السلام الأخير

د. محمد صديق العربي

يعتبر جيلنا الحالي أكثر الأجيال شهوداً لاحتفالات توقيع سلام داخلي في السودان؛ وكان كلما وقع النظام السابق وثيقة سلام ومعلناً انتهاء صوت البندقية  تكون المحصلة اتساع الرتق ودخول مناطق أخرى جديدة في اقتتال جديد ومن ثم اشتعال فتيل الحرب، وتبادل الاتهامات بين الأطراف الموقعة بعدم الجدية وعدم الوفاء بالعهود وغياب المصداقية والتكسب من قضايا العامة لخدمة الخاصة وإعلاء شأن القبلية والمتاجرة بحقوق الضعفاء والنازحين والمهجرين وغيرها من الاتهامات؛ فحينما وقعت اتفاقية السلام في نيفاشا مع الحركة الشعبية و التي أدت فيما بعد إلى انفصال جنوب السودان بدأت حرب دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وبصورة ضارية أكثر مما كانت عليها في جنوب السودان؛ وها نحن ذا نشهد اول مولود سلام في العهد الجديد متحديا الاتفاقات السابقة معلنا بأن اتفاقية جوبا للسلام مختلفة عن سابقاتها وانها عمدت على حل المشكلة من جذورها.

 

هذه الحروب اللعينة لم تترك لنا وطنا ننعم فيه بسلام فظل الواحد منا جل طموحه الهجرة او الاغتراب على اقل تقدير؛ نحن أحوج ما نكون إلى سلام حقيقي ووطن يسعنا جميعا هذه البلاد حباها الله بنعم سوف نُسأل عنها فيما اهدرناها ؟! ولما لم نعمرها؟! كما امرنا رب العزة والجلالة قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) [هود :61]؛  افنينا عمرنا فيها بالاحتراب والشحناء والبغضاء وعدم التعايش والخيلاء والتعالي الأجوف؛ نحن أحوج ما نكون إلى سلام داخلي Inner peace مع النفس وترك التنمر والروح العدائية فالردم لايعني النقد الموضوعي البناء والاحراج العام وقلة الذوق في مواقع التواصل الاجتماعي لا تفسر باي حال كدليل على حب الوطن والوطنية فلنتعلم ما ينفع ونترك ماهو مضيعة للوقت ولا فائدة ترجى منه ومن يخالفك الراي لا يعني خصمك.

 

هل ستكون اتفاقية جوبا للسلام هي الأخيرة والمنجية لبلادنا ويلحق بركبها كل من عبدالواحد نور وعبدالعزيز الحلو وقبولهما الآخر بعد زوال مسبب الفرقة والشتات النظام المباد والا سيطول امدنا في انتظار البقية وتأخر تقدم السودان كثيرا وظل لمدة طويلة في مؤخرة دول العالم؛ هل اذا وقعت كل الأطراف المحتربة على سلام يعم أرجاء وطننا الحبيب سنبدأ في تغيير واقع حالنا البائس ونعمل جميعا بجد ونبذ العنف في مجتمعنا ام سيكون مصيرنا نموذجا تسخر منه بقية شعوب العالم اذا لم أجد الان دولة واحدة بالعالم في حالة فشل وتخبط وعدم دراية بإدارة مواردها العديدة والمتنوعة كحالنا كي اضرب بها مثلا يمكن أن نصير مثلها.

 

رغما عن شظف العيش والحال العنت والسخط العام على حكومة ما بعد الثورة بشقيها المدني والعسكري إلا أن الجماهير الغفيرة التى شهدتها ساحة الحرية ماهي إلا دليل على تعطش هذا الشعب إلى السلام وتمزيق فاتورة الحرب ودفع فاتورة السلام وان كانت الآن مكلفة على عاتق الدولة إلا أنها وجدت قبولا نسبيا في المجتمع فنحن لا شك ماضون في تعميق روح الإخاء وتمكين سودان يسع الجميع.

 

أسوأ ما سمعته من أحد ممارسي السياسة في بلدي قال لي ذات يوم يجب أن يتعلم منتسبو الحزب اسلوب الحفر للخصم او الند واحيانا من الحزب نفسه، ويعني العمل على افشال المحفور له وصناعة الاسافين ووضع العراقيل التي تحول دون إنجاح مهمته ولو كان الخاسر المنظومة التى تحويهم او الوطن ككل؛ ولعمري هذا منهجنا في كل شيء في حياتنا وقد تلاحظ ذلك في حياتنا اليومية؛ نحن نحتاج إلى تعديل كثير من السلوك في حياتنا حتى نستطيع أن ننهض لا أقول المدينة الفاضلة ولا أسأل الناس بتطبيق الافلاطونية ولكن لدينا كثير من السلوكيات المعوجة فمثلا تجد الروح الهدامة والمثبطة منتشرة وسائدة في مجتمعاتنا. يجب أن نتعلم تقديم ما