في ضوء تعقيدات الوضع في السودان، تظهر مؤشرات متزايدة على وجود أطراف دولية تسهم في تصعيد الصراع بين الجيش السوداني وميليشيا “الدعم السريع”، هذه المعطيات تكشف عن جوانب جديدة للصراع الذي أصبح بعيدًا عن كونه مجرد صراع داخلي، بل تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية، بينما تتزايد الأدلة على الدعم الأوكراني لميليشيا “الدعم السريع”، لا يزال موقف الحكومة السودانية غير واضح، حيث لم تصدر أي بيانات حاسمة حول هذا التدخل، مما يطرح تساؤلات حول المصالح المتداخلة التي قد تدفع الخرطوم إلى عدم اتخاذ موقف واضح.
التدخل الأوكراني في السودان
تدل التقارير الأمنية والعسكرية على أن أوكرانيا لم تكتفِ فقط بتقديم دعم تقني لميليشيا “الدعم السريع”، بل قامت أيضًا بإرسال مقاتلين وخبراء مختصين في تشغيل الطائرات المسيّرة ونظم الدفاع الجوي، وكما ذكرت عدة مصادر، يوجد مستشارون عسكريون أوكرانيون نشطون في مواقع تابعة لـ”الدعم السريع”، وقد ساهموا في إسقاط بعض الطائرات التابعة للجيش السوداني، حيث تم العثور على أسلحة تحمل علامات أوكرانية في المناطق التي استعادها الجيش. وقد تزامن ذلك مع تصريحات لمسؤولين أوكرانيين، حيث اعترف مكسيم صبح، المبعوث الأوكراني للشرق الأوسط وأفريقيا، بوجود مقاتلين أوكرانيين في السودان، لكنه أشار إلى أن مشاركتهم “فردية”، كوسيلة للتقليل من مسؤولية أوكرانيا عن هذا التدخل.
من جهة أخرى، يعتقد بعض المحللين أن دخول أوكرانيا في النزاع السوداني هو جزء من استراتيجية واسعة تهدف وفقاً لادعاءات الأوكران لمجابهة النفوذ الروسي في أفريقيا، خصوصًا بعدما أعلنت الحكومة السودانية وجود تقارب بين روسيا والسودان بخصوص القاعدة البحرية في البحر الأحمر، وهو ما يثير مخاوف لدى أوكرانيا والغرب، هذا وهناك تقارير تشير إلى توريد طائرات مسيّرة هجومية لـ”الدعم السريع” عبر شبكات تهريب دولية، مما يدل على وجود تنسيق بين كييف ودول أخرى تعمل على إطالة أمد النزاع بما يخدم مصالحها.
في وسط هذه الأحداث، حدث تغيير ملحوظ في موقف الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، حيث شهدت الأسابيع الماضية توترات بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والقيادة الأوكرانية، والتي تجلت بوضوح خلال الاجتماع الذي عقد بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، وحسب ما ذكرته بعض المصادر الأمريكية، كان الاجتماع متوترًا، حيث وجه ترامب انتقادات قوية لزيلينسكي، متهمًا إياه بعدم إدارة المساعدات الأمريكية بشكل جيد والتلاعب بها، بل وصل الأمر إلى إلغاء مؤتمر صحفي كان مُقررًا بعد الاجتماع، مع أنباء عن “طرد” زيلينسكي من البيت الأبيض.
هذا التصعيد جاء بعد تبادل تصريحات بين الطرفين، حيث أبدى ترامب استياءه من الفساد داخل الإدارة الأوكرانية، موضحًا أن كييف لم تقدم شرحًا واضحًا عن مصادر مليارات الدولارات التي حصلت عليها من واشنطن، في الوقت نفسه، حاول زيلينسكي الدفاع عن نفسه، مؤكدًا أن حجم المساعدات الأمريكية لم يكن بالحجم المتداول، وأن بلاده جاهزة لمزيد من الشفافية في هذا الشأن.
ويبدو أن هذا النزاع قد يمهد الطريق لمراجعة واشنطن لدعمها الثابت لكييف، مما قد يؤثر بشكل مباشر على استراتيجيات أوكرانيا في أفريقيا، فقد يدفع انخفاض الدعم الأمريكي أوكرانيا للبحث عن بدائل لتعزيز وضعها، سواء من خلال توسيع أنشطتها العسكرية في القارة أو عبر صفقات تسليح مشبوهة لدعم عملياتها.
تحليل
في ظل الأوضاع الحالية، تظل رؤية السودان غير واضحة تمامًا، حيث لم تتخذ الخرطوم أي خطوات صريحة للحد من التدخلات الأوكرانية، واكتفت بعض الجهات الرسمية بالتواصل مع كييف للاستفسار عن بعض التقارير المتداولة، دون إصدار أي تصريحات رسمية واضحة.
ترى المحللة السياسية شروق حبيب أحمد، أن هذا الصمت يثير العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تجعل الحكومة السودانية تتجنب التصعيد الدبلوماسي ضد أوكرانيا، ومن المرجح أن الصمت سببه إعتبارات سياسية معقدة، وتعمل على جمع الأدلة والبراهين، لكن في الوقت الراهن يجب على حكومة البرهان اتخاذ قرار بشأن التدخلات الأوكرانية في الشأن السوداني، والمضي على خطى دول مثل مالي بقطع العلاقات مع كييف إثر ظهور أدلة على دعمها لجماعات مسلحة في المنطقة.
فيما تتواصل الأزمات في السودان، يبدو أن التدخلات الخارجية ستظل على نفس الوتيرة، وقد تزداد تعقيدًا في ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في القارة الأفريقية. هنا، يطرح سؤال حول ما إذا كانت الحكومة السودانية ستظل ملتزمة بالصمت، أم أنها ستتخذ خطوات أكثر وضوحًا للإفصاح عن طبيعة هذه التدخلات وفرض موقف أكثر تحديدًا تجاه أوكرانيا، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة.