كتب: علي عبد الكريم
موضوعان رئيسيان يتحدث عنهما معظم الناس، إعمار الخرطوم بعد تحريرها، والمشاركة السياسية والتي يجب ألا تكون إلا بعد انتهاء الحرب، وأستطيع أن أقول بكل ثقة واطمئنان وقناعة، إن الموضوعين، الخرطوم بمركزيتها، والسياسة بأحزابها هما سبب الحالة التي وصلت إليها البلاد بفعل هذا العدوان الذي قام على تآمر اعتمد الغدر والخيانة وغذاه الكره والحقد، هذه الحالة تتطلب تعريفا دقيقا وفهما عميقا وإلماما كاملا بمشكلتنا، ومن ثم التفكير الجاد واستقصاء الحلول المناسبة، وعليه أواصل رسم خارطة الطريق والتي بدأتها قبل قرابة العام، وأعتقد أنها السبيل الأنجع لحل مشكلة البلاد ومن ثم نهضتها، ذلك لما تتضمنه من رؤية جديدة وهيكلة مختلفة للدولة.
أستطيع القول إن ما أطرحه
يعتبر فعلاً خارطة طريق لأنه يبنى على رؤية جديدة.. فما دون ذلك لا يعتبر خارطة طريق وإن سمي بذلك، وإنما يعتبر السير في ذات الطريق!.
نركز في حديثنا هذا على الموضوعين أو قل المشكلتين التي قعدتا بالبلاد بل أوردتها المهالك: مركزية الخرطوم، خلقت هذه المركزية تصورات عند البعض ولدت مصطلح الهامش، ومؤخراً المصطلح المضحك دولة ٥٦ !. والمصطلحان كلفا البلاد الكثير وأحدثا فيها ما أحدثا من خراب ودمار، ومن المفارقات أن الخرطوم كمدينة أو ولاية لم تقتصر على أحد بعينه عنصراً كان أو طبقة أو مستوى.. بل كانت مفتوحة لدرجة الغفلة حتى تمددت فيها العشوائيات كما لم يحدث في أي مكان في العالم، ومن المضحكات إن الذين قادوا هذه الحرب على الخرطوم حقداً وكرهاً وبغضاً وتشفياً وانتقاماً، وقبل ذلك هدّدوا أهلها بتهجيرهم وإسكان الكدايس عماراتهم، نقول من المضحكات المبكيات إن هؤلاء يملكون فيها من العقارات ما لم يملكه غيرهم، وتتوفر لهم أرصدة في بنوكها ما لم يتوفر لغيرهم ويتعلم أولادهم في مؤسساتها بفرص لم تتح لغيرهم!
الآن لا يهم إن كانت دعاوى الهامش أو 56 أو غيرها صحيحة أم كاذبة، فقد تم الانتقام من الخرطوم شر انتقام! ولم يبق أمام الناس إلا التفكير فيما هو آتٍ. وقفل الباب أمام البغض والكره والعداوات.
وهنا أركرِّر ما قلته من قبل وهو ضرورة انتهاج نظام فيدرالي كامل لا مركزية فيه، وهذا لن يتم إلا بإلغاء مركزية الخرطوم ولن يكون إلا بإلغاء الوزارات المركزية التي لا داعي لها أصلاً مع وجود وزارات ولائية.. لا يجب أن تقوم الخرطوم مجدداً بنفس رسمها وشكلها ومؤسساتها ووضعها!.
الموضوع الآخر هو الأحزاب، لو وضعنا تجربة الأحزاب وسلوكها في الممارسة السياسية أمام علماء سياسة محايدين مجردين لتشريحها ودراستها والخروج بتوصيات بشأنها، لا أشك إطلاقاً بأنهم سيؤكدون عدم ملائمة هذا النظام للبلاد.. بل لو وضعنا التجربة والممارسات أمام علماء اجتماع وعلماء نفس وحتى علماء بيئة وجغرافيا بجانب علماء السياسة لأكدوا لنا ذات النتيجة!!!.
إن تجربة الممارسة السياسية خلال العقود الماضية، أكدت أن الأحزاب لا تمارس سياسة، بل تمارس كرها وبغضا وحقدا وضغينة واستهدافا وتآمرا ضد بعضها البعض، ومؤخراً امتد هذا العداء للقوات المسلحة فكان ما كان.
بعد انتهاء الحرب، نحن في حاجة لفترة تأسيسية تتولى فيها القوات المسلحة الحكم، ترعى خلالها نقاشات واسعة يشارك فيها الجميع (كأفراد وقطاعات وليس كأحزاب) بغرض وضع تصور وهيكلة للبلاد بما يقفل الباب تماما أمام أي اعتقادات أو أوهام بتميز إقليم عن آخر، فترة تشهد وضع أساس قوي لنهضة كل إقليم بمقدراته وإمكاناته وثرواته في ظل سلطة أبنائه، فترة يدرس الناس فيها النظام الأنسب للبلاد وإن جاء ديكتاتورياً!!
نقول بعد كل هذا الخراب، وبعد كل هذه التضحيات من شهداء وجرحى، وآخرون ما زالوا في الرباط يحفظهم الله، وبعدما عانى الناس ما عانوا، بعد كل ذلك لا يجوز ولا يصح ولا يُعقل أن يعود الحال كما كان أحزاب سياسية وخرطوم مركزية!!
ومازال للخارطة بقية إن شاء الله تعالى