القيادي الاتحادي ورئيس الجبهة الوطنية العريضة علي محمود حسنين لـ(السوداني): الميرغني لا يمثل الحزب بعد أن خرج عن خط الحزب
حوار: محمد عبد العزيز
حزن نبيل خيم على السودان على خلفية مغادرة المناضل علي محمود حسنين الدنيا، بعد فترة قصيرة من عودته إلى الوطن من المنافي.. حزن نبيل امتزج بدموع الشامخين في القيادة العامة وهم يصلون عليه.. فالرجل ما أن هبطت قدماه أرض السودان إلا وسجد لله حمداً على تحرر الوطن من قبضة الإسلاميين وخفافيش الظلام، ليختار البقاء أغلب وقته في محيط القيادة العامة مع المعتصمين منوراُ ومعلماً، مؤكداً في كل مرة أنه مدرسة متفردة في معنى الصمود والبطولة.. (السوداني) تعيد نشر آخر حوار لها معه عقب عودته في إبريل الماضي..
كيف توفق بين رئاستك للجبهة الوطنية العريضة وتجمع الاتحاديين؟
الجبهة الوطنية العريضة ليست حزباً سياسياً إنما وعاء يجمع الأفراد والكيانات على ثلاثة مبادئ إسقاط نظام الإنقاذ، وعدم الحوار معه مطلقاً، ومحاسبة كل من أجرم أو أخطأ في حق الوطن والشعب منذ 30 يونيو 1989، لذلك فالجبهة موقف سياسي وخط وطني وليس كياناً سياسياً له عضوية منتظمة تسعى وراء السلطة، أما التجمع الاتحادي فهو كيان سياسي سليل الحركة الاتحادية التي نشأت في ثلاثينيات القرن المنصرم تحت مسمى الأشقاء قبل أن يتغير الاسم إلى الوطني الاتحادي وأصبح لاحقاً الاتحادي الديمقراطي ثم انقسم لخلاف على الموقف السياسي، والمبدأ الأساسي للاتحاديين الحقيقيين هو رفض أي نظام شمولي مدنياً كان أو عسكرياً ومقاومته بكل صلابة وتصميم.
هل ترمي إلى أن كل من لم يلتزم بهذا المبدأ فقد خرج عن الحزب؟
من شاركوا في النظام فقد خرجوا على دستور الحزب وإرثه النضالي ورغبة قواعده، هذا ما فعله بعض الإخوة، وقد ارتكبوا خطأً ثانياً بانتحالهم اسم الحزب.
ولكن هذه المشاركة الأخيرة أتت بمباركة رئيس الحزب محمد عثمان الميرغني ومشاركة أبنائه في السلطة؟
حتى محمد عثمان الميرغني لا يمثل الحزب بعد أن خرج عن خط الحزب، الحزب الاتحادي ليس تبعية فردية وإنما خط سياسي ومبادئ وطنية تم تحديدها منذ تأسيسه في العام 1943، وأي اتحادي أياً كان موقعه في الحزب إذا شارك في نظام شمولي تسقط عضويته تلقائياً، هذه مسألة مبدئية وليست تكتيكية.
لكن البعض شارك في نظام مايو وواصل بعد انتفاضة 1985 نشاطه الحزبي بشكل عادي؟
هذا كان من الأخطاء الأساسية، فبعد سقوط مايو تصدر للمشهد الاتحادي بعض من كانوا مشاركين في نظام مايو (سدنة)، وهذا ما دفعني وقتها لإنشاء الحزب الوطني الاتحادي بعد أن تلوث الحزب بـ(السدنة المايوية)…
(مقاطعة) ولكن نتائج السباق الانتخابي وقتها كانت تميل للحزب الاتحادي الذي حقق مقاعد أكبر بكثير مما فزت به؟
الفوز بالانتخابات يحدد بحسب المقاعد وليس تبعاً لمواقفهم المبدئية، ولكنهم يحتفظون بشرف الموقف، وفي نهاية المطاف التاريخ يحدد من كان على حق، على سبيل المثال عندما تأسست الجبهة الوطنية العريضة قامت على رفض الحوار مع النظام وهو أمر لم يجد تأييداً من القوى السياسية المعارضة التي سعت للحوار مع النظام في أديس أبابا وألمانيا وغيرها، ولكن الشارع قال كلمته واقتنعت الأحزاب بموقفه وموقف الجبهة العريضة بعدم الحوار مع النظام وإسقاطه ومحاسبته، الكثرة ليست المقياس وإنما الموقف الذي يحقق الالتفاف كما حدث من قبل الشعب السوداني الذي التف حول مبادئنا وقاد الثورة.
