وما بعد الشٍدٌةِ إلا الفرج

كتب: هشام الخليفة

في منحنيات الحيلة ومنعطفاتها تكمن المفاجاءات التي ربما تقلب حياة الإنسان من حالٍ إلى حال، من الشقاء إلى السعادة، من المرض إلى الصحة، من الفقر إلى الغنى وهكذا. واليوم سنرى كيف ان بعض الأفراد قد “قذفت” بهم الاقدار إلى أعلى فتغيرت ظروفهم تماما. 

أولهما شاب ريفى نشأ فى بيت دينى معروف تشرٌب منه القيم والأخلاق الفاضلة فكان مثالاً للشاب المهذب الكريم المقدام. جاء العاصمة عندما التحق بالجامعة فوجد مجتمعاً مختلفاً تماما عن المحيط الذى تربى وعاش فيه. وجد الفتيات وقد تبهرجن بأحدث الموضات والقصات والتسريحات فكان كمن أصابه دوار وبما انه كان لطيفا ظريفا صاحب نكتة حاضرة ووسامة بائنة فقد تحلق حوله الزملاء والزميلات من كل نوع وصنف، وبذلك كوٌن شلة منهم تلتقى كل يوم يثرثرون ويفضفضون ويحكون الحكايات والروايات.

غير ان واحدة منهم كانت مختلفة تماماً، رزينة إلى أقصى حد، أنيقة إلى الحد البعيد تشاركهم لهوهم ومرحه ولكن بوقار واحترام. كان لهذه الشابة مكانة خاصة فى نفسه ولكن بعد التخرج وبعد أن تفرق الصحاب احس انه قد افتقدها بصورة خاصة فبدأ في التواصل معها حتى وصلا لنقطة قررا فيها ان يتشاركا حياة جديدة سعيدة. كانت الدنيا لا تسعه من الفرحة عندما وافقت ولكنه حتى تلك اللحظة لم يكن يعلم الكثير عن أسرتها سوى انها ايضا من أسرة معروفة للجميع، ويوم ان تقدم اهله لخطبتها اكتشف انهم من علية القوم. المنزل الفخم والأثاث الراقى والاعمام والاخوال كلهم فى مراكز مرموقة فحمد الله انه قد اختار فتاة من وسط بيئي محترم.

 

غير ان الوضع بدا يأخذ شكلاً جديداً فقد كانت الفتاة تلح ان يتم الزواج بسرعة دون مبرر معقول. وبما انه كان في بداية مشواره الوظيفي فإنه شعر انه غير مستعد من الناحية المادية لتحمل تكاليف بيت وأسرة فكان يحاول ان يقنعها بأن تنتظر وتتريث، غير انها كانت مصممة على إكمال كل شئ بسرعة بل عرضت عليه ان يقوم والدها بتغطية نفقات الزواج (مما جميعو) وقد رفض رفضا باتا، بل شعر ان فى ذلك اهانة بالغة. ومن هنا بدأت الخلافات تدب بينهما حتى أخبرته ذات يوم انها قد قررت قطع العلاقة بينهما.

 

أحس إحساساً عميقا بالحزن والأسى فقد كانت هى الإنسان الوحيد الذي احس تجاهه بأحاسيس عاطفية عميقة، غير انه استسلم فى نهاية الامر فليس من الرجولة أبدا ان تنحني وتتذلل لشخص أراد ان يغادر حياتك!!!. وهكذا كان الفراق وكانت بداية مرحلة جديدة ذاق فيها مرارة الهجر وبُعد الأحبة.

هنا شعر ان هنالك عاملا مهما فى المعادلة لم يضع له في السابق اى اعتبار الا وهو المادة. وجد انه ليس كافيا ان تكون متعلما او من أسرة محترمة او ذا اخلاق عالية، ولكن يجب أن يسند ذلك وضع مادى مريح ومن هنا بدأت تلح عليه هواجس الغربة والاغتراب حتى اتته الفرصة ذات يوم على طبق من ذهب فقد تم قبوله فى واحدة من أكبر الشركات العالمية، ومن هنا بدأت المفارقات. تغيرت حياته تماما وتدفق المال بين يديه مدراراً والخيرات انهار فامتلأ العود وتوردت الخدود.

في تلك الأثناء، كانت فتاته قد شعرت بان العمر يجرى وسنوات العنوسة تقترت فتزوجت زيجة (اى كلام) من موظف على قدر الحال يكاد يغطى منصرفات يومه بالكاد، وقد اكتشف الفتى الفارق الكبير الذي أصبح بينهما عندما توفت والدة فتاته فذهب لاداء واجب العزاء ليجد انها تعيش فى حى شعبي متواضع، بينما كان هو فى ذلك الحين قد بنى فيلا أنيقة فى أحد أحياء العاصمة الراقية ويا سبحان الله ويا مقسم الأرزاق ومبدل الأحوال!!!!

