الخرطوم “كرش الفيل”.. هل من عودة ثانية إليها؟

تقرير: مشاعر أحمد

قبل الحرب، كان ربع سكان السودان تقريباً، يعيشون في الخرطوم عاصمة البلاد، فهل يعود إليها سكانها وتملأ شوارعها بالناس كما كانت؟، يبدو السؤال صعباً.

وعلى عكس كل حروبات السودان التي تركزت في هامش البلاد وحدودها البعيدة، فإن حرب الخامس من أبريل 2023 بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، اندلعت شرارتها الأولى من الخرطوم، وتوسعت في كل مدنها وأحيائها العريقة، قبل أن تنتقل إلى ولايات السودان الأخرى.

الخرطوم العاصمة، أو كرش الفيل، كما يشبهها السودانيون ببطن الفيل لكبرها وقدرتها على استيعاب سكان جدد، تقع في قلب السودان، وتبلغ مساحتها حوالي أربعة آلاف و948 كيلومتراً مربعاً، وتضم حسب التقسيم الإداري، سبع محليات وهي: “الخرطوم، جبل أولياء، الخرطوم بحري، أمبدة، شرق النيل، أم درمان وكرري”، ويبلغ عدد سكانها قبل الحرب ما يقارب الـ11 مليون نسمة، وامتازت تلك التركيبة السكانية بالتنوع الثقافي والديني والعرقي، نتيجةً للهجرات العديدة إليها منذ عهود قديمة، ويربط مدن العاصمة الثلاث، 10 جسور بالإضافة إلى جسر الدباسين على نهر النيل الأبيض، الذي مازال قيد الإنشاء منذ 2003.

لم تكن الخرطوم قبل الحرب مزدحمة فقط بالكثافة السكانية والعمرانية، فقد تكدّست فيها أهم الخدمات الحياتية، على سبيل المثال كانت بها 1199 مدرسة أساس و679 مدرسة ثانوية، وحوالي 8 جامعات حكومية و17 جامعة خاصة و65 كلية بين أهلية وأجنبية، و130 مستشفىً، وتوجد فيها عشرات البنوك، عدا مقرات الحكومة الاتحادية، والمناطق الصناعية، وثقل للتجارة.

وطبقاً لإحصاءات أولية، فإنّ العاصمة الخرطوم خسرت خلال عامين تقريباً من القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع الآلاف من سكانها ممن بقوا تحت دائرة الحرب، وأُصيب عشرات الآلاف، بينما اختار الملايين النزوح إلى ولايات آمنة أو اللجوء لدول الجوار، كذلك فَقدَ السكان ممتلكاتهم وأثاثاتهم المنزلية ومدخراتهم، أو حتى مشاريعهم التي يعتمدون عليها في الرزق، كما أدى القتال إلى دمار هائل في المستشفيات قُدِّرت خسائرها المالية بملياري دولار، بحسب وزير الصحة السوداني، هيثم إبراهيم، الذي قال في وقت سابق إنّ الحرب أدت إلى انهيار النظام الصحي بشكل شبه كامل.
فيما أعلنت الغرفة الصناعية في السودان، في وقت سابق، عن فقدان أكثر من مليون وثمانمائة عامل لوظائفهم منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023.
وقالت الغرفة التجاري، إن حجم الخسائر التي تعرض له القطاع الصناعي بولاية الخرطوم، تقدر بأكثر من 50 مليون دولار وتوقف 90% من المصانع عن العمل في العاصمة.

 

وقال معاوية البرير، ممثل الغرفة التجارية وممثل القطاع الصناعي على هامش مؤتمر تنمية وتطوير القطاع الصناعي الذي انعقد الخميس بمدينة بورتسودان، في وقت سابق، “إن القطاع الصناعي تعرض لخسائر ضخمة طالت أكثر من 90% من المصانع في ولاية الخرطوم بخسائر قرابة الـ50 مليون دولار بالنسبة للقطاع الصناعي وتوقف أكثر من 1800 عامل وموظف عن العامل”.

 

من جهته، قال د. جبريل إبراهيم، وزير المالية السوداني، إن الحرب دمرت كل المصانع والشركات والمؤسسات الحكومية في ولاية الخرطوم، وفقدت الولاية 95% من الإيرادات.

