“صمود”..  تحالف يعزز الانقسام السياسي في السودان بأهدافه المعلنة والخفية

القى تشكيل تحالف سياسي مدني جديد برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بظلاله على الأوساط السياسية والإعلامية والمدنية في السودان.
فبعد إعلان قوى سياسية وشخصيات سودانية في فبراير الماضي، عن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، برئاسة حمدوك، بعد إعلان تنسيقية “تقدم” حل نفسها. توجهت الأنظار نحو التحالف الجديد، وبدأت التساؤلات والانتقادات تتوالى من ممثلي أحزاب ومحللين ومراقبين وصحفيين وناشطين حول أسباب تشكل هذا التحالف والداعمين له، وأهداف تشكله.

“صمود”.. الرؤية والأهداف المعلنة
في سياق ذو صلة، فقد ساهمت الانتقادات الكبيرة واشارات الاستفهام التي أحاطت بتحالف “صمود” إلى إصداره بيان حول إعلان رؤيته السياسية وأهدافه، بعد مرور أقل من شهر على إعلان تشكيله.
وقال المتحدث باسم “صمود” بكري الجاك بتصريحات صحفية، رداً على الانتقادات إن الأمانة العامة للتحالف قررت في اجتماعها المنعقد بداية مارس الحالي، طرح رؤية سياسية جديدة وخارطة طريق خلال الأيام القادمة لإنهاء الحرب. مشيراً إلى أن ملامح الرؤية السياسية تهدف إلى إيقاف الحرب عبر وسائل حشد جهود القوى المدنية والعمل الدبلوماسي لتحريك دور الوساطة، بالإضافة إلى التواصل مع أطراف الحرب. وتابع قائلاً: “إن التحالف سيعلن عن رؤيته وخارطة الطريق في القريب العاجل”.

وبحسب الباحثة في الشؤون السودانية شروق حبيب أحمد، فإن “صمود” لم تأتي بأي شيء جديد، حيث نشأ التحالف من غالبية قوى تنسيقية “تقدم” السياسية، الوجوه ذاتها ومجموعات مهنية ونقابية، مع لافتات وشعارات لا وزن لها، ولم يشهد “صمود” توسعا في مكوناته أو مبادئ جديدة، في حين كان يدعو لجبهة مدنية عريضة.

وأضافت شروق حبيب، بأن تحالف “صمود” تمسك بشعار تنسيقية تقدم” نفسه “لا للحرب”، ولكن دون برنامج واضح لإنهائها، كما أن مواقف التحالف، حسب بيانه التأسيسي، لا يعترف بالجيش وشرعية مؤسسات الدولة ويتعامل مع المؤسسة العسكرية كفصيل سياسي. وهذا ما يدفع باتجاه زيادة الفجوة والانقسام بين أبناء البلد بدلاً من تقريب وجهات النظر.

وطرحت شروق حبيب أحمد، تساؤلاً بأنه كيف يمكن الوثوق بـ “صمود” وهو امتداد لـ “تقدم” التي رفعت سابقاً شعار “لا للحرب” ولكن هناك كثير من القوى والمكونات والأحزاب المنضوية تحت رايتها كانت تريد تشكيل حكومة موازية في مناطق “الدعم السريع” مما يؤجج الحرب ويزيد الخلاف وينقل البلاد إلى التقسيم.
كما أن الانقسام الحاصل في “تقدم” يوحي بوجود ارتباطات خارجية لبعض مكوناتها وممثليها، الذين تتماهى سياساتهم مع مصالح قوى إقليمية ودولية.

