لا ينظر إلى ساعته ،

و لا يوحي إليك بأنه مشغول ..

أذكر مرة و أنا في ( تلفزيون السودان )

كنا في ( مطعم الساحة ) ،

مع ضيف كريم و كان بيننا الأستاذ العلَم ( عبد الدافع الخطيب ) ،

و عندما فرغنا ، و نهضنا ، أقبل

( الخطيب ) على شخص أشار إليه

من هناك ، و ظللنا ننتظر وقتاً طويلاً ،

و الرجل يتحدث إليه باستغراق

و بشاشة ،

و كنت أغالب شعوراً بالتأخير

و الضجر ، و أقول في نفسي :

( لقد تأخرنا ، ده جا من وين كمان !! )

و عند سؤاله :

( ده منو الماسكك ده ؟ ) ،

أجابني : ( ده الفريق الفاتح عروة ) ..

كانت المرة الأولى التي أراه فيها

من على البعد ..

و بعد أن جمعتني به المجامع ،

أيقنت أن الرجل حين تلقاه ، لا

يغادرك أبداً ، و لا يَمَل حتى تَمَل ،

و ما أظنك تَمَلُ ..

 

و شهدت فترة عملي ( بقناة النيل الأزرق ) شراكة ناجزة مع ( زين ) ،

كانت بمباركة و دفع من ( الفاتح ) ..

فيوماً و الساعة تقترب من الثامنة

مساءً و أنا أغادر ( حي كوبر ) ،

الذي أتيته معزياً ، تلقيت منه اتصالاً أنبأني خلاله بفكرة ( جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي ) ،

و التي ستنطلق فعالياتها

بعد أيام ، و كان ذلك في ( فبراير

٢٠١٠ ) ، و أن هذا المشروع قد

أعدت له ( زين ) كل ما يجعل منه مناسبة عالمية للإحتفاء برمز

( سوداني ) غمَرَت سيرته الآفاق ،

و صنفت روايته ( موسم الهجرة

إلى الشمال ) كأحد أفضل مائة

عمل عربي في التاريخ ، و قد

ترجمت إلى عشرين لغة ..

و بعد أن أبدى لي رغبته في

أن تتولى ( النيل الأزرق ) التبشير

بالمناسبة ، و عكس أهم وقائعها ،

و التي تشتمل على ( الإفتتاح ) ،

و يومين ( للندوات ) و ليلة ( توزيع

الجوائز ) ..

أبديت له كامل استعدادنا ،

بل و غبطتنا بتسخير كل إمكانيات

( القناة ) لانجاح هذا المحفل الفخيم . .

وفي لحظتها أشرت عليه بقولي :

( طيب يا سعادتك ، خليني أقترح

عليك أنو ( القناة ) تقوم ( بالبث

المباشر ) لكل النشاط ، بما في

ذلك ( الندوات ) ، و التي تبدأ عند ( التاسعة ) و تنتهي عند ( الرابعة ) ،

مساءً و بَرَاعِيكم ،

و ما بنختلف ) ..

و أضفت مازِحاً :

( ما بنختلف

أديني قانون هواك

أحفظ حروفو حرف حرف ..

زي ما قال الشاعر “حسن الزبير” ) ..

و أعطاني ، بلا أخذ و رد ، موافقة

غير منقوصة و لا مشروطة ..

و من يومها حظِيت ( النيل الأزرق )

بالحُسنيين ،

عائد مادي معقول في كل دورة ..

و لكن الأكثر أهمية من ذلك هو

أن تحظى ( القناة ) بكنوز ثقافية

و معرفية ، مما مكنها من أن تبِرَّ

بها مشاهديها داخل و خارج

( السودان ) ، و هو ما لم يكن

ليتأتى لها لولا عالم ( زين ) ،

و ( فاتِحه) و ( أركان حربه ) ..

كنت أجد أفذاذ الشعراء و الأدباء

و المفكرين يتقاطرون من كل

أرجاء المعمورة ، مُقبلين على

رصفائهم السودانيين بغبطة

و إكبار لنسعد و تقر عقولنا

و قلوبنا بشعرٍ رصين ،

و قولٍ حسنٍ مُبين ،

و صحائف خالدات ..

و كنت أجد الأستاذ ( علي شمو ) ،

رئيس ( لجنة التحكيم ) ،

و ( علي شمو ) تصدر عنه ( المعالي ) ،

و إليه تنتهي ( المناقب ) ..

و كنت أجد الأديب الأريب

( إبراهيم محمد الحسن ) ،

نائب الرئيس التنفيذي ، و العاشق

للأدب و الفنون و الجمال ،

و إبراهيم له في قلبي منزلة منذُ

أن كانت زينٌ موبيتلاً ..

و أجد صديقي ( صالح محمد علي ) ،

مدير الإتصال المؤسسي ، و هو

من يسهر على الجائزة و من يُذلل

لنا الصعاب و يوطئ السبل ،

و صالح رأيُهُ ثاقب و نظرته راجحة ..

و أجد كل قبيلة ( زين ) ، و نجومها ،

و أزاهيرها يجوبون أرجاء ( القاعة )

كالفراش ..

و لكم أن تتصوروا سيداتي سادتي ،

كم كسبت ( القناة ) من دورات

( جائزة الطيب صالح للإبداع

الكتابي ) و التي بلغت

( الثلاثة عشرة ) ، و التي لولا الحرب لظلت شعلتها متقدة ، و إن كنت

أرى عودتها قريباً أنضر و أكمل

و أجمل ..

و البركة في ( الفاتح ) الذي هيأ

للعالمين هذا الملتقى البهيج ،

و نَفحَ به ( قناة النيل الأزرق ) ..

 

و ليس هذا فحسب ، و لكني أذكر

له يوم أن أدركني عندما تخلت

‏( Mtn ) عن رعاية برنامج ( أغاني

و أغاني ) ، و قد أوردت ذلك و أنا أتحدث عن ( البرنامج ) و مقدمه ( الأستاذ السر قدور ) :

( كانت الرعاية من نصيب

( سوداني ) لسنين عدداً ، وذات

مساءٍ ، و البرنامج قد اكتمل إعداده ،

و أنا في طريقي إلى ( بُري ) ، عابراً ( شارع الجمهورية ) ، بمحازاة منزل الراحل ”جعفر سيد أحمد قريش” ، إتصل بي أحدهم من ”سوداني” ، ليبلغني اعتذارهم عن الرعاية ، فانتحيت جانباً من الطريق ،

وأَسْنَدْتُ يَدايَّ على مِقْوَدِ العربة ،

و وضعت بينهما وجهي مغمض

العينين لدقائق ، ثم عدت أدراجي ..

وبعد يوم زفَّ إليَّ الوجيه ( مالك جعفر ) رغبة ( Mtn ) في رعاية

البرنامج و التي تولى متابعتها من

بعد ذلك الأخ ( ياسر أبوشمال ،

فانجبر الكسرُ بأعجل مايكون ..

و بعد سنوات و أنا في جدة ، وقبل أربعة أيام من رمضان أخبرني ،

صديق أن مدير ( Mtn ) أعلن قبل قليل ، في قاعة الصداقة ، أن المبالغ المخصصة للرعاية في ( رمضان ) ستوجه للمسؤولية المجتمعية ،

و لم يكونوا يرعون غير برنامج

( أغاني و أغاني ) ..

لقد غمني هذا النبأ غاية الغم ، وأمَضَّنِي ..

إنها قوارع قاتلة ، تأتيك في وقت

قاتل ، و لكن بعد أقل من ساعة

هاتفني الفريق طيار ( الفاتح عروة ) ،

و بعد ضحكة مُجلجلة ، أراحت

أعصابي قليلاً ، قال لي :

( زمااان قلنا ليك أدينا “الرعاية” ،

قلت مابتبيع الجماعة ، أها باعوك ، لكن نحن في “زين” معاك

و جاهزين “للرعاية “، و دعم هذا

البرنامج الذي يلتف حوله السودانيون ) ..

و قد كان ..

و أيضاً أقبلت ( زين ) على ( القناة )

بكل مناشطها ، و حملاتها الإعلانية،

و مسابقاتها ، مما كان له أبلغ الأثر

في دعم مسيرتها ، و التمكين لها ..

 

و أنا من جانبي كنت حريصاً على

هذه ( الشراكة ) و أكثر حرصاً على

استرضاء هذا ( الرجل ) لأياديه التي

سلفت ..

و إمعاناً في في الوفاء لهذه

( الشراكة ) أذكر هنا ، و لأول مرة ،

هذه القصة :

عندما نشبت تلك الأزمة بين

( زين ) ، و ( بنك الخرطوم ) بسبب ( كنار ) ، تلقيت دعوة من مدير

( بنك الخرطوم ) ، و كان يومها

السيد ( فادي الفقيه ) ..

جلست إليه و كان حاضراً السيد

( فيصل عباس ) نائب المدير ،

و الذي أصبح فيما بعد مديراً

( للبنك ) ..