فيما أعلنت وزارة التعليم، عن تأثير الحرب على كافة الجامعات والكليات في الخرطوم بسبب التخريب الممنهج من قبل قوات الدعم السريع.

 

خلال الأسابيع الماضية، حقق الجيش انتصارات واسعة في عدد من محاور القتال بما في ذلك مدينة الخرطوم بحري وأجزاء من شرق النيل والخرطوم، وبات قريباً من أي وقت مضى من تحرير كامل الخرطوم، وكسر الحصار عن مدينة الأبيض وحرر أم روابة، وذلك بعد تراجع مستمر وتدهور لمليشيا الدعم السريع التي سبق أن سيطرت على غالب أجزاء الخرطوم، ومع هذا الوضع، يبقى مهماً السؤال، كم من الزمن تحتاجه الخرطوم لإعادة الخدمات.

 

يحاول الإجابة على السؤال الخبير الاقتصادي والمحلل المالي قاسم الأظافر قائلاً لـ(السوداني): هناك مشكلة في المراكز الحضرية بالسودان فيها تكدس ضخم للسكان مقارنة بالمدن الأخرى نتيجة لمركزية الخدمات، لذا ينبغي أن تكون هناك خطة جديدة وتنمية في السودان.

وأضاف: “ولاية الخرطوم تحتاج لتكاليف عالية جداً لإعادة البناء، القطاعات الحكومية يمكن أن تسهم في إعادة التوزيع وهناك 100 جامعة يشكل متوسط الجامعات 10 آلاف غير الأساتذة هؤلاء يشكلون ضغطاً، حيث يحتاج الى جملة قرارات منها عمل مدينة جامعية خارج العاصمة وتتم الاستفادة من الأصول”.

 

وأوضح أن كثيراً من القطاعات تحتاج لإعادة توزيع، وأنّ الخرطوم تحتاج لإعادة تخطيط مثل مقرات المدرعات والسجون والقيادة، مشيراَ إلى أن المشروع يأخذ زمناً وجهداً وتكلفة وينفذ على مراحل، إضافةً للمناطق الصناعية، وكثير من الصناعات الغذائية والحيوية يجب ان تخصص لها مدن صناعية خارج العاصمة.
وشدد على أنّ هناك فرصة الآن للاستفادة من ظروف إعادة البناء والأعمار، وأكد أن كثيراً من الخدمات محتاجة لإعادة ترتيب مثل المواصلات تصبح شركة مساهمة عامة، والأسواق أيضاً، اعادة تنسيق وترتيب، والأسواق العامة الحالية لا تليق بالمرحلة جديدة، بل تحتاج لنقلة وترتيب، وسباق الخيل قسمته السكنية تفوق 200 مليون دولار.

وأشار الظافر إلى أن الخرطوم فيها إشكالات بنى تحتية، في الطرق والصرف الصحي والطاقة والكهرباء، وكذلك المطار مكانه غير مناسب ويشكل تقييداً كبيراً وتأهيله وإعادة الصيانة يكلف ما بين 300 – 400 مليون دولار.

 

أما الأستاذ الجامعي مصعب محمد علي، قال لـ(السوداني)، إن إعادة الإعمار يحتاج لفترة ليست بالقليلة وربما يأخذ ذلك ما بين عامين إلى خمسة أعوام حتى تعود الحياة بكاملها من جديد إلى الخرطوم.

وأضاف: “الإعمار وتوفر الخدمات وإزالة مخلفات الحرب مرتبط بتوفر الأمن والأمان والشعور به حتى يساعد على عودة السكان”، وتابع: “إذ لا أتوقع عودة سريعة للخرطوم، بل عودة يشوبها الحذر والتردد”.