انقسام “تقدم”.. كيف ظهر تحالف “صمود”؟
بحسب مصادر سياسية سودانية، فإن خلافات كبيرة حلّت بين المكونات والأحزاب السودانية المكونة لـ “تقدم”، فانقسمت تلك القوى لفريقين بتوجهات متعارضة، شكّل كل منهما تحالف مستقل، الأول يسمى “صمود” والأخر “تحالف السودان التأسيسي”.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإنه وأثناء اجتماع قيادة “تقدم” برئاسة حمدوك في ديسمبر الماضي، في أوغندا برز خلاف إثر تبني فصائل الجبهة الثورية خيار تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة “الدعم السريع” هدفه انتزاع الشرعية عن الحكومة السودانية في بورتسودان. وخلص هذا الخلاف لوجود موقفين متعارضين، فتم إقرار فك الارتباط السياسي بينهما، وتم الإعلان في بيان رسمي عن تشكيل تحالف “صمود”.

من جهة ثانية اختارت القوى، التي تؤيد تشكيل حكومة موازية، إطلاق اسم “تحالف السودان التأسيسي” على تنظيمها الذي يشكل الحكومة المرتقبة التي ستكون معنية بوحدة السودان وتحقيق السلام، لتثبت عدم شرعية حكومة بورتسودان، حسب ميثاق التحالف.

وأعلنت قوى “تحالف السودان التأسيسي” في نيروبي عقب توقيع ميثاق تأسيسي لـ “حكومة السلام والوحدة” التي تضم أحزابا سياسية وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني وإدارات أهلية، بجانب ميليشيا “الدعم السريع”، انها ستشكل حكومة موازية في السودان، الأمر الذي وجد رفضا واسعا في الاقليم، وأعلنت كل من (مصر والسعودية والأردن وقطر) رفض أي تقسيم للسودان أو إعلان حكومة موازية، وهو ذات ما رفضه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

ويضم تحالف “صمود” 13 تنظيما سياسيا، أبرزها حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر السوداني، وحزب البعث القومي، والحركة الشعبية، وعدد من المجموعات المهنية والمدنية.
وتأسست تنسيقية “تقدم” في أكتوبر 2023 بهدف تكوين أوسع تحالف ضد الحرب والعمل على تحقيق السلام واستعادة الانتقال المدني.

ما الغايات الخفية وراء تشكيل “صمود”؟
بحسب الخبير في الشأن السوداني أحمد الباسل فإن المعطيات الميدانية من ناحية تقدم الجيش عسكرياً في عدّة مناطق، وتراجع ميليشيا “الدعم السريع” المدعومة من الإمارات وفرنسا، بالإضافة للاتهامات الدولية التي تلاحق ميليشيا “الدعم السريع” بارتكاب انتهاكات ضد الانسانية، لعب دوراً كبيراً بالانقسام السياسي الحاصل في السودان وظهور تحالف “صمود”.

وبحسب أحمد الباسل، فإن رغبة بعض القوى السياسية في “تقدم” بتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة “الدعم السريع”- وهو السبب الأساسي وراء انقسام “تقدم” – يعتبر دليل واضج على التحالف السري بين تنسيقية “تقدم” وميليشيا “الدعم السريع” بإشراف إماراتي-فرنسي. ولكن، وفقاً لـ أحمد الباسل ، فإن هذا التحالف جعل المستقبل السياسي لـ “تقدم” وسمعتها في مهب الريح. يضاف إلى ذلك، الخسائر العسكرية المتتالية التي تلقتها ميليشيا “الدعم السريع” في الميدان، كل ذلك جعل من “تقدم” ورقة خاسرة حتماً بالنسبة للإمارات وفرنسا بالرهان السياسي، وهذا ما دفعهم للبحث عن بديل جديد (نظيف السمعة سياسياً)، فمن هنا ظهرت فكرة تحالف “صمود”.

وبضيف أحمد الباسل: “أتت الأوامر من قوى غربية لحمدوك المعروف بارتباطاته بالإمارات والاستخبارات الغربية لتشكيل التحالف الجديد… كما ان الوضع السياسي في السودان ليس على ما يرام، والتحالف الجديد وتوقيت تشكيله ومكوناته، تعزز الشكوك بالولاء الوطني للقوى والمكونات السياسية المنضوية تحت مظلته، وانتمائها الوطني”.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.