إعادة ترتيب الدولة السودانية.. هل ينجح د. كامل إدريس في المهمة؟

تقرير: سوسن محجوب

سمى رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الدبلوماسي د. كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء، بعد نحو أقل من ثلاثة أسابيع من تكليف سفير السودان في السعودية دفع الله الحاج بذات المنصب.. وبعيداً عن التطورات التى أسرعت بعزل دفع الله، إلا انه وفعليا أصبح إدريس فى المنصب الذي ظل شاغراً منذ استقالة د. عبد الله حمدوك مطلع يناير 2022. 

مهام وأولويات متباينة تنتظر الرجل وحكومته التي تأتي في ظل استرداد معظم ولايات السودان خاصة العاصمة الخرطوم من قبل الجيش السوداني.

 

خزائن فارغة

يتسلم كامل منصبه فى ظل واقع فارغ حرفيا، فلم تبق مليشيا الدعم السريع إبان سيطرتها على العاصمة الخرطوم على شئ والعديد من الولايات في السابق، وليست امام الرجل الا ان يبدأ من هذا الفراغ ليدير دولة حرب فى ظل “أزمة خانقة تجدها أينما تلفت”.

يقول القانوني والباحث في الشؤون السياسية د. صديق محمد عثمان في حديثه لـ(السوداني)، إنّ تعيين د. كامل ادريس هو دليل على “استفحال الأزمة السودانية وليس مؤشرا جيدا ولا علاقة لذلك بإمكانيات رئيس الوزراء المعين أو عدم كفاءته”.

 

زراعة الإسلاميين

ويعيد عثمان للأذهان بدايات كامل إدريس في المسرح السياسي السوداني فى تسعينيات القرن الماضي وتحديداً عند تفاقم ازمة الإسلاميين في العام 1998، ووجد قبولاً في تسهيل لقاء جنيف الذي جمع بين د. عبد الله الترابي والإمام الصادق المهدي المعارض حينها عليهما الرحمة، وكان في ذلك إشارة إلى كساد داخلي يعجز عن تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة، ثم في انتخابات 2010 أعتقد د. كامل إدريس الذي توطدت علاقته بالخرطوم ومجتمعها السياسي بعد لقاء جنيف و”أعتقد ان لديه فرصة مناسبة لمنافسة الرئيس البشير في انتخابات الرئاسة وكانت الخطوة في حد ذاتها تكشف عن سوء تقدير كبير”.

 

ضعف الإرادة المركزية

ويضيف صديق: “بعد زهد د. كامل، اتجهت الخرطوم تبحث عن بديل له فوجدته في د. عبد الله حمدوك الذي رشحته صراعات الاسلاميين الوطنيين ورفعته رافعة كردفان في وجه رافعة الشرق على نحو ذات الصراع الذي نشاهده الآن بين أحمد هارون وإبراهيم محمود، هذه التطورات كانت تشير إلى ضعف الإرادة المركزية للدولة السودانية إذ انها حتى داخلياً تواجه صراعاً من اطراف من داخل حزبها الحاكم – سابقاً – ولاحقاً طبعاً شاهدنا ضعف الكتلة المركزية للقوى السياسية امام مليشيا الدعم السريع وسيطرتها على الفترة الانتقالية ومحاولة الدولة المركزية إنقاذ نفسها من محاولة الاختطاف التي دبرتها المليشيا”.

 

حدود وصلاحيات البرهان

ويرى ذات محدثي، ان السلطة التنفيذية ليست مؤسسة قائمة بذاتها وبالتالي كل اداراتها المختلفة من قوات مسلحة ونظامية ووزارات لا تمثل إرادة الشعب المعين أو شرعيته وبالتالي فإنّ مباشرة هذه السلطة التنفيذية لمهام منح المشروعية كما شاهدنا في فترة تحالف قحت هو خطأ اصولي، والفريق أول عبد الفتاح البرهان هو القائد العام للجيش وبهذه الصفة منوط به حراسة مؤسسات الدولة وليس من صلاحياته ممارسة سياسات عامة أو ان يفوض غيره لانه يستمد مشروعيته من منصبه وليس من تفويض المجتمع له.

ويواصل صديق محمد عثمان فى حديثه لـ(السوداني) بقوله: “ان التوجه السليم هو ان تجتمع قوى المجتمع السياسية والاجتماعية لرسم الأصول العامة لمشروعية الانتقال ومن بينها مشروعية البرهان نفسه، قد يقول قائل بتعذر اجتماع القوى السياسية والاجتماعية وبالتالي ما لا يدرك كله لا يترك جله، ولكن هنا يبرز سؤال مهم، إذا قلنا بتعذر اجتماعنا كقوى سياسية واجتماعية فلماذا لم نترك الرئيس البشير على الأقل كان يتمتع بمشروعية نوعاً ما؟”.