 

القصة الثانية أيام (التمكين) فصاحبنا كان يعمل فى إحدى الشركات الحكومية المرموقة. كان يحمل مؤهلا عاليا عززه بدرجة الماجستير فى مجاله، لذلك انطلق كالسهم يجتاز الحواجز حتى اقترب من القمة. عندما شغر المنصب الرئيسى فى الشركة كان هنالك منافس واحد ينافسه عليه ولكنه كان مطمئنا لشغل الوظيفة نسبة للفارق الكبير بينهما فهو يحمل مؤهلا عاليا، بينما منافسه قد وصل إلى ما وصل اليه برافعة الانتماء السياسى ومؤهل اكاديمى متواضع. غير ان الامور لم تسر كما كان يتوقع، اذ يبدو أن الولاء يأتى قبل الكفاءة فقد تم اختيار منافسه للوظيفة. هنا قرر ان يغادر البلد والى الأبد فبدأ الاتصال بالشركات العالمية حتى تم قبوله فى مؤسسة مالية عالمية براتب يسيل له اللعاب. غادر البلاد وهو تنتابه أحاسيس متناقضة بين الأسى على مآلات الأمور فى وطنه وبين الفرح للمستقبل المشرق الذى انفتح أمامه. تغير وضعه تماما بعد ذلك، ويقول من رآه فى (البلد البعيد) انه يعيش فى شبه جنة كل شئ فى منزله بـ”الريموت كونترول”!!. من الناحية الاخرى عصفت الاقدار بمن كان قد احتل الوظيفة برافعة الولاء السياسى، إذ تغيرت الأوضاع وغادر (the pen holder) – حامل القلم – مكانه ليحل محله آخر وهكذا وجد نفسه خارج المنظومة التى اعتلى سنامها بالولاء، بينما ظل صاحبنا فى الخارج ينعم بالراحة والاستراحة فى منفاه الاختيارى.

 

القصة التالية فيها مفارقة غريبة تبين لك بجلاء تقلبات الأيام وتشقلباتها !!! شاب صغير التحق بوظيفة بسيطة فى احدى الشركات وقد كانت وظيفته كلها تعتمد على الصبر وقوة التحمل مما دفع بصاحب العمل لترشيحه لاحد أصدقائه للعمل معه فى مكتبه الخاص كـ(office boy) اى ان يكون ملازما لصاحب العمل يقضى له الأعمال الصغيرة مثل تجهيز الشاى وتقديم المشروبات للضيوف والذهاب للبنوك لتحصيل المستحقات المالية للشركة، وهنالك وجد فيه مدير احد البنوك ضالته فهو شاب وسيم هميم طموح للغاية فعرض عليه ان ينشئ له شركة خاصة يتم تمويلها من البنك وان يكون هو واجهتها. قبل الشاب العرض فورا فتحول فجأة من عامل بسيط إلى مدير (حتة واحدة)!!! يقول لى اخ زوجته انه قد جلس معه جلسات مطولة يعلمه كيف (يربط الكرفتة) وكيف ينحني وينثنى احتراما لزوار الشركة المهمين!!!

ويقول المقربون منه ان رب العمل فى الشركة التى التحق بها فى بداية حياته العملية قد احتوشته بعد فترة الديون من كل جانب واوشكت شركته على الإفلاس. سمع صاحبنا بما حاق بصاحب عمله القديم فما كان منه إلا ان سارع لنجدته ويقال انه قد اقرضه مبلغا ماليا ضخما ساعده على اجتياز محنته.

وهكذا لعب القدر لعبة فيها مفارقة ساخرة ان يهب العامل الصغير (السابق) لنجدة رب عمله بعد ان تغيرت الأحوال وتبدلت المواقف ويا سبحان الله.

 

تتندر المواقع الإخبارية بروايات عن اكثر المحظوظين فى العالم. اولهم هى امرأة تدعى (لينا بالسونار). عاشت “لينا” حياة زوجية هانئة حتى توفى زوجها فجأة فحزنت عليه حزنا شديدا. بعد فترة افتقدت خاتم الزواج (الدبلة) فلم تجده. بحثت فى كل مكان دون فائدة واخيرا يئست من العثور عليه فانطوت على نفسها تسترجع الذكريات. فجأة وفى احد الأيام وبينما كانت تنسق الحديقة لمحت الخاتم بين الحشائش. كان ذلك بعد ستة عشر عاما من فقدانه فكانت تلك من أغرب المصادفات.