 

هل يمكن أن يعود جميع السكان إلى الخرطوم؟

هل يمكن أن يعود سكان الخرطوم اليها بعد كل الخراب، أم يفكر الناس في الاستغناء عنها والبقاء في ولاياتهم لا سيما بعد أن ازدهرت مدن أخرى؟
يقول الأستاذ الجامعي مصعب محمد لـ(السوداني): “العودة للخرطوم مرتبطة بإعادة الخدمات واستتباب الأمن في كل الولاية ونهاية الحرب، وأعتقد متى ما تحققت هذه العوامل سيعود الناس مرة أخرى، بالأخص الذين يسكنون بالإيجار في الولايات، اما البعض الآخر سيفكر في البقاء بأماكن النزوح خصوصاً الذين ارتبطوا بمهن وتجارة وأعمال سيفضلون الاستقرار وعدم العودة وأصبح نمط حياتهم متغيراَ عن ما كان عليه في الخرطوم. اما أصحاب الأموال والذين فقدوا مصانعهم وشركاتهم وأسّسوا أعمالاً خارج الخرطوم أو السودان لا أتوقع عودتهم مجدداً، بل سيتجنبون العودة مرة أخرى وربما فكر البعض الآن في عدم العودة إطلاقاً والاستثمار مرة أخرى في الخرطوم، وهذا سيؤثر على المدن الصناعية بالخرطوم”.

 

رؤية الأمن في العاصمة
يقول الخبير الأمني عمر أرباب لـ(السوداني): “تواجه الدول في مراحل ما بعد الحرب جملة من التحديات، الآن تحدي الخرطوم أن الحرب لم تتوقف، لذا خطر الحرب سيظل قائماً باعتبار ان مليشيا الدعم السريع انسحبت من الخرطوم وهو انسحاب مهزوم، فما هي الضمانات من مهاجمة الخرطوم مرةً اخرى إذا قامت بترتيب صفوفها بعد هذه الهزيمة”.

وأشار إلى أن خطر تجدد المعارك مرة أخرى حتى إذا تم توقيع اتفاقية مع المليشيا.

ونوه إلى ان مشكلة انتشار السلاح بيد المليشيات خارج الأجهزة النظامية أو سلاح فردي في الخرطوم، بالاضافة الى ان الحالة الاقتصادية التي سيعاني منها الناس في المرحلة القادمة من شح الموارد وتوقف مصادر الدخل تدخل من خطر المهددات الأمنية وحالات النهب والسلب والعمل المسلح بمثابة خطر قائم يهدد حياة المدنيين.

وأضاف: “هناك مشاكل اجتماعية باعتبار ان مليشيا الدعم السريع تنتمي لمكونات اجتماعية معينة وكانت متعايشة في العاصمة، الحرب أفرزت واقعاً جديداً يطلب معالجات معينة حتى لا يحدث التعدي أو الانتقام والانتقام المضاد”.

ولفت إلى ان التحدي تأمين العاصمة لأنّ كثيراً من المقاتلين من أفراد البوليس والمستنفرين يتبعون لكتائب مقاتلة ولكن يستمرون في عملية تأمين العاصمة لفترات طويلة لأن لهم اشغالاً والتزامات ومستقبلهم يحتاج الى زيادة القوات تنتشر لتأمين العاصمة ما قد يسبب نقصاً في الأفراد، عليهم مواصلة القتال في مواقع أخرى لتصبح مشكلة التأمين من جانب، وخوض المعارك من التحديات الكبيرة التي تواجه المرحلة القادمة.

وتقول المواطنة لينا الفاتح التي غادرت الخرطوم منذ الشهر الثاني من عمر الحرب إلى مصر لـ(السوداني)، إنها تريد العودة الى الخرطوم اليوم قبل الغد لأنها لا تحس بالأمن خارج البلاد ولم تجد الراحة.
وأضافت: “انتظر فقط تحرير الخرطوم بالكامل وساعود وابدأ من جديد في بناء منزلي وإعادة أعمالي في الخرطوم.

اما ليمياء بابكر التي غادرت إلى الولاية الشمالية، تقول لـ(السوداني)، إنها اعتادت على الحياة في الولاية ولا تود العودة إلى الخرطوم وإن تم إعلان توقف الحرب.
وأشارت إلى انها لن تستطيع أن ترجع الشعور بالأمن مرة اخرى او تمن على نفسها وأولادها.

بيد أنّ آدم إسماعيل يقول لـ(السوداني)، إنه لم يجد نفسه في الغربة، وانه مهما سعى للعمل، إلا أنه فقد الشغف ويود العودة إلى الخرطوم حيث السكن في كنف الأسرة والأصحاب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.