 

أزمة نظام سياسي

ويعتبر صديق ان الأزمة في السودان ليست”أزمة إدارة مؤسسات الدولة كما يتم تصويرها، بل أزمة نظام سياسي”. ويوضح أنّ مؤسسات الدولة يمكن لأقدم موظف فيها ادارتها لتسيير أمور الدولة وتصريف أعمالها، إنما هذه المؤسسات تنفذ سياسات عامة تتعلق بأعمال الدولة داخلياً وعلاقات قطاعاتها الاجتماعية وكياناتها القبلية والجهوية كما تتعلق بعلاقاتها الخارجية، ويرى ان هذه “السياسات تحتاج إلى مرجعية وراءه، ويطرح ذات محدثي سؤالاً حول المرجعية التي تقف وراء د. كامل إدريس او اي شخص آخر؟ ويضيف أن إجراء تعيين الوزير أو رئيس الوزراء نفسه يكشف عن مشروعيته ومرجعيته.

 

رئيس وزراء.. ما هي مهامه؟

وفي السياق، يرى الباحث السياسي والخبير الاقتصادي الصحفي د. خالد التيجاني في حديثه لـ(السوداني)، إن التحدي الأهم هو تعريف وتحديد مهام رئيس الوزراء وحكومته الجديدة، “إذ انه وحتى الآن في تقديري ليست واضحة، صدر قرار، لكن كنت اتوقع ان يكون هناك بيان من الجهة صاحبة الصلاحية في التعيين وهي مجلس السيادة، حول مهامه وما هو دور حكومته ـ وهنا يوجد فراغ، مما ترك الأمر لكثير من الاجتهادات وبالتالي يجب ان يكون هناك تعريف وتحديد لمهام هذه الحكومة، وهذه مسألة اساسية جداً لانها من تحدد طبيعة التحديات”.

 

 هل فعلاً حكومة ذات صلاحيات واسعة؟ 

ويلفت د. التيجاني إلى ما يتم تداوله فى الاعلام بأنها حكومة ذات صلاحيات كاملة، “من المهم جداً الإشارة إلى أن الإطار القانوني أو الدستوري الذي يحكم الفترة الحالية هو الوثيقة الدستورية المعدلة للعام 2025، وهي بالتعديل الأخير غيّرت كثيراً من الوثيقة السابقة، بالتالي واضح جداً وبحسب الوثيقة المعدلة والتي بموجبها تم تعيين رئيس الوزراء، لا اعتقد ان الصلاحيات اصبحت محددة، وبالتالي، هناك صلاحيات سابقة كثيرة جداً لرئيس الوزراء وللحكومة ما عادت موجودة الآن، الكثيرون لم يطلقوا على الوثيقة المعدلة، ووزارة العدل وزارة كسولة، فقط اكتفت بنشر التعديلات فى الجريدة الرسمية، لكن كان يفترض عليهم نشر الوثيقة مكتملة، تعيين من يريد الاطلاع عليها، بعد ثالث تعديل لها”.

 

استعادة تشغيل مؤسسات الدولة التنفيذية.. ولا علاقة له بإنهاء الحرب

ويواصل د. التيجاني، معدداً جملة من التحديات التى تنتظر كامل وحكومته، أبرزها هو ان البلد لا تزال فى حالة حرب والعمليات القتالية مستمرة، وهناك ما يتعلق بالعمل الإنساني وملف العمل التنفيذي، وأخيراً ما يتعلق بالمسار السياسي، ويوضح فيما يتعلق بإنهاء الحرب، هذه عملية عسكرية ـ صحيح وفقاً للوثيقة المعدلة، توجد اشارة بأن الحكومة تلعب دوراً فى إنهاء الحرب، لكن لا اعتقد ان هذه الحكومة تملك أوراقاً أو رئيس وزراء، تجعلها جزءا من عملية إنهاء الحرب، هذه قضية عسكرية بحتة، يجب أن تترك للعسكريين، حسب خارطة الطريق التي طرحت، وهي قضية خارج قدرات اتخاذ قرارها.

وزاد: “اما الملف الإنساني وهو المهم، ويتم عن طريق المفوضية، لكن في رأيي التحدي الأهم لرئيس الوزراء الجديد هو كيفية استعادة تشغيل مؤسسات الدولة التنفيذية وهذه مسألة مهمة جدا، لأنها ظلت غائبة منذ انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر 2021، كان صدور التعيين بالتكليف لشاغلي المناصب بالتالي لا توجد حكومة مكتملة الأركان منذاك التاريخ”.

