دخلت الحرب في السودان عامها الثالث، بعدما أودت بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص وأدت إلى تشريد نحو 13 مليون إنسان، مما أسفر عن أحد أكبر الأزمات الإنسانية في التاريخ المعاصر، ولا تبدو لها أي بوادر انتهاء في الأفق.
مؤتمر دولي بشأن السودان في لندن
نظمت بريطانيا، الثلاثاء، 15 أبريل، مؤتمرا دوليا بشأن الحرب القائمة في السودان، بمشاركة ألمانيا وفرنسا والاتحادين الأوروبي والأفريقي، إضافة إلى 14 دولة أخرى، وقد استثنت بريطانيا السودان من قائمة المدعوين لهذا المؤتمر.
وقد احتجت الحكومة السودانية على عدم تلقيها دعوة للمؤتمر، لدى المملكة المتحدة منتقدة “نهج الحكومة البريطانية الذي يساوي بين الدولة السودانية ذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة منذ 1956، ومليشيا الدعم السريع الإرهابية التي ترتكب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والفظائع غير المسبوقة ضد المدنيين”، والتي تسببت بقيام هذه الحرب بعد تمردها في 15 أبريل 2023.
ودعا المشاركون في المؤتمر، بلسان وزراء خارجية دول مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى “جي7″، إلى وقف الأعمال العدائية فوراً وعدم تقسيم السودان، وطالبوا بحكومة مدنية. لكن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، اعترف بأن تحقيق السلام سيستغرق وقتاً ويحتاج “دبلوماسية صبورة”.
ومن جهته، وفي رسالة موجهة للشعب السوداني بمناسبة إكمال الحرب بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، عامها الثاني، طالب رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، بعقد اجتماع مشترك بين مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن السلم الأفريقي، بحضور قائدي الجيش السودان والدعم السريع، وقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبد العزيز آدم الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة، عبد الواحد النور، والقوى المدنية، للاتفاق على هدنة إنسانية ووقف فوري غير مشروط لإطلاق النار.
قيام حكومة حكومة السلام والوحدة
في نفس الوقت، أعلن قائد ميليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف ﺑ”حميدتي”، على “تلغرام”، قيام “حكومة السلام والوحدة”، مشيراً إلى أنها تمثّل “الوجه الحقيقي للسودان”، بحسب وصفه، وقال حميدتي أيضا: “نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة – تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان. مع جميع القوى المدنية والسياسية السودانية والجبهة الثورية السودانية والمجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والحركات الشبابية ولجان المقاومة، وقّعنا ميثاقاً سياسياً ودستوراً انتقالياً تاريخياً لسودان جديد”. وأشار إلى أن الوثيقة تتضمن نموذج حكم غير مركزي “يُمكّن الأقاليم من حكم نفسها”.
ومضى حميدتي قائلاً: “نحن لا نبني دولة موازية، بل نبني مستقبل السودان الوحيد القابل للاستمرار… نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية”.
تحليل
في تصريح لها، أشارت المحللة السياسي المتخصص في الشأن السوداني، شروق حبيب، إلى أن تجاوز بريطانيا للحكومة السودانية أو مساواتها بالميليشيا المتمردة، مثل قوات الدعم السريع، ليس أمراً جديداً. فقد قامت بريطانيا في السابق بتقديم مشروع لمجلس الأمن الدولي يدعو إلى تدخل قوات “حفظ السلام”، حيث أصبحت الحكومة السودانية والقوات المتمردة متساويتين في هذا المشروع، مما تجاهل شرعية الحكومة والقوات المسلحة السودانية.
أما بالنسبة لحمدوك، فلا يوجد جديد في تصريحاته، حيث يدعي اهتمامه بالسلام في السودان، بينما يسعى في واقع الأمر لاستعادة سلطته ويعمل على إضعاف صلاحيات الجيش السوداني على الصعيدين الداخلي والسياسي.
وقد شهدنا من قبل انقسام تحالف “تقدم” الذي قاده حمدوك إلى فصيلين بأسماء مختلفة، إلا أن الأجندة تبقى واحدة. ومن المثير أن أحد هذه الفصائل أصبح الآن جزءًا من حكومة حميدتي الجديدة، وهي ذات الخيوط التي استمر حمدوك في نسجها على مدار السنوات الماضية. وسبق له أن عقد نفس المؤتمر قبل عام في باريس، وكانت النتائج واحدة.
ولكن ما أثار الإنتباه هو التوافق الضمني في فحوى المؤتمر وتصريحات حميدتي المتعلقة بعدم تقسيم السودان. يتضح من فحوى المؤتمر البريطاني حول السودان، الذي لم تُدعَ إليه الحكومة السودانية، أن دول السبع تتفق على ضرورة وقف إطلاق النار وعدم تقسيم السودان، مع التشابه الذي يظهر بين الأطراف المتنازعة – في التصريحات -.
وتأتي تصريحات حميدتي حول قيام حكومته بالمناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع وإعلانه عن الحكم الفيدرالي لتكون بمثابة تجسيد لهذه الديناميكية.