الكلمة مأخوذة من (قمشة) وهو السوط أو العصا التي تساق بها الأغنام وهي كلمة من العامية المصرية، وبما أنّ إخواننا المصريين ينطقون القاف ألفاً، فقد أصبحت الكلمة (أمشة) و(الأمشجي) شخصٌ كان يتقدّم مواكب العظماء والكبراء يفتح لهم الطريق مستخدماً العصا يبعد بها الناس عن الموكب، وهنا استخدامها مجازي والمقصود بها البطانة التي تُحيط بالزعيم تزين له أفعاله مهما كان ما بها من خطل وخلل فيزداد طغياناً وتكبراً وما أكثر الأمثلة على ذلك في التاريخ.
تستحضرني هنا قصة حصلت لي شخصياً، فقد ابتعثتني “شركة أرامكو السعودية” في العام ٢٠٠٢م لتلقي كورس في تدريس اللغة الإنجليزية اسمه (Current Trends in Language Teaching) أي (الطرق الحالية لتدريس اللغة الإنجليزية)، وذلك في معهد اسمه (International House) في لندن وهو واحدٌ من أكبر مراكز تدريب معلمي اللغة الإنجليزية فى إنجلترا. فضّلت السكن قريباً من المركز مع امرأة كبيرة في السن اسمها Ms Poole توفر لي غرفة نظيفة ووجبة إفطار. وقد تصادف أن كانت هي معلمة أيضاً فأصبحنا نتبادل الأفكار والتجارب في طرق تدريس اللغة الإنجليزية، وحكت لي في ما حكت، قصة عن كيف يصنع صغار الموظفين آلهة صغيرة. قالت إنه في بداية عملها كمعلمة جاءهم مدير جديد للمدرسة وقد كان رجلاً فظاً شديد المراس لا تعرف العواطف إلى نفسه سبيلاً. تضجّـر المعلمون وتذمّروا ثم اتفقوا أن يُواجهوه في أول اجتماع ويصارحوه بأن أسلوبه الجاف في التعامل يفسد جوّ الدراسة والمدرسة.
جاء اليوم الموعود واجتمعوا في القاعة جميعاً بما فيهم المدير، وبعد الافتتاح طلبت الإذن للحديث، فأذن لها المدير بذلك. تقول إنها وجهت نقداً قاسياً للسيد المدير وأسلوبه في الإدارة ثم جلست. توقعت أن يواصل بقية المعلمين نقدهم لأسلوب المدير كما اتفقوا سابقاً، ولكن لدهشتها الشديدة أنّ من تحدث بعدها أسهب في الإطراء والمدح لأسلوب المدير الجديد، ثم تبعه آخر وآخر وكلهم ساروا في نفس الطريق.
تقول Ms Poole إنّها شعرت بالانخذال الشديد، بل والخيانة، ولكنها تعلمت درساً قاسياً هو أنّ المصالح تأتي أحياناً فوق المبادئ، وهكذا صنع المدرِّسون من المدير الجديد الها صغيرا وفرعونا يأمر وينهي كما يشاء.
وفي شهادة الدكتور منصور خالد فى إحدى كتبه عن عهد مايو، حكى كيف أن مايو بدأت ثورة نقية قادها فتية متحمسون يحلمون بوطن شامخ، ولكن ما لبث أن تكالب عليهم المتكالبون ومنهم أصحاب أجندة أيديولوجية وجدوا في مايو أشواقهم وأمانيهم ببناء وطن على طريقتهم، فسُـرعان ما سمعنا الأناشيد الثورية تنطلق من الحناجر بدأت أولا بتمجيد الثورة:
يا فارسنا وحارسنا يا بيتنا ومدارسنا
كنا زمن نفتش ليك وجيتنا الليلة كايسنا
*****
و:
بيك يا مايو يا سيف العدا المسلول
نشق أعدانا عرض وطول
*****
حتى وصلنا إلى مرحلة:
أبوكم مين نميري
ريسكم مين نميري
للجمهورية نميري
مية المية نميري
وهكذا تحوّل نميري من ثائر باحث عن الإصلاح إلى أب يأمر فيطاع!!
ثم نوغل في تاريخ السودان قليلاً للوراء إلى عهد الخليفة عبد الله التعايشى. كان الخليفة عبد الله التعايشى الذي خلف المهدي على رأس الدولة المهدية رجلاً قوياً مهاباً لا يخالفه احد ولم يكن يجرؤ اي شخص على معارضته، حتى لو كان من خاصته وأهل بيته وقد وجد معاونة من الكثيرين الذين زينوا له أفعاله، بل إنّ قاضي القضاة فى عهده علي ابن أحمد قد أصدر أحكاماَ قاسية بالإعدام على معارضيه وقد نفذت الأحكام دون رحمة أو شفقة. غير أن التاريخ يحدثنا أن هنالك شخصين فقط كانا لا يهابان الخليفة وهما جدنا مضوي عبد الرحمن الذي هرب إلى الحبشة عندما علم بنية الخليفة قتله والآخر هو النور عنقرة الذي كان قائداً مهاباً ورجلاً شجاعاً. وشى به بعض الواشين بأنه يشرب الخمر فاستدعاه الخليفة إلى مجلسة فجاءه وقد تحزم وتلزم حاملاً سيفه ورمحه. سأله الخليفة إن كان صحيحاِ انه يشرب الخمر؟ فأجاب بالإيجاب، بل أضاف انه يصنعها في منزله!!! اندهش الحاضرون عندما تركه الخليفة ينصرف دون عقاب، فقال الخليفة لهم قولته المشهورة: (في ناس بتخاف من الخليفة، وفي ناس بتخاف من الله، وعنقرة ده لا بخاف مني ولا بخاف من الله أعمل ليهو شنو؟). وهكذا لم يعدم الخليفة من يجاهر بمعارضته ولكن البطانة التي حوله كانت أكبر وأكثر تأثيراً حتى أوردته موارد الهلاك.
اما آخر الطغاة هنا وليس آخرهم فى التاريخ، فهو الحجاج بن يوسف الثقفي الذي اوغل في دماء المسلمين الذين كانوا يعارضونه أو يعترضون الخليفة حتى إنه قتل أجلهم قدراً وعلماً وهو العابد الزاهد سعيد بن جبير والآلاف من المسلمين فيهم العلماء ورجال الدين لا لشئ إلا لجهرهم بكلمة الحق. اما قتله عبد الله بن الزبير ففيه عبرة وعظة، فقد صبرت أمه أسماء بنت أبو بكر صبراً تعجز عنه أمة كاملة فلم تهلع ولم تجزع حتى وهي ترى ابنها مصلوباً على الكعبة، ويقال إنّ الحجاج عندما حاول استفزازها سائلاً عن رأيها في ذلك أجابته بثبات إيماني عجيب: (لقد أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك).
ونحن على يقين أن الجنجويد المناكيد بعد أن أفسدوا علينا دنيانا سيفسد الله عليهم آخرتهم إن شاء الله، جزاءً لما اقترفت أيديهم من آثام وإجرام.
وسلامتكم.
*انتقلت بالعيلفون السيدة حاج مالك زوجة الطيب محمد علي العزاء لأهلها جميعاً.
*انتقلت بمدينة نصر بالقاهرة عائشة محمد حمد (أم دولة) زوجة محمد أحمد النيل ووالدة معاوية وإخوانه لها الرحمة والمغفرة ولأبنائها حُسن العزاء.
*القاهرة / العيلفون
*واتس اب 00201117499444
Comments are closed.