القيادي بحزب الأمة القومي د. إبراهيم الأمين يكتب: اللواء برمة قفزةٌ في الظلام وفقدانٌ للقدرة على التحكم في الشراع
الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة والقبول، رجلٌ مثقفٌ وله معرفة بالتراث الشعبي السوداني، ومن الأمثلة الشعبية المعبرة بصدق عن واقعنا بكل ما فيه من تعرجات أمثلة كان يقولها السيد الصادق منها: (الما بيعرف ما تدوه يغرف.. بيكسر الكأس وبيعطش الناس).
بعد رحيل الإمام كان في مقدمة اهتماماتنا اختيار خليفة مُؤهّل ليحل محله وكانت مهمة صعبة لما يتمتع به الفقيد الراحل من قدرات متعددة، وتم التوافق على التزام النواب بمبدأ القيادة الجماعية مع اختيار واحدٍ منهم في منصب الرئيس المكلف، وتمّ اختيار الأخ فضل الله برمة، وتأكيداً لمكانة دارفور كان تصنيف نواب الرئيس ثلاثة أشخاص من دارفور وكردفان واثنان من بقية الأقاليم، وفقاً لهذا الاختيار أصبح اللواء فضل الله رئيساَ بالتكليف، وهناك فرقٌ بين الرئيس المكلف والمنتخب، وأن تتم عملية التشاور المستمر والمشاركة في اتخاذ القرارات بين الرئيس المكلف وبقية النواب.
كان الأمل أن تكون هناك درجة عالية من التفاهم حول القضايا المختلفة، وأن يصاحب اتخاذ القرارات موقف جماعي مساند لها، ولكن للأسف عزل الأخ برمة نفسه وأصبح إما أن يتخذ القرار بمفرده أو بمشاركة من أشخاص آخرين، مع إبعاد النواب بصورة فيها عزلة وعدم احترام.
نتيجة لهذه الممارسات وللكوارث التي أحلّت بالبلاد، وفي مقدمتها الحرب اللعينة وما ترتب عليها من تباعد أو إبعاد، جعل مؤسسات الحزب كل في جزيرة معزولة، وأضعف فرص التواصل والتفاعل بينهم وبين قواعد الحزب بصورة غير مسبوقــة.
انفراد الرئيس المكلف بالقرار وتحديده للتعامل مع عدد قليل من قيادات الحزب وإهماله المتعمد للقيادات على مستوى الأقاليم، أضعف دور الحزب والعلاقة بين مكوناته بدرجة كبيرة، خاصةً بعد الحرب، لم تجتمع مؤسسات الحزب، وفي مقدمتها المكتب السياسي وترك أمر قرارات الحزب للمسؤول الأول في المؤسسات القومية وفي مؤسسات الحزب بالأقاليم، ومن هنا جاءت أزمة تعدُّد وتضارُب القرارات الحزبية، مما زاد من عزلة القيادات وضعف ثقة القواعد فيها.
حزب الأمة بهذا الوصف أصبح مجموعات متصارعة على المُستوى المركزي، هناك تباعدٌ كبيرٌ بين أطروحات وممارسات المجموعات الأساسية، مما أفرز درجة عالية من الصراع وعدم الاحترام وقبول الرأي الأخر وتبادل الاتهامات التي وصلت إلى درجة التخوين.
مع كل هذه التحديات وخُطورتها، لم تهتم القيادة على مستوى المركز بإيجاد حلول لها، لانشغالها بقضايا جانبية بدلاً من الاهتمام بقضايا الحزب وقضايا الوطن، ونتيجةً للحرب والانقسامات وسط الأحزاب المختلفة والتطور الكبير للدعم السريع وما يمتلك من إمكانات كبيرة ومتنوعة (قوات عسكرية) وإمكانيات مادية وقدرة على اكتساب دعم خارجي وداخلي، أسهم مع عوامل أخرى متنوعة في اندلاع الحرب بكل ما فيها من مضاعفات وفقدان للأرواح والممتلكات.
الصراع داخل حزب الأمة:
بعد الحرب وما أصاب كل المواطنين من آلام وتحديات؛ نتجت عنها عمليات الهجرة غير المنظمة وغياب التواصل بين قيادة الحزب والقواعد، إضافةً إلى الاستقطاب غير المرشد من قِبل الدعم السريع والخلافات غير المُبرّرة داخل الحزب وما ترتّـب عليها من انقسامه إلى مجموعتين رئيسيتين، إحداهما على علاقة وتماهٍ مع الدعم السريع، والثانية وهي الأكبر تتحدث عن دعم للقوات المسلحة، وزاد من حِـدّة الصراع، التطور الذي حدث بالدعوه لإقامة حكومة بديلة مسنودة بشوكة الدعم السريع، وأخرى مؤيدة للقوات المسلحة.
