حجاوي الجمعة.. اليوم العالمي للحمار

هشام الخليفة

الحمار من الحيوانات الأليفة التي تعايش وتتآلف مع الإنسان، وأحياناً تعيش في البرية وهو النوع الذي يطلق عليه “حمار الوحش”، ويتميّز بالخطوط السوداء والبيضاء على جسده. والحمار من أكثر الحيوانات التي تعرّضت للظلم، فهو دائماً متهمٌ بالغباء، بينما تجده عكس ذلك تماماً، وقد كان العرب قديماً يصفون الرجل الشجاع الصبور بالحمار.
من أشهر هؤلاء الخليفة الأموي “مروان الحمار”. اسمه الحقيقي هو عبد الملك بن محمد بن مروان بن الحكم وهو آخر خلفاء بني أمية وقد سمي بـ”الحمار” لأنه لا يجف له لبد في مطاردة الخارجين على الدولة، وكان يصبر على مكاره الحرب ويجد السير بالسير، ويقال زنه قد أقسم أن يأخذ بثأر “الوليد” الذي قتله “الناقص” فنبش قبره وصلبه ليكون عبرة لغيره ممن يتجرأون على بني أمية!!!
وقيل أيضاً إنّ العرب تسمي كل مائة عام الحاكم بالحمار، وقد أتم الأمويون في عهده المائة عام. ظل قابضاً على حكم الدولة حتى خرج عليه بنو العباس واستطاعوا هزيمته بعد مطاردة حتى مصر، وبذلك سقط حكم بني أمية وأطل فجر الدولة العباسية.

ومن الذين أطلق عليهم لقب الحمار زميل كان معنا في “مدرسة وادي سيدنا الثانوية” وسبب التسمية أنه كان يحفظ الدروس عن ظهر قلب حتى إنهم اشاعوا أنه يحفظ أجزاءً من الـdictionary أي (قاموس المعاني)، وإن لم أتأكد من ذلك، ولكن ما أذكره تماماً أنه قد حفظ معلقة الأعشى قيس التي كانت مقررة علينا في امتحانات الشهادة السودانية في وقت قياسي ربما يوماً أو يومين، والمعلقات كما هو معروفٌ كلماتها عصية على النطق والفهم فمن أبيات المعلقة:
ودع هريرة أن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
هركولة فنق درم مرافقها
كان أخمصها بالشوك منتعل
ما بين مشيتها من بيت جارتها
مر السحابة لا ريث ولا عجل
****
وهكذا تمضي القصيدة على هذا المنوال وربما ساعده وساعدنا أنّ معلمينا كانوا أفذاذاً متفردين، فقد درسنا اللغة العربية على يد “شيخ شعراء السودان” كما كان يطلق عليه الأستاذ عبد الله الشيخ البشير. أما رواية وليام شكسبير Midsummer Night’s Dream (حلم منتصف ليلة صيف) التي كانت مُقرّرة علينا في امتحانات الشهادة السودانية أيضاً، فقد كان من حُسن حظنا أن كان معلمنا هو الشاعر النور عثمان أبكر، وذلك مما سهّل على صاحبنا أن يحفظ أجزاءً منها عن ظهر قلب برغم ما في مفردات شكسبير من وعورة لغوية. اختفى صاحبنا في زحام الجامعة وقد اختفى معه اللقب حتى تفاجأت به معي فى شعبة واحدة في إحدى مدارس مدني الثانوية، وبعدها بقليل غادرت أنا السودان ملتحقاً بشركة أرامكو السعودية، غير أنني سمعت أنه قد ترك التدريس والتحق بجهة أخرى سرعان ما تبوأ منصب مديرها العام باقتدار، وهكذا انهزمت فرية الغباء أمام النجاح الباهر الذي حقّقه صاحبنا.

