التجارة مع الله ويوم العسرة

د. عمار حسن خميس

من يظن أن القرآن الكريم والسنة النبوية الكريمة؛ يرويان لنا قصصاً انتهى زمنها أو أنها قصص تخص أمماً معينة أو أشخاصاً بعينهم أو مواقف طواها التاريخ تنقصه الفطنة. فالقرآن الكريم وكلام من لا ينطق عن الهوى ياتيان من مشكاة واحدة هدفها البقاء والديمومة إلى يوم الساعة، كلما تولدت مواقف مشابهة يترتب عليها ثوابها المذكور أو عقابها الزاجر وكذا عبرتها، لأن الأمر ببساطة كلام رب محيط بما خلق وواسع عليم.

 

دوماً أكرر وأقول آيات القرآن وحديث رسولنا الكريم هي خوازيمات تنبئ بتكرار الأحداث والمواقف وتولد من ثم الثواب والعقاب والعبر طالما الجنس البشري موجود على هذه الأرض. فهي نماذج يجب أن نهتدى بها المواقف، الموفق من عمل عملاً ثوابه عظيم والشقي من كرر موقفاً أو عمل عملاً عقابه عظيم، فابو لهب وحمالة الحطب أم جميل أروى بنت حرب بن أمية بن عبد شمس زوجة أبي لهب بن عبد المطلب تبت يديهما، كان من موقفهما ضد الرسالة وضد الرسول موقف معروف ومشهود، بالله كم من البشر الآن من يقف موقف ابو لهب وكم من امرأة تعيد وتكرر فعل أروى بنت حرب، فهم متغيرات في تلك الخوارزمية، لا نحتاج لرسول ليخبرنا عن فعلهم ومآلات ذنوبهم فسورة المسد موجودة لتولد عقوبتهما بأن تبت ايديهم ومن ناصرهم من مثلهم من النساء فالنموذج موجود والعقاب المذكور والصلف مستمر.

 

وهكذا احوال الناس لا تحتاج لرسالة أخرى اللهم إلا ذكرى المواقف لتستوى عندكم الصور.

أنا لا احتاج لأكون فى مجال المتغير عبد الله بن سلول واستحق ما نعت به، الا ان اظهر الإسلام واضمر الكفر وتمنى الا يسود الإسلام، ولا أحتاج لدليل إضافي لاكون فى نار جهنم وانا اصلي واصوم وأقوم الليل ولكنى استمر فى أذية جيراني، فذاك خوارزمية عرفنا ماذا تولد من عقاب.

 

كل هذه المقدمة والتي أسهبت فيها القول لاصل لغرضي وهو التجارة مع الله، لا يرتبط هذا الموقف بسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ولكن يرتبط بأي رجل او امرأة فى حيز سيدنا عثمان وفي ظروف توفر نفس الظرف والملابسات، فما قام به من عمل سيدنا عثمان لتولد خوارزميته ويتكرر ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فى يوم العسرة “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم” هذه الخوارزمية ولدت نفس المآلات مع تكرار ظروفه ووجود شخص ضمن مجال سيدنا عثمان ليكون نموذجاً يولد مثل هذه النتائج.

الظرف كما روته الكتب: في عهد الخليفة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أصاب الناس جفاف وجوع شديدان، فلمّا ضاق بهم الأمر ذهبوا إلى الخليفة أبي بكر – رضي الله عنه – وقالوا يا خليفة رسول الله، إنّ السّماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، وقد أدرك الناس الهلاك، فماذا نفعل؟ قال أبو. بكر – رضي الله عنه – انصرفوا، واصبروا، فإني أرجو ألاّ يأتي المساء حتّى يفرج الله عنك، وفي آخر النهار جاء الخبر بأنّ قافلة جِمال لعثمان بن عفّان – رضي الله عنه – قد أتت من الشّام إلى المدينة. فلمّا وصلت خرج النّاس يستقبلونها، فإذا هي ألف جمل محملة سمناً وزيتاً ودقيقاً، وتوقّفت عند باب عثمان رضي الله عنه. فلمّا أنزلت أحمالها في داره جاء التجار. قال لهم عثمان رضي الله عنه: ماذا تريدون؟. أجاب التجار: إنّك تعلم ما نريد، بعنا من هذا الذي وصل إليك فإنّك تعرف حاجة النّاس إليه.