ترتّـب على هذه المواقف في حزب الأمة أن صدر قرار من مجلس الرئاسة بإعفاء اللواء برمة من منصب الرئيس المكلف وأن تعود صلاحياته لمؤسسة الرئاسة، على أن يتم اختيار أحد النواب ليتولى مهمة الرئيس المكلف بديلاً منه.
نتيجة لإصرار اللواء فضل الله على أن يستمر في دعم وإنفاذ الحكومة البديلة واتخاذ قرار بإعفاء كل أعضاء مؤسسة الرئاسة في حزب الأمة وتعيين بدائل لهم مُرتبطة بمشروع الحكومة البديلة، علماً بأنّ الحكومة البديلة تستند مادياً على الدعم السريع وهو الذي يوفر لها الحمايه أيضاً.
قيادة الحزب الحالية في ظل خيارات اللواء برمة الداعمة للدعم السريع ولمشروع الحكومة البديلة، أحدث ردود فعل غاضبة ورافضة لقرارات اللواء برمة وبما أحدثته من تغيير، الهدف من ورائه إدخال عناصر جديدة بدلاً من القيادات القديمة، بحجّة أنّها عملية تجديد، وهي في الحقيقة تهدف إلى تمكين مشروع الدولة البديلة، والدليل أنّ الحكومة فيها تمثيلٌ للدعم السريع يصل إلى 40% و30% للحلو، علماَ بأن قيادة الحكومة للدعم السريع، ونيابتها للحلو. سؤال أين حزب الأمة؟ وما نصيب حزب الأمة؟ وفي هذا تحجيمٌ لحزب الأمة الذي عُـرف على مدى تاريخه بأنه في الصدارة في أي عمل يشارك فيه.
أما بالنسبة لاختياري كنائب لرئيس حزب الأمة، ففي هذا إساءة بالغة لشخصي الضعيف، كيف يتم نشر اسمي في الصحف دون علمي ودون أخذ موافقتي، والأدهى والأمر أن يفسر نشر اسمي بأنّـه تأييدٌ ومباركةٌ للدولة البديلة، وفي هذا تعارضٌ كبيرٌ بين موقفي الرافض لممارسات الدعم السريع اللا إنسانية في الجزيرة وفي أماكن أخرى، وهي ممارسات وثّقت لها مؤسسات دولية، إضافةً إلى رفضي ومقاومتي لأي حكومة قد تكون في المستقبل مدخلاً لانفصال قادم.
وأنا هنا أقولها بصراحة إني ضد المليشيات، خاصةً بعد أن أصبحت تُشكِّل خطراً على وحدة وبقاء الدولة السودانية، وأخطر هذه المليشيات وأكثرها خطراِ على مستقبل السودان، مليشيا الدعم السريع ومشروع الحكومة البديلة الذي يبشر اللواء برمة بقيامها وبقدرتها على النيل من أي معارضة مستقبلية لمشروعها في السيطرة على السودان.
اللواء برمة تحدث عن إمكانيات هذه الدولة المالية والعسكرية، وعن مشروعها لحكم كل السودان تحت مظلة الدعم السريع.
هنا نقولها بصوت عال؛ على كل السودانيين خاصة القوى الحية في المجتمع أن يتوحّــدوا ضد الدولة البديلة.
وهنا دور القوات المسلحة، بعد أن سجّلت بـانتصاراتها الإعلان عن مرحلة جديدة لا مجال فيها للمليشيات، وعلى القوى المؤيدة للثورة الالتزام بالوحدة (وحدة هدف وليس وحدة صف)
وللدولة المدنية…
أما القوات المسلحة فهي جُـزءٌ من الدولة المدنية وليس بديلاً لها.
للانعتاق من هذه الحالة التي تمر بها البلاد على الشعب السوداني، الاستفادة من التجارب السابقة بالسعي لإقامة مجتمع مُتطوِّرٍ وعادلٍ، السيادة فيه للقانون، والفرص متاحة لكل المواطنين للمشاركة في بناء السودان الجديد.
Comments are closed.