أجد نفسي في غاية الدهشة للقنبلة الإعلامية التي أنفجرت عقب تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء.. كل الكيبوردات دوّرت.. هناك الرافض، وهناك الساخر، وهناك المتحير، وهناك المؤيد، حتى المحايد الذي ليس له رأي قاطع حرّك مفاتيح الكيبورد وكتب، وهذه آفة السوشلميديا، وما تمت تسميته بثورة الاتصالات؛ زول داير يسكت مافي، فازدحم التايملاين بكامل إدريس.
المكتفي بقراءة العاصفة الإعلامية، فسوف يظن أنّ منصب رئيس الوزراء في السودان منصب ليهو شنّة ورنّة، مع العلم بأنّ هذا المنصب عمره لم يُغيِّر من الواقع السوداني المتدهور.. اذكروا اسم رئيس وزراء واحد أحدث نقلةً في الواقع السوداني، اللهم إلا إسماعيل الأزهري لأنه صادف استقلال البلاد،
وبعدين يا جماعة الخير حكاية شهادة كامل إدريس دي ميلاد أو تسنين، مزورة أو حقيقية نحن كسودانيين آخر من يتكلم في هذا الموضوع، لأننا خاصة أجيال ما فوق الأربعين، معظم شهاداتهم مضروبة وكلها ١/١ وكلها تقدير عمر، فأن يُغيِّر الشخص تاريخ تسنينه في المدرسة أو عند بداية العمل أو نهايته أمرٌ عاديٌّ ليس فيه عجب ولا عيب، فإن أقام الأوروبيون الدنيا في موضوع تغيير الشهادة والذي أسموه تزويراً، ففوق عديلهم، وهذه ثقافتهم لكن نحن مع شنو كمان؟
على الصعيد الشخصي، لا ادّعي معرفة عميقة بالدكتور كامل، ولكن قابلته كثيراً وتسامرت معه عدة مرات، ولبّيت دعوة اجتماعية في منزله، فهو مثقف سوداني ود بلد، أكاديميٌّ حاذقٌ، وله سيرةٌ ذاتيةٌ باذخةٌ مبذولةٌ للكافة، وعلى دراية بالسياسة الدولية ودهاليزها وجخانينها بحكم تخصُّصه الأكاديمي وخبرته العملية.
أهداني وبالطبع مع آخرين كثر، كتاباً له بعنوان (السودان ٢٠٢٥… تقويم المسار وحلم المستقبل)، وهو يقع في حقل دراسات المستقبل، ومع الكتاب بطاقة لحضور تدشينه بقاعة الصداقة، فقرأت الكتاب، وحضرت التدشين وكتبت عنه عموداً، قلت فيه إنه كان دون توقعاتي، اهتم النواحي الإجرائية دون الموضوعية كعادة موظفي المؤسسات الدولية، دوماً يميلون للشكلانية وأنّ الزخم الذي حُظي به يقع في باب (سمحات القروش)، ولكن مع ذلك يمكن اعتباره إضافة للمكتبة السودانية، لأنها فقيرة في علم المستقبليات.
دعاني كامل إدريس بصفته رئيس المنظمة العالمية لحماية الملكية الفكرية (الوايبو) مع عدد محدود من الصحفيين، أذكر منهم الأستاذ عبد الله آدم خاطر والأستاذ الطاهر ساتي لزيارة جنيف فاعتذرت…
من المُؤكّد لن يطلب مني أحدٌ ترشيح شخص لمنصب رئيس وزراء السودان اليوم، لكن أقول لو حدث ذلك فلن يخطر ببالي كامل إدريس، لكن بما أنه قد تم تعيينه، فأقول إنّ اختياره كان موفقاً لتوقيته ولشخصه، فالوقت الآن هو الوقت المناسب لتشكيل حكومة مدنية، لأن القوات المسلحة قطعت شوطاً مقدراً في تحرير البلاد، فوجود حكومة مركزية وكثير من أجزاء البلاد في يد الدعم السريع كان سيكون عبثاً سياسياً.. كما أن أجواء الحرب تجعل وجود الجيش في المعادلة السياسة أمراً لازماً، فتعيين كامل إدريس جاء من المؤسسة العسكرية مما يحفظ التناغم في السلطة الحاكمة.
كما أنّ كامل إدريس رجلٌ سياسيٌّ بحكم الخبرة ولكنه غير متحزب، فكل الأحزاب اليوم تولول من اختياره، فهو الرجل التكنوقراط المنشود، كما أن كامل إدريس وبعمره الحالي و(عينو المليانة) لن يمد يده للمال العام، ونظافة يد الحاكم تقطع نصف الطريق نحو محاربة الفساد، وأشارطكم من هسه أن المعارضة الشرسة لكامل إدريس ستكون من قطط بورتسودان السمان ولو تدثّـرت بثوب آخر.. ومع ذلك لن نجزم بنجاح كامل إدريس، ولن نقول بأنه سوف يقود سفينة الخلاص، ولكننا في نفس الوقت نطالب الشائنين لتعيينه بأن يصبروا قليلاً حتى يجلس على كرسييه ثم يحكموا عليه من أعماله، ونتمنى أن يكون معه وزراء (نظيفين).. حكومة تكنوقراط غير فاسدة أفضل روشته في أيامنا هذه.
Comments are closed.