في المحيط الذي أعيش فيه، عرفت أشخاصاً أطلق عليهم هذا اللقب وهم أبعد ما يكونون عن مدلوله فى المخيلة الشعبية، أحدهم كان صديقاً عزيزاً امتاز بالطرافة والظرافة والنباهة وسرعة البديهة، وقد سألته يوماً عن سبب التسمية وهو بهذا القدر من الذكاء فأجابني بأنه كان يقابل العقاب البدني فى المدرسة بصبرٍ عجيبٍ، فهو لا يتزحزح ولا يتنحنح أبداً وربما أثار ذلك غِـيرة زملائه الذين كانوا يولولون ويصرخون من أول (سوط) فأطلقوا عليه هذا اللقب.

أعرف أحد الأقارب من أصحاب الإعاقة له حمارٌ يكاد يماثل البشر في حُسن التصرُّف، فقد كان يحمله إلى حيث يريد، وحين يعود راجعاً للمنزل ينتظر في صبر عجيب حتى يأتي من يساعد صاحبه على النزول، ويقال انه سقط مرة فى الطريق فانتظر الحمار حتى أتى من ساعده على الركوب مرة أخرى.

عمنا عثمان حسن بركات الشقيق الأصغر للفنان مبارك حسن بركات، كان يعمل في طاحونة عمنا عركي محمد نور فى العيلفون ينقل الذرة من المنازل للطاحونة ثم يرجعها بعد أن يتم طحنها، وقد كان يساعده فى ذلك حمار ظَـلّ لصيقاً به زماناً حتى نفق الحمار فجأةً، فقام برثائه فى قصيدة عصماء ربما كانت هي أول وآخر مرثية لحمار على الإطلاق رواها لي أخونا المرحوم الشيخ إدريس محمد عبد القادر (الجخيوه) وقال فيها:
من فرق الحبيب مسخان على الدور
وانهشمن كريعات أب كدر فى الخور
*****
وهي كما ترى كلمات منغومة مقفاة أما الفنان المصري سعد الصغير فقد تغزل فى حماره بأغنية “بحبك يا حمار”، وذلك فى فيلم “سلام يا صاحبي” العام ٢٠١٧م مع بدرية طلبة وعلاء مرسي والتي يقول فيها:
بحبك يا حمار
ولعلمك ياحمار
أنا بزعل قوي
لما حد يقولك يا حمار
لابس حزام
بدل اللجام
عليك رفسة
إنما أيه
تفطر شاي وباكيه
وعايز كريم
بدل البرسيم
***
ولكل هذا اقترح أن يتم تخصيص يوم فى السنة نحتفل فيه بهذا الكائن الوفي الصبور يسمى (اليوم العالمي للحمار).

أمّـا فى سهول كردفان، فقد استخدم أحد العاشقين كلمة حمار فى الهجاء، إذ يقال إنّ شاباً وقع فى غرام إحدى الفتيات فهام بها حباً وتعاهدا على الإخلاص والوفاء تحت أضواء القمر الحالمة، ولكن الفتاة (كتلت ملف) وهرولت نحو أقرب مغترب لوّح بالريال والدولار أبوصلعة. حزّ ذلك فى نفس الفتى جداً فهجا محبوبته فى قصيدة (عصماء) قال فيها:
انت شباكاً كبيراً فى عمارة
انت ضلفة
انت برميلاً كبيراً للقذارة
انت قفه
انت ملفوفة كأنفاس (السيجارة)
انت سفّة
يا حماراً قد رماني خلف أشجار التبلدي
ثم فنجط
****
وللأسف فقد فنجطت الحبيبة كما فنجط الحمار أي هرول دون ترتيب ولا نظام تماماً كما فعل الجنجويد وهم يفنجطون من المدن التي احتلوها ظلماً وعدواناً (فنجطهم الله فى الدنيا والآخرة)
وسلامتكم.
أهنئ المسلمين فى كل بقاع الأرض، وخصوصاً أهلي فى العيلفون بعيد الأضحى المبارك، وأقول لهم أفرحوا وهلِّلوا وكبِّروا واحمدوا الله كثيراً…. بلا وانجلى.

هشام الخليفة
القاهرة – العيلفون
واتس آب 00201117499444

 

شارك الخبر

Comments are closed.