مرام البشير تكتب: البراعة العسكرية.. أين تكمن؟

عندما نشرت المليشيا المتمردة، متحركاتها العسكرية وعتادها الحربي ووزعتهم بانتظام وعناية على كافة المناطق الحيوية والاستراتيجية داخل الخرطوم وخارجها؛ كمطار مروي الذي أرسلت له طلائع النخبة من قواتها قبل الحرب بيومين، كانت تعتقد حينذاك أن الحرب ستكون خاطفة سريعة تنتهي بسيطرتها على مفاصل الحكم في غضون أسابيع، بل حتى الساعات الأولى من القتال.

على هذا الأساس وضع خبراء المليشيا الأجانب، استراتيجيات لمفأجاة الجيش السوداني من حيث السرعة والاتجاه والوحشية في الهجوم الأول، ورغم ذلك فإن الحرب استمرت لتدخل عامها الثالث دون أن تحقق المليشيا المتمردة أىّاً من أهدافها ولو حتى القليل، بل طول أمد الحرب أدخلها في حالة استنزاف وانهيار مُزرٍ فقدت معه قوتها الصلبة مما جعلها عاجزة أمام الحفاظ على المدن والمواقع التى سيطرت عليها بالقوة الخاطفة وكثافة النيران.

يقودنا هذا الواقع إلى أنه ليست هناك حرب قصيرة بالمعنى الحرفي للكلمة على الرغم من رسوخ فكرة الهجمات المُباغتة التي قد تُفضي لانتصارات حاسمة في التفكير العسكري خلال القرون السابقة، إلا أن التجربة أثبتت مراراً وتكراراً صعوبة إنهاء الحرب بسرعة وبشكل مُرض لمن يشِنها أو يريد استرجاع ما يملكه قبل الحرب.

فروسيا التي شنت غزواً شاملاً لأوكرانيا كان من المفترض أن يُسقطها في غضون أيام، لم تستطع إنهاء ما بدأته إلى الآن، وحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار فستكون الحرب قد استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام، تميزت بقتال ضارٍ ومستنزف غابت عنه روح الإجراءات الخاطفة والسريعة.

وإذا عدنا بالزمن للوراء نجد أن معظم حملات مكافحة الإرهاب التي شنها الغرب في العقود الأولى من هذا القرن فيما عُرف لاحقاً بـ”الحروب الأبدية” كلها خلت تماماً من عنصر السرعة الخاطفة، الحملة العسكرية لواشنطن في أفغانستان كانت الأطول في تاريخ أمريكا لكنها في النهاية باءت بالفشل، وغيرها كثير من الحروب التي كان يُعتقد أنها ستكون سريعة خفيفة عند بدايتها بينما يعجز القائمون عليها من وضع حدٍّ لنهايتها أو إيقافها بحسب ما يطمحون.

إذن، البراعة العسكرية لا تكمن في التخطيط لحرب سريعة لجني أهداف تكتيكية زائلة وإنما تكمن البراعة العسكرية في القدرة الفائقة على الصمود والتحمل، فالحروب المتوسطة أو الطويلة تتطلب تطويرا للقدرات يتماشى مع الضرورات العملياتية المتغيرة وهذا ما يجعلنا نتفاجأ بمرور الوقت بالقدرات التي بات يمتلكها الجيش السوداني وضربات مطار نيالا الأخيرة أفصح مثال على ذلك.

إذن، الجيش السوداني امتلك براعة عسكرية فقدتها المليشيا منذ الأيام الأولى للحرب، اعتمدت براعته على استراتيجيات كثيرة أهمها الحفاظ على الدعم الشعبي الذي أصبح واقعاً نعيشه مع كل نصر أو حتى تراجع للقوات، فالشعب السوداني الذي خَبر فُنون الصبر وتعلم صُمود الجبال تمكن من الاصطفاف بحكمة وراء جيشه مما مكنه من التقدم نحو الحسم العسكري بخطى واثقة لا تزحزحها الثغرات ولا الانتكاسات التي تحدث بين الفينة والأخرى.

الحفاظ على طرق آمنة لإعادة التسلح وتجديد المخزون وتعزيز القوات أيضاً كان من استراتيجيات الجيش، وهنا تحضرنا فرية الدويلة حول تهريب الجيش لذخيرة عبر أحد مطاراتها؛ الملفت هذه المرة أن مستشاري الدويلة لم يجتهدوا كثيراً في الحبكة وظهر في هشاشتها المفرطة وعدم ترابطها الواضح، فمن يصدق أنّ السودان الذي ترسي سُفن شحناته المختلفة من السلاح والعتاد الحربي في موانئ بورتسودان جهاراً نهاراً وتهبط طائرات صفقاته العسكرية المُعلنة على مرمى ومسمع من الجميع سيغامر بأنّ يجلب ذخائر عبر دويلة تجاهره العداء؟

وعلى العكس، فإنّ المليشيا المتمردة لم تتكيّف تكيفاً واضحاً مع طول أمد الحرب، ولولا شحنات السلاح المُهرب التي تصلها عبر المسارات السرية أحدثها مطار بوصاصو بإقليم بونتلاند الانفصالي، حيث ركبت الدويلة بالقرب منه راداراً إسرائيلياً متطوراً جداً، ورغم هذا البزخ العسكري الذي تتلقاه من الدويلة، إلا أن المليشيا مازالت تعيد أخطاءها الأولية في تجاهل تمام لتجديد خططها وتعزيز دفاعاتها وما احتلال النهود وكشف ظهرها في دارفور ببعيد عن هذه الأخطاء.

أخيراً، إن فشل المليشيا وداعميها في إدارة الحرب على كافة الأصعدة ما هو إلا انعكاس لفشلها في الميدان، ففشل مشروعها السياسي وغياب قادتها التام عن الأواسط الاجتماعية الرقمية جعل أبواق الدويلة يحلون محلها، لدرجة أصبحت فيها الدويلة تتلقى الهجمات واحدة تلو الأخرى نيابةً عنها فما عاد يذكر اسم الدويلة في أي مكان إلا وتنهال الشعوب الحرة ضرباً وقرعاً في جثتها الهامدة من كل صوب وحدب، وها هو تقرير متواضع من قناة جزائرية يقلب الرأى العام رأساً على عقب، مما يؤكد جلياً للعالم أن هذه الدويلة ليست سوى فقاعة كبيرة فارغة ستنفجر قريباً بإذن الله.

اللهم برداً وسلاماً على السودان

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.