ثانى المحظوظين هو “جوزيف جوانزاليز” الذى كان يعمل فى شركة لجمع القمامة براتب ضعيف للغاية. فى أحد الأيام عثر “جوزيف” بين القمامة على اسكتشات فى شكل كتيب صغير شعر ان لها أهمية خاصة. عرض هذا الكتيب على احد أصحاب المكتبات فاتضح انها المخطوطة الأصلية لرسومات “سوبرمان”.

قام السيد “جوزيف” ببيع الكتيب فى مزاد علني بمائتى الف دولار وهكذا تحول الرجل فى لحظة من جامع قمامة إلى شخص يمتلك مئات الدولارات!!

ثالث المحظوظين هو الرئيس الامريكى “ثيودور روزفلت”. بعد نهاية احدى خطبه امام حشد من مؤيديه انحنى الرئيس ليطوى الخطاب هنا انطلقت رصاصة من قناص استقرت بين اضلعه بدلا من قلبه فقد انقذته الانحناءة فأخطات الرصاصة هدفها.

رابع المحظوظين شخصان هما “كريس دنر” و”مايكل سينسون”، كان الاثنان من هواة الاستكاف فى المناطق النائية وفى احد الأيام وبينما كان يحلقان فوق بركان اعلى جبال هاواى اصاب الطائرة عطل فنى فسقطت وسط البركان. بقى المستكشفان يومين فى طائرتهما بين الحمم المنصهرة حتى عثرت عليهما احدى فرق الانقاذ.

اما اكثر الأشخاص حظا فى التاريخ فهو السيد “روبرت هاملتون”. اشترى السيد “روبرت” بما تبقى من دولارات بعد التسوق فى احدى البقالات تذكرة يانصيب كانت فى دفتر امام الكاشير. فى المساء وبينما كان مستلقياً على الاريكة يشاهد الاخبار سمع اسمه يفوز بالجائزة الكبرى (Grand Prize) وقيمتها مليون دولار!!! المفاجأة الغريبة هى انه قد فاز بالجائزة نفسها في السحب التالي وبذلك يكون أول شخص يفوز بتلك الجائزة مرتين.

 

تقول ابيات منسوبة للأمام علي رضي الله عنه:

دع المقادير تجرى فى اعنتها ولا تبيتن الا خالى البال

ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال

فكن مع الناس كالميزان معتدلا

ولا تقولن ذا عمى وذا خالى

ولا يفك الرأس الا من يركبها

ولا يرد المنايا كثرة المال

*******

وفى الأغنية التى الف كلماتها حسن عوض ابو العلا يردد العم سيد خليفة بصوته العذب كلمات تحض على عدم الركون للواقع والتطلع دائما للأفضل:

غذا نكون كما نود ونلتقي عند الغروب

غدا تجف مدامعى وتزول عن نفسى الكروب

غدا تعود مباهجى غدا حبيبى حتما يعود

*****

وقد عاد الأحبة بالفعل بعد ان زالت الغمة فتقاطروا من كل فج عميق يحتضنون تراب الوطن ويقبلون الجدران والأشجار فهاهى العيلفون تنهض من تحت الركام تستشرف مستقبلا زاهرا بإذن الله وبسواعد أبنائها البررة الميامين

وسلامتكم. 

*فجعت وفجع الأهل والأصحاب بوفاة الأخ الحبيب أبوبكر أحمد حامد الفكى علي الذى ودع هذه الدنيا الفانية فى القاهرة فافتقده كل من عرفه ولو ليوم واحد. العزاء لزوجته المكلومة سارة عثمان خالد مضوى ولشقيقها خالد وشقيقاتها ولابنائه احمد وفادى وريان ولشقيقه ناجى ولآل حامد الفكى علي وآل الخليفة على وآل سراج النور ولكل الأهل فى السودان ومصر والخليج وأوروبا وامريكا. جعل الله مرضه كفارة له.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)  

*كما فجعنا أيضاً بوفاة العمة العطوفة الحنونة نفيسه عبد الله عبد القادر بالعيلفون جعل الله صبرها على ابتلاء فقد البصر كفارة لها. العزاء لابنها عبد الوهاب وبناتها رجاء وصفاء وابنائهما ولاخوانها وابنائهم المرحوم الريح والمرحوم محمد الحسن والمرحوم عبد القادر ابوالشول وعمر ورحمة الله ولاخواتها وابنائهم.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

*القاهرة / العيلفون 

*واتس اب 00201117499444

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.