 

حكومة من داخل الخرطوم

ويعتبر التيجاني، ان التحدي الآن هو تشغيل مؤسسات دولة، وبدون تشغيلها واستعادة دورها لن تكون هناك أي امكانية لأي نجاح، لان الحديث عن نجاح الحكومة لا يتعلق بشخصية رئيس الوزراء أو الكفاءة، بقدر ما هو متعلق بدور مؤسسات الدولة واجهزتها التنفيذية المختلفة، وان تعيد تطبيع الحياة في السودان بالعودة الى العاصمة الخرطوم، ولا معنى لوجودها في بورتسودان، خاصة بعد اعلان تحرير كامل الخرطوم، ووجود مثل هذه الحكومة واستمرارها فى العمل من بورتسودان، سيكون إشارة واضحة جدا على هذا التحدي، ووجودها خارج العاصمة الخرطوم يؤكد على ضعفها، وهي تطالب المواطنين بالعودة وهى نفسها لم تعد، ولا يجب ان تكون هناك حجة بأن البنية التحتية لم تكتمل، هذه مهمتها، وهى تساعد في إكمال إعادة التأهيل.

 

الخدمات مقابل عودة المواطنين

ويرى الخبير الاقتصادي د. التيجاني، ان التحدي الآخر امام الحكومة هو كيف ـ تعيد أكثر من عشرة ملايين سوداني بين نازح ولاجئ، هذه مهمة اساسية جداً للحكومة وأن تعمل على تهيئة الظروف لعودتهم بقدر الإمكان وضمن مشاريع لإعادة الإعمار، كما ان تشغيل القطاعات الخدمية من صحة وكهرباء ومياه، كلها قضايا اساسية، فيما يمكن التحدي الآخر الاقتصادي، وهو كيف يكون تتمكن من استعادة تعافي الاقتصاد السوداني تدريجياً خاصة ونحن الآن أمام ة موسم زراعي صيفي ويجب ان تضعه الحكومة اولوية قصوى، تحريك مؤسسات الاقتصاد بشكل عام خاصة القطاع الزراعي، لتأمين الغذاء هى مسألة حيوية جدا، وبالتالي العمل على تحريك قطاعات الانتاج، على الاقل القطاع الزراعي فى الموسم الصيفي، والاستعداد للموسم الشتوي لاحقا، مع الاشارة الى تحريك قطاعات الانتاج الأخرى.

 

ليست حكومة سياسية

ويحذر د. التيجاني الحكومة القادمة في اعتبار “نفسها حكومة سياسية، بمعنى أن ما يتم تداوله الآن حول مسار سياسي وانها تعمل من اجل السلام او وفاق سياسي. ويضيف: “هذا ليس عملها وليست لديها قدرة له، والتحدى بالنسبة للمواطنين الباحثين عن العودة والاستقرار، هذه مسألة مهمة ويجب ان تترك عملية إنهاء الحرب للجهة المختصة، اما العملية السياسية فيجب أن تكون هناك هيئة شعبية مستقلة من ذوي الحكمة والخبرات، تسند اليهم اى تفاوض او حوار سياسي، وفى رأيي يجب ان يكون حوار مجتمعي، فى الاساس بمعنى ان يشارك كل الشعب السوداني، وليست النخب السياسية والعسكرية، هى عملية طويلة ومعقدة ويجب أن تترك لهم، ولا اعتقد ان الحكومة تملك الوقت او القدرة لادارة هذه العملية السياسية”.

 

خارجياً.. في يد السيادي

فيما يتعلق بدور الحكومة القادمة خارجياً، يقول د. التيجاني: “أكيد لها دور ولكن وفقاً للوثيقة المعدلة، فإن مجلس السيادة هو الذي يملك القرار في السياسات الخارجية ويشرف على تنفيذها، صحيح اما خطأ هذا هو الواقع، وبالتالي يأتي دور الحكومة عن طريق وزارة الخارجية لتلعب دورها الطبيعي”.

 

هل لديها مبادرات وحكومة خلاقة

يؤمن د. التيجاني بأن هذه هي القضية الأساسية جداً وبالتالي والأهم من الحديث حول رئيس الوزراء وما هي كفاءته ـ يجب الا يحكم عليه وفق افتراضات مسبقة، ولكن يجب ان يمنح الفرصة الكاملة بأنه قادر على تشكيل حكومة ذات كفاءة حقيقية قادرة فعلاً على أن تقوم بهذه المهام.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.