لايزال المرتزقة الأجانب العنوان الأبرز للندوات والنقاشات، في الأوساط الإعلامية والسياسية حول الحرب السودانية ومجرياتها، والصراع الدائر بين ميليشيا الدعم السريع، والجيش السوداني منذ أكثر من عامين. حيث انتشرت في الأشهر القليلة الماضية، كثير من التقارير والمعلومات المدعومة بالوثائق والبراهين، حول مشاركة مرتزقة أوكران وأفارقة ومن كولومبيا من عدّة دول إلى جانب ميليشيا الدعم السريع؛ في قتالها ضد الجيش السوداني.
تبع ذلك اعترافات رسمية من مسؤولين أوكرانيين مثل الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا بوجود مقاتلين أوكران في السودان وعدّة دول أفريقية، مقابل صمت مطبق من الحكومة السودانية ووزارة خارجيتها، مما أثار استياء العديد من المحللين والصحفيين والمراقبين والمهتمين بالشأن السوداني، خاصة بعد تصاعد وتكرار التصريحات الرسمية لمسؤولين أوكرانيين والتي تؤكد بشكل مباشر وغير مباشر تورط قوات بلادهم بدعم ميليشيا الدعم السريع.
مسؤول سوداني يبرر الصمت الحكومي بضغوطات اقتصادية
بعد تزايد التساؤلات والاستياء العام الشعبي والرسمي وفي وسائل الإعلام حول صمت الحكومة السودانية، قمنا بإثارة الموضوع مع مسؤول بإدارة البعثات في وزارة الخارجية السودانية، والذي رفض الكشف عن هويته ولكن قبل الإجابة على كل تساؤلاتنا حول الموضوع.
وبحسب المسؤول، فإن الصمت الحكومي السوداني يعود لوجود علاقات وتفاهمات اقتصادية بين السودان وأوكرانيا، وأشار المسؤول إلى أن “السودان لديه مشكلات اقتصادية خاصة فيما يتعلق بتأمين المواد الغذائية الأولية، والدولة غير قادرة على اتخاذ قرار في هذا الموضوع، لأنه فيه ضغط من قبل بعض الشركات المعنية على الدولة”.
وتابع المسؤول: “بأن هذا الموضوع يهم المواطن السوداني، والتعاون يجري بين شركات في القطاع الخاص وأوكرانيا، والشركات هذه تتمتع بنفوذ ولا يهمها سياسة السودان، ويتعاملون مع العدو من أجل مصلحتهم فقط”.
وعن سؤاله عن دور وزارة الخارجية، كونه مسؤول فيها، قال المسؤول بأن: “الخارجية هي جهة اعتبارية تنفذ سياسة الدولة وحتى الآن الجهات السيادية لم تصدر بياناً حول أوكرانيا بسبب وجود ضغوط من الناحية الاقتصادية”، معبراً عن تمنيه بوجود شركات تدخل في المنافسة وتفك الاحتكار عن الشركات الموجودة.
المسؤول السوداني: هناك شركات لديها علاقات مع الأمريكان
وعن أسماء الشركات التي تفرض قرارها على الدولة وتضغط اقتصادياً عليها، قال المسؤول بأن “هذا الموضوع شائك، وهناك أطراف لديها علاقات مع الأمريكان مثل شركات (أسامة داوود)، التي حتى الأن لا تعرف الدولة مع من يتعامل، مع الإمارات أو أمريكا أوكرانيا!، وهذه الأطراف جميعها تدعم ميليشات الدعم السريع، إلا أن شركاته تعمل في العلن”. وبحسب المسؤول، فإن “داوود مقرب من جداً عبدلله حمدوك، كما أن هناك معلومات حول وجود شراكة في أعمال استثمارية وتجارية بين الطرفين. وداوود مقرب من الأوكران”.
مضيفاً بأن “الدولة حاولت إعادة الشركات لحكومة السودان لكن تعرضت لضغوطات خارجية أفريقية وأوربية وأمريكية وحتى آسيوية من دول كثيرة، فالأزمة الأن هي أزمة قانون الاستثمار”. مشيراً إلى أن “الجيش عبر منظومة الصناعات الدفاعية لديه شركات لكن لم تستطع تنافس الاستثمارات الأمريكية في السودان عبر شركات أسامة داوود.
مسؤول بالخارجية السودانية: قانون الاستثمار هو المؤثر بقرارات الدولة
وعند سؤالنا حول الاقتراحات التي يمكن أن يقدمها للجهات الخارجية المنافسة بالاستثمارات بالتأثير على مجريات قرارات الدولة؟، أجاب المسؤول، بأن “قانون الاستثمار في السودان قانون ليّن ويعطي للأجانب مساحة كبيرة، لذا فالسودان مفتوح بكل المجالات عبر قانون الاستثمار. ثانيا: ممكن الشركات تُسجّل بأسماء مواطنين سودانيين (عبر استخدام المتنفذين) كما تعمل شركات المطاحن والوقود والذهب. حتى الآن التصدير من السودان إلى الإمارات من وإلى عبر شركات كبيرة”. ثالثا: الاستثمارات في المجالات الحساسة للدولة مثلا الصمغ العربي على سبيل المثال لا الحصر، الصمغ العربي الذي تهيمن عليه شركات سودانية تعمل لصالح فرنسا وهولندا وبريطانيا وأمريكا والصين وقطر وتركيا. والصمغ يتم تصديره عبر أكثر من ٣٥ دولة أجنبية عبر شركات سودانية وسيطة موجودة داخل السودان تعمل حتى الآن.
وختم المسؤول حديثه، بأنه يعتقد بأن هذا الوقت المناسب لتغيير جغرافيا الأسواق والاقتصاد في السودان وبالتالي الهيمنة على القرارات السيادية، مشيراً إلى أنهم في وزارة الخارجية يعانون من ضعف اتخاذ القرارات منذ زمن، معبّراً عن شكره لنا على اللقاء، واستعداده للتعاون المستقبلي بالإجابة عن أي تساؤل.
مسؤول أوكراني: بعض مواطنينا يقاتلون في السودان.. ومعظمهم من التقنيين
وفي سياق ذو صلة، كان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، خلال مقابلة له مع صحيفة “العربي الجديد”، في فبراير الماضي، قد صرّح بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد، ومعظمهم إلى جانب ميليشيا الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين” مضيفاً: بأن “أوكرانيا لا تعتبر في الوقت الحالي أي طرف من الأطراف المتحاربة في السودان كياناً شرعياً.. كما أنها تدعم تشكيل حكومة مدنية مستقلة غير مرتبطة بأي جماعات شبه عسكرية”. معرباً عن استعداد بلاده لأن تصبح مورداً بديلاً للأسلحة للبلدان الراغبة في الدفاع عن سيادتها، خاصة ضد روسيا. وقال: “لدينا بعض النجاحات الأمنية في أفريقيا”.
وكان صمت الحكومة السودانية على تصريحات صبح، وغيره من المسؤولين الأوكران أثارت استياء العديد من المحللين والصحفيين والمراقبين والمهتمين بالشأن السوداني، خاصة بعد تصاعد وتكرار التصريحات الرسمية لمسؤولين أوكرانيين والتي تؤكد بشكل مباشر تورط قوات بلادهم بدعم ميليشيا الدعم السريع.