و قدم لي ( فادي ) يومها عرضا

مغرياً بأن نفض ( الشراكة ) مع

( زين ) و أنهم في (بنك الخرطوم ) ،

على استعداد للدخول معنا في

( شراكة ) يُحسِنوا لنا من خلالها ( العائد ) ، بما في ذلك برنامج

( أغآني و أغاني ) ..

لم أتردد لحظةً ..

و كان ردي له باستحالة ذلك ،

جملةً و تفصيلاً ..

و ( فادي ) أردني من أصل فلسطيني ،

لذلك هناك من أنبأني بعدها أن

( فيصل عباس ) ، قد نقل له اعتزازه

البالغ بهذا الموقف الذي صدر

عني ..

 

و تمشياً مع ..

( و لا تنسوا الفضل بينكم ) ،

فإن ذكر الفضل و التغني به

لا يقف عند عظائم ( الصِلات ) ،

و لكنه يتجاوزها إلى ما دونها ،

و إن كانت ( كلمة) ، أو ( لقيمة )

على مسْغَبة أو ( شِراكُ نَعْلٍ ) ..

و كنا في السابق نُباهي و نحتفي ( بالمنديل ) ، فهو على بساطته

رسولُ معزةٍ و وِداد ..

( إنت جميل

و الجابك ليَّ ملاك و جميل

يامنديل ) ..

إن هناك من أوجه المعروف ما لا يلتفت إليها الكثيرون ، و لا يأتيها

إلا من في قلبه مسحة من محبة

و فيوض إعزاز ..

و هو مما ينبغي أن نشجعه ،

و نتواصى عليه بحسبانه من أوجه

الإحسان و القُربى ..

و ( لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ) ..

و النهج القاصد في ذلك ..

( إذا صنعت معروفاً فاستره

و إذا صُنع إليك معروفٌ فانشره ) ..

و ها أنذا أفعل ..

و أنا أشهد ( عقد قران ) إبنة

( الفاتح ) و الذي التأم ( بمسجد

النور ) ، أعاده الله سيرته الأولى ،

و بعد خروجي و جدت أن ( لصّاً )

قد فجعني في ( حزائي ) ،

و ليس هناك أوجع من نَشْلَة

( الجيب ) في ( السوق ) ، و ( سرقة )

( الحِزاء ) في ( الجامع ) ..

خرجت أرتَمِضُ فوجدت إلى جانبي

الوجيه ( مالك جعفر ) ، فرافقته

إلى ( سيارته ) حيث كان محتفظا

( بحزاء ) للطوارئ أقال به عثرتي ..

و بعد فترة ليست بالقصيرة

فوجئت ( بالفاتح ) يعوضني بآخر

أقيَّم و أجود ، بعد أن مازحه أحد الأصدقاء بأن ( العقد طلع مع

حسن بالخسارة سرقوا جزمتو ) ..

و بعد مغادرتي ( لقناة النيل الأزرق ) ،

بعامين ، نزلت ( القاهرة ) مستشفياً

و زائراً ، و صادفت وجود أحد

الأصدقاء المرموقين ، و هو من ذوي

مودته ، و ( الفاتح ) يومها مريضاً

في ( أمريكا ) ، و لم نكن على تواصل

معه ، فإذا به يُغدِق علينا من سؤاله

و أفضاله عبر الأخ ( صالح

محمد علي ) ، و الذي كان يومها

في ( القاهرة ) ، مما جعل إقامتنا

تمتد و تخضر ..

و على هذا فقِس ..

و هذا هو ( الفاتح عروة ) ،

كما بدا لي ..

زول حارّة ،

و زول واجب تجده إلى جانبك

إن لم يكن أمامك ..

و يُبْدي لك من نفسه أنه شخص

عادي و هو غير عادي ،

إذ أنه يحتشد بكل عناصر القوة

و النبوغ ،

و الأنِفة ..

و قد تحقق له من المجد و الكسب

ما لم يُسكره أو يجعله يطأ الثرى

فخراً و تيهاً ..

و تكسوه صلابة تجعله عصيِّاً

على الانكسار في وجه أعتى

التحديات و الابتلاءات ، و هذا

ما يواجه به قدره و هو يعاني

من داء مُقعِد ، لم يحبسه عن

أداء واجبه تجاه بلده و عمله

و أهله و ذوي مودته ..

و أسأل الله أن يمُنّ عليه بعافيته ،

و يجعل من مرضه كفارةً له

من كل ذنب ..

و السلام ..

 

٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤م

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.