هل يمكن أن يعيد التاريخ نفسه، ويحدث تجمع للفصائل الاتحادية – بما فيها الأصل بقيادة الميرغني- مرة أخرى بعد سقوط نظام البشير؟
لا أتحدث عن أفراد، ولكن بشكل عام كل من شاركوا يجب أن يسألوا ليس عن طريق الحزب وإنما عن طريق الشعب السوداني، محاسبة قانونية تبعاً لما اقترفوا، ولدينا قانون لمحاسبة الفساد السياسي والاقتصادي والإعلامي تم إعداده قبل 8 سنوات، ونحن في انتظار السلطة التشريعية التي تكونها الثورة لعرض هذا القانون وإجازته وتطبيقه، وكل من يقع تحت طائلة هذا القانون سواء كان منتمياً للمؤتمر الوطني أو الاتحادي أو حتى غير منتمٍ وغيرهم، يحاسبوا وفقاً لذلك، نحن لا نحاكم الناس بأسماء كياناتهم بل بسبب أفعالهم.
هل يعني ذلك أنه بمثابة قانون للعزل السياسي؟
قانون محاسبة الفساد السياسي والاقتصادي والإعلامي ينص صراحة على العزل السياسي القضائي لمن يدان، والمحاكم تحدد العقوبة المناسبة للمدانين إلى جانب العقاب البدني والمالي، ومدة العزل السياسي الذي يتراوح بين 5 سنوات إلى 20 سنة.
ألا يعتبر ذلك اشتطاط من جانبكم تجاه خصومكم السياسيين؟
لا ندعو للعزل السياسي القائم على الانتقام أو التشفي السياسي إنما يقوم على حكم قضائي تجاه فعل معين ثبت أمام المحكمة بالدليل القاطع الإدانة.
هل يمثل هذا الموقف اتفاقاً بين قوى الحرية والتغيير؟
هذا هو موقفنا في الجبهة الوطنية العريضة الذي تبناه الشارع، وأرجو أن يجد القبول من قبل السلطة التشريعية لتجيزه ليتحول لقانون سواء عبر إجازته كما هو أو عبر إدخال بعض التعديلات، ووفقاً لهذا سيتم العزل بقرار قضائي وليس بقرار سياسي.
الموقف الآن يستلزم وحدة القوى المعارضة فماذا عن وحدة الفصائل الاتحادية؟
الاتحاديون توحدوا الآن في المسيرة النضالية وقطعوا شوطاً طويلاً في المسار التنظيمي ولم يتبق إلا إعلان مؤتمرهم العام لتوحيد كل الاتحاديين الرافضين للأنظمة الشمولية، وبحمد الله تصدر التجمع الاتحادي المشهد السياسي وقدم أكبر عدد من المعتقلين، كانوا أول من دخلوا السجون وآخر من خرجوا منها.
توصف الثورة الحالية بأنها ثورة الشباب، ماهو موقع الشباب في حزبكم؟
الشباب رأس الرمح في أي عملية تغيير، أما القيادة فتأتي عبر الخبرة والممارسة وعبر الانتخاب الديمقراطي، والشباب الذين قادوا الثورة ليسوا مؤهلين فقط لقيادة الحزب بل الدولة أيضاً، فقد أثبتوا قدرات كبيرة.
تصاعدت بعض الدعوات للحوار مع (الإسلاميين) باعتبارهم جزءاً من المشهد السياسي؟
هؤلاء استغلوا الدين وارتكبوا من الجرائم ما يشيب لها الولدان، لن نتواصل معهم وبيننا وبينهم القضاء العادل، ولا يمكن أن نتعاون أو نتواصل مع من شارك في قهر وقتل الشعب السوداني ونهب أمواله سواء كانوا إسلاميين أو غيرهم، لقد تسبب هؤلاء المنتحلين في تنفير الناس من الدين وظهور الردة، والدين براء من هؤلاء.
دعوة لتسليم السلطة لشباب الثورة المعتصمين وليس الأاحزاب..كيف يتم ذلك؟
الاعتصام يمثل برلمان الشعب، هذه الديمقراطية المباشرة التي لها سند قانوني ودستوري كما حدث في روما القديمة، قبل تعقد الأمور وظهور الديمقراطية التمثيلية، قد يكون هناك صعوبة عملية في التصويت، ولكن يخلق رأي عام غالب، مثلما حدث في (تسقط بس) فلا أحد صوت عليها ولكن التفوا حولها ودعموها.
كيف تنظر للعلاقة بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير؟
المجلس العسكري أدى واجبه وبارك الله فيه، وعليه تسليم السلطة للميدان، الذي يحدد المجلس الرئاسي، نحن لا نسعى ولا نرغب في صراع بين المجلس العسكري والشعب، فالجيش تحرك برغبة الاعتصام ولذلك يجب ألا يتصارع معه.
