ما بين حكومة المنفى وتعديل حكومة بورتسودان الوثيقة الدستورية: يخلق من الشبه أربعين (٣)

صديق محمد عثمان

– يتطور نظام الحكم وفقا للأصول والمرجعيات والفلسفة التي تأسس عليها، فاذا تاسست السلطة العامة كوكيل لجماعة اجتماعية أو ثقافية أو عرقية او جغرافية محددة فان هذه السلطة ستتطور في اطارها الاجتماعي / الثقافي / العرقي أو الجغرافي المحدد، هذا وسوف تشترك عوامل محدودة بهذا الاطار لتطوير هذه السلطة داخله وليس خارجه. وستكون عملية تطويرها معقدة جداً لانها تحاول اما توسيع السلطة العامة لتشمل كل اطارها أو ضبط شكلها ووظيفتها لتستوعب أو تقصر عن استيعاب آخرين في نفس الاطار.

وكما هو الحال ستنتج عملية التطور هذه معايير وترسخ مفاهيم تحاول (ترفيع) الناس اليها عن طريق عملية الحاقهم بالمرجعيات التي تاسست عليها السلطة وستكون عملية تعويم بعض هذه المعايير والمرجعيات قاسية جداً على الأصلاء الذين يعتقدون انهم اصحاب (الجلد والرأس) في عملية تاسيس هذه السلطة.

– عملية تعويم معايير الكفاءة للمشاركة في التعاقد الاجتماعي الذي يحكم مجتمعات استغرقت قرونا طويلة جداً في الغرب دارت خلالها حروب أهلية وكلفت رؤوس ملوك وأباطرة ولوردات وثوار وأبطال، كانت عمليات سحل بعضهم تجري في الهواء الطلق قبل ان تنتقل إلى الغرف والقبوهات المظلمة حيث لا تزال تمارس أبشع أساليب التعذيب الوحشية كما شهدنا خلال حروب العراق وافغانستان وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، عمليات الاغتيال خارج نطاق القانون يوقع عليها قانوني اسود تم اختياره وترفيعه بعناية شديدة من قبل أصحاب المصلحة ومعسكرات التعذيب الوحشي انعقدت في دول كثيرة استأجرها هولاء السادة ورحلات اختطاف وصيد المستهدفين الشبيهة بسفن الرقيق التي كانت ترسو على الشواطئ الغربية لأفريقيا ثم تطلق حملات الصيد البشري.
– واستهدفت عملية تعويم المعايير ترفيع قطاعات من المجتمع لتلتحق بجماعة (أهل الحل والعقد) أصحاب المصلحة في تاسيس السلطة العامة، ولذلك ظلت عملية الاختيار والترفيع هذه تتم لفئات اقلية عرقية أو دينية أو ثقافية، واخيراً أضيف اليها جنسية. وظلت الكتلة الاجتماعية المركزية الحرجة هي صاحبة شهادة بحث هذا النظام وهي التي تقرر في معاييره واهلية من يحق له الانضمام اليه.
– دستور الولايات المتحدة الأمريكية مثلا والذي تمت اجازته وأصبح ساريا في العام ١٧٨٨ م تعرض إلى التعديل، ٢٧ تعديلا منذ ذلك الحين أولها كانت تعديلات وثيقة الحقوق المدنية في العام ١٨٩١ اي بعد ثلاث سنوات فقط من اجازته والتي منحت الأمريكيين حق التعبير بكافة أشكاله وحرية الدين والاعتقاد وحماية الملكية الخاصة. وربما تعتقد ان ذلك عمل عظيم وربما جاز التقاضي عن كيف غفل الدستور عن مثل هذه الحقوق والحريات عند وضعه حتى احتاج إلى سلسة تعديلات عاجلة بعد ثلاث سنوات فقط؟! ولكن الأدهى من كل ذلك أن هذه التعديلات نفسها لم تكن مطلقة وشاملة ولم تشمل الجميع فلفظ (الأمريكيين) الذي حملته وثيقة الحقوق في ١٧٩١ لم يكن يشمل السود مثلا ، فحتى بعد قرن من وثيقة الحقوق هذه وفي العام ١٨٨٥ تقدم رجل أمريكي أسود بقضية في المحكمة العليا للسماح له بدخول مطاعم البيض ورفضت المحكمة طلبه!!! ومعلوم ان السود في أمريكا اضطروا بعد قرن ونصف على وثيقة الحقوق المذكورة أعلاه ان يبداوا زحفا طويلا منذ منتصف خمسينات القرن العشرين حتى مشارف السبعينات تقدموا خلاله بوثيقة جديدة للحقوق المدنية تم تعديلها أربعة مرات وراح ضحية النضال في سبيلها زعماء سود بارزين امثال مارتن لوثر كنغ الثاني ومالكولم اكس وغيرهم. بل ان وثيقة الحقوق المدنية التي عدلت الدستور الأمريكي في العام ١٧٩١ ومنحت (الأمريكيين) حرية الاعتقاد وحرية التعبير لم تستطع حماية الاعتقاد في الشيوعية مثلا من مقاصل الإقصاء والتضييق والاتهام.
– يتبع (٤)

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.