أناشيد العودة… قناديل الطريق (أطباء) 2

كتب: هشام الخليفة

ظَـلّ السُّودان على امتداد التاريخ، ينجب المُبدعين في كل المجالات، وستظل رحمه ولادة ترفد العالم بكل أطياف العلماء والعظماء، وعلى أكتاف هؤلاء وبغيرهم حتى من عامة أفراد الشعب، سينبني السودان الجديد سودان الغد الواعد بإذن الله سوداناً قوياً عزيزاً شامخاً أبداً إن شاء الله. في طليعة هؤلاء (البنّاءون) يأتي الأطباء. 

 

تعتبر مملكة “كوش” في شمال السودان مهد الحضارات الأفريقية، وكما كان حكامها محاربين أشداء، كان فيهم علماء بارزون في الفلك وأطباء مهرة وأولهم الطبيب “تحوتي نفرت – ٣٠٠ ق.م” وقد وُجدت وصفاته الطبية منحوتة على جدران المعابد والأهرامات وهي خليط من الأعشاب الطبية والصلوات والطقوس والتراتيل الدينية.

 

ويبدو أن أهلنا الشايقية وهم أهل حكمة ودراية ويعيشون في نفس المنطقة قد ورثوا هذا الضرب من العلاج، فقد تغنت إحدى شاعراتهم قائلة:

البليلة أم ملحاً نضيف

حبة لوبيا وحبة عيش ريف

اليضوقك يحلف يقيف

يا حلاتك في الشلاليف

وإنتي مويتك دوا للنزيف

******

وهنا قد وصفت حبوبتنا الشاعرة دواءً ناجعاً للنزيف بدون كيماويات ومواد ضارة بالصحة!!!

ثم انتقل هذا النوع من العلاج مع بداية تكوين الممالك الإسلامية في السودان، فـ(أسلمة) رجال الدين والفقهاء والصالحين بإدخال العلاج بالقرآن أو بالرقية الشرعية، وعلى رأس هؤلاء الفقهاء كان أبونا الشيخ إدريس ابن الأرباب. يحكي المؤرخ الشيخ محمد ود ضيف الله في سفره الموسوم “كتاب الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان” أن أبونا الشيخ إدريس ابن الأرباب هو والشيخ بانقا الضرير كانا (يسوحان) في أرض الله الواسعة حتى وصلا إلى سنار عاصمة “السلطنة الزرقاء” وكان عليها “الملك عمارة أبو سكيكين” وصدف أن كانت والدته مريضة مرضاً شديداً فدعا الشيخ إدريس ليرقيها الرقية الشرعية وقد فعل فشفيت بإذن الله.

ومن هنا ذاع صيته في الأرجاء، وقرّبه ملوك سنار فأصبح مفتى “السلطنة الزرقاء” وبذلك صارت “العيلفون” موطنه هي أرض الفتوى للمملكة.

 

ومن نسل الشيخ إدريس ابن الأرباب، خرج أحد أعظم الأطباء السودانيين، ويعتبر الأب المؤسس لمهنة الطب والذي لُقِّب بـ”أبو الطب في السودان” وهو الدكتور داؤود مصطفى خالد (١٩١٧ – ٢٠٠٨ م).

وُلد بروفيسور داؤود مصطفى في جزيرة توتي وفيها درس “الخلوة”، حيث حفظ القرآن، ثم تنقّل مع والده في مختلف المدن، حيث إن والده كان موظفاً حكومياً ودرس هناك حتى التحق بـ(Kitchiner School of Medicine – مدرسة كتشنر الطبية) في الخرطوم، حيث درس الطب وتخرج فيها طبيباً ممارساً، جاب كل أرجاء السودان، ثم اُبتعث إلى بريطانيا حيث نال دراسات عليا في الطب متخصصاً في جراحة المخ والأعصاب في Hammersmith Hospital مستشفى همرسميث وQueen Square Insitute for Nervous Disorders “معهد كوين سكوير للاضطرابات العصبية”، وهو أول عميد سوداني لـ”كلية طب جامعة الخرطوم” وقد أسّس مع بروفيسور حسين سليمان أبو صالح، جمعية أطباء المخ والأعصاب في السودان.

 

وهنالك أيضاً الدكتور علي بدري (١٩٠٣ – ١٩٨٦م) وهو ابن الشيخ بابكر بدري رائد تعليم البنات في السودان. وُلد دكتور علي بدري في رفاعة، ثم انتقل منها مع والدة إلى أم درمان وهنالك درس الطب أيضاً في مدرسة كتشنر الطبية، وتخرج فيها، ثم مارس المهنة متنقلاً في أرجاء السودان المختلفة. واُبتعث بعد ذلك إلى بريطانيا، حيث نال تدريباً عالياً في Hammersmith Hospital “مستشفى همرسميث”، ثم بعد ذلك أحرز زمالة الكلية الملكية للأطباء. أصبح البروفيسور علي بدري أول وزير صحة سوداني قبل الاستقلال (١٩٤٨م – ١٩٥٢م)، وبذلك انفتح الباب للسودانيين ليتبوأوا المناصب القيادية والحساسة في) الدولة.