ولكن بعض الأصوات تدعو لحكم العسكر؟
لم تنشأ القوات المسلحة للحكم، والكلية الحربية لا تتضمن كورسات في الحكم وإدارة شؤون الدولة، والعسكر يحمون الدولة وفقاً للسلطة الشرعية والدستورية، ولكن في السودان حكم العسكر منذ الاستقلال أكثر من 50 سنة، ليصبح الأصل هو حكم العسكر، والعسكرية مهنة مقدسة عظيمة تجسد قمة البذل والعطاء في سبيل الوطن وهو أمر مقدر، ولكنها في النهاية تظل مهنة مثل غيرها من المهن كالأطباء والمهندسين والمحامين، الفرق هو أن الجيش لديه سلاح، وهذا السلاح في الأصل هو سلاح المحكومين سلاح الشعب من حر ماله وعرقه، ويجب ألا يوجه ضده، كما فعل عبود ونميري والبشير.
هناك تخوفات من عودة النظام السابق؟
ثبت لنا أن الشباب السوداني عظيم وواعٍ ومقدام وباسل، يكفي الإشارة لمشهد الفتاة التي تعيد (البمبان) بحماسة للشرطة وهو أمر لا يحدث حتى في الأفلام، لذلك لا مجال لعودة المؤتمر الوطني أمام هذه البسالة والشجاعة، وعلينا أن نقتلع جذور الوطني، أنا من أنصار حله، والمجلس العسكري أخطأ حين لم يحل الوطني في أول بيان له ولم يحل مؤسساته التي أسست للقهر والظلم كالدفاع الشعبي والأمن الشعبي وكتائب الظل يجب حلها فوراً وتجريدها من السلاح والتأكد من أين كانت تصرف هذه الأموال وتحاسب وتحاكم الناس، هذه أشياء أساسية كان ينبغي أن تحدث في البيان الأول قبل تشكيل الحكومة المدنية، وتقاعس المجلس العسكري في هذا جعل الناس يتخوفون من حدوث ردة ونكسة وعودة المؤتمر الوطني مرة أخرى.
وماذا عن التقاطعات الإقليمية والصراع والاستقطاب الإقليمي ؟
بفعل الإنقاذ كان هناك تدخل لأنه كان نظاماً ضعيفاً ومتسولاً ولا يفكر إلا بذاته ومصالحه وفي لصوصيته وانحداره ، مما جعل السودان ساحة للصراع الإقليمي، لذلك أرادوا أن يبقى البشير ليستمر هذا الاستغلال، وبعد زوال البشير وزوال المؤتمر الوطني قريباً تتضرر مصالحهم لذلك تجدهم يسارعون لحجز مقعد في النظام الجديد، لا مانع لدينا أن نتعاون مع الجميع على أساس الندية والكرامة وليس على أساس اليد السفلى، نحن الآن لا نتسول وسنكون اليد العليا، نحن لدينا الإمكانات ويمكن أن نكون في صدارة المنطقة كلها إذا وجدنا قيادة حرة ومخلصة وشجاعة وألا نجامل أو نهاب، تخيل إذا زرعنا برسيماً فقط يمكن أن نحصل على عوائد تفوق دخل السعودية من النفط، نحن خُلقنا لنكون دولة مانحة ويدها عليا وفضلها على الآخرين وتصدر القيادة والقيم والمال للآخرين، لكننا أصبحنا دولة ذيلية لا قيمة لها يحكمها اللصوص والعصابات، الشعب لا يعلم ما نعلمه نحن وكنت 10 سنوات بالخارج ورصدت انتهاكات النظام، لدينا من المستندات ما يشيب له الولدان.
هذا يقودنا إلى إمكانية ملاحقة الأموال في الخارج ومصادرتها ؟
القيادة السودانية الشرسة القوية يمكنها أن تعيد هذه الأموال.
شاركت في صياغة ميثاق الدفاع عن الديمقراطية يعد سقوط مايو ولكن لم يصمد لتأتي الإنقاذ، هل يمكن سد الباب أمام أي شمولية جديدة؟
لا بد من سد الثغرات التي وضحت في تطبيق الميثاق ويتم وضع ضوابط جديدة ليستحيل لأي قوى عسكرية أن تحكم مرة أخرى، ولدينا تصور كامل ضمن تصورات لإدارة البلاد وتوفير الخدمات.
لو قدر لك مقابلة البشير ماذا ستقول له؟
لن أقابله مطلقاً، أقابله فقط في المحكمة.
لو افترضنا أنك قابلته؟
سأقول له لقد أجرمت في حق نفسك أولاً ووطنك ثانياً وحق الله ثالثاً.