قال عثمان: كم أربح على الثّمن الذي اشتريت به؟

قالوا: الدّرهم درهمين

قال: أعطاني غيركم زيادة على هذا

قالوا: أربعة

قال عثمان رضي الله عنه: أعطاني غيركم أكثر

قال التّجار: نربحك خمسة

قال عثمان: أعطاني غيركم أكثر.

فقالوا: ليس في المدينة تجار غيرنا، ولم يسبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟

قال عثمان رضي الله عنه: إن الله قد أعطاني بكل درهم عشرة، الحسنة بعشرة أمثالها، فهل عندكم زيادة؟

قالوا: لا.

قال عثمان: فإني أشهد الله إني جعلت ما جاءت به هذه الجمال صدقة للمساكين وفقراء المسلمين.

ثم أخذ عثمان بن عفان يوزّع بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة واحد إلاّ أخذ ما يكفيه ويكفي أهله- (المرجع كتاب الرقة والبكاء، لابن قدامة).

الموقف ظرف عدم الكسب والقحت والجدب وقلة ارزاق الناس وتغير أحوالهم.

سيدنا عثمان لم يستغل مسغبة الناس ولم يضاعف الرزق من جيوب المساكين بل ذهب مباشرة وأقرض الله ليصل بيقين كبير إلى مبتغاه وهو قول الله سبحانه و تعالى “مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”.

 

هذه الخوارزمية العثمانية أيضاً حدثت في يوم العسرة في غزوة تبوك وكان فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت آخر غزواته ومن يحب أن يرجع لعبرتها فليقرأ سورة التوبة ولكن للتذكير كان الموقف شبيها بهذا الموقف.

كان الرومان أعظم دولة في ذلك الزمان يعدون العدة لمواجهة المسلمين في المدينة وسبق لهم أن قتلوا سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حمل إليهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وأعدوا لحرب المسلمين جيشًا قوامه أربعون ألف مقاتل جمعوا فيه القبائل العربية المنتصرة وأعطوا قيادة الجيش لعظيم من عظماء الروم. وصل الخبر إلى قيادة الجيش الإسلامي بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في تلك الفترة في قحط شديد وبلاء عظيم وعسر وجدب وقلة ظهر وكان الجو شديد الحرارة في قوة حرارة الصيف الملتهب، أنا يهمنى من هذا الموقف لم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم وقيادته ما يجهزون به الجيش فكان يطلب من المسلمين أنفسهم أن يجهزوا الجيش ويُسهم كل مسلم بما يستطيع لتجهيز الجيش وإنفاق كرائم الأموال لذلك. قام المسلمون وأهل الإيمان بالتسابق في تجهيز الجيش وأنفق كل مؤمن صادق ما عنده لذلك جاء عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه بمائتي بعير بأقتابها وأحلاسها وأنفقها في سبيل الله مع مائتي أوقية من الفضة وألف دينار من الذهب فنشرها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم”، فزاد عثمان رضي الله في صدقته حتى بلغت تسعمائة بعير ومائة فرس.

لعمرى وظرف السودان وأهله توفرت لهم نفس الظروف من قلة الحيلة والموارد والمداخل والأرزاق وفقد الناس كل شئ ولدت خوارزمية علم الله نفس المشهد ونفس المسغبة وعجز الدولة في أن تغطي للناس حوجتهم، فهل نجد رجالا في حيز سيدنا عثمان ليتاجروا مع الله وأن يعيدوا مشهدا في أيام هذه العسرة ليصلوا لنفس مآلات الفعل “ما ضر فلان ما عمل بعد اليوم”. هذا نموذج ورب الكعب من نفذه وطبقه وليس من الضروري بنفس الحجم والهمة بقليل، ولكن بصدق نية لأن عندنا نماذج رب درهم سبق الف درهم وانما الأعمال بالنيات. فالابتلاء الذى حل بنا وفر مواقف مآلها “ما ضر فلان ما فعل بعد اليوم”.

 

السودان يحتاج لعثمانيين يعرفون كيف يطبقون الخوارزمية بنية صادقة وتجرد مع الله فالظرف توفر والموقف هو هو والناس في نفس المسغبة فأين العثمانيون؟.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.