 

ثاني الأطباء في قائمة الشرف هذه، هو الدكتور علي نور الجليل.. يعتبر الدكتور علي نور الجليل عبد الرحمن (١٩٣٦ – ٢٠٢٠م) أول من انفتح على العالمية من الأطباء السودانيين ونال شُهرة واسعة في مجال طب القلب. وُلد دكتور علي نور الجليل في حي العباسية بأم درمان وتلقى تعليمه ما قبل الجامعة في مدارسها، ثم التحق بكلية الطب جامعة الخرطوم وتخرج فيها بامتياز. كان دكتور علي نور الجليل عاشقاً للموسيقى حتى أنه ترك مهنة الطب لفترة وتفرغ لدراسة الموسيقى وقد كان عازفاً للجيتار مع “فرقة الفنان شرحبيل أحمد”. تخصص الدكتور علي نور الجليل في دراسة أمراض القلب وقد تم اختياره رئيساً لـ”مركز زراعة القلب في مانشستر”، ونشرت ذلك الخبر جريدة “الغارديان البريطانية” وهو يعتبر ثاني أشهر جراحي القلب العرب بعد المصري مجدي يعقوب، ونال أيضاً لقب “سير” من ملكة بريطانيا وهذا شرفٌ عظيم له والسودان.

هذا هو الجيل الذي تغنى له عمنا الفنان سيد خليفة من كلمات دكتور حسن الشلالي:

السمرا الحبيبة

الناديه ورطيبة

اموت في القصر الصيني

وتنقذني الطبية

******

 

لا أستطيع أن أحصر الأطباء المبرزين في السودان فهم طيفٌ واسعٌ تخصّصوا في كل فروع الطب وبرزوا فيها، منهم بروفيسور مامون يوسف حامد رائد طب الأطفال في السودان وبروفيسور عبد الله أحمد دفع الله الذي اقتحم اسمه بجدارة قائمة أعظم مائة عالم قدم أبحاثاً قيِّمة في علم الـBiochemsrty في القرن العشرين في كل العالم، وبروفيسور علي حبور العميد السابق لكلية الطب جامعة الجزيرة وبروفيسور سليمان حسين مدير مستشفى سوبا الجامعي السابق وأخيه بروفيسور عبد المنعم حسين جراح القلب المشهور في بريطانيا وبروفيسور سعد صباحي استشاري القلب المعروف والذي يقال إنّه كان الطبيب الخاص للدكتور حسن الترابي، والبروفيسور عمار الطاهر استشاري المخ والأعصاب وعميد طب جامعة الخرطوم السابق، والدكتور الواثق الشيخ إدريس الحبر استشاري الطب النفسي في بريطانيا، حتى نصل للجيل الحديث من الأطباء، وعلى رأسهم دكتورة ندى عبد الله زكريا سليلة بيت العلم آل بدري وابنة الدكتورة منى كنتباي، ودكتوره ميادة سوار الدهب في الأمراض النفسية، ثم جيل ابننا الدكتور عبد الله عبد الرحيم صباحي الذي يتخصص الآن في أمريكا في أدق أمراض القلب.

 

بهؤلاء الرجال وبغيرهم من العلماء، ستنطلق النهضة في السودان وسيخرج المارد من كبوته أقوى وأعظم بإذن الله.

 

الآن وقد تحرّرت العيلفون بفضل قواتنا المسلحة وبعزم أبنائها من المستنفرين النجباء المخلصين، جُرح منهم من جُرح، واُستشهد منهم من استشهد لهم الرحمة والغفران وأعالي الجنان، ان عن لي ان اقول كلمة فإنني أخاطب الشباب في كل السودان وشباب العيلفون على وجه الخصوص أنّ القدر الآن قد وضعكم في امتحان صعب. بنى آباؤكم المنازل وعمّروها بالأثاث فخربها هؤلاء الأوباش المجرمون الحاقدون وسرقوها وأمّنوا مستقبلكم بما جمعوا من أموال وذهب، فسطا عليها هؤلاء اللصوص، والآن قد جاء دوركم، شِدُّوا الهِمم واكربوا الزند، وعمِّروا دياركم، وحلوا محل الآباء الذين هدّهم المرض والكبر.

أنتم أمل المستقبل، وأنتم الزاد للطريق، وأنتم مَن سينهض بالسودان مرةً أخرى، وتذكّروا دائماً ترنيم عمكم الشاعر الضخم الجاغريو:

نحن أولاد أبو فركه نقعد نقوم على كيفنا

في شقا في لقا دائماً مخدر صيفنا

نحن الخرس بنملاهو ونكرم ضيفنا

ونحن الفوق رقاب الناس محدر سيفنا.

*******

بعد انجلاء معركة العيلفون، نتمنى الشفاء العاجل للجرحى والرحمة والمغفرة للشهداء، والخزي والعار للأوباش المجرمين اللصوص.

وسلامتكم،،،

 

انتقلت بالقاهرة مبكياً على شبابها الابنة إيثار جاد الله النذير لها الرحمة والمغفرة والعزاء لآل النذير جاد الله وآل الخليل وكل الأهل بالعيلفون والخرطوم والقاهرة.

القاهرة – العيلفون 

  واتس اب 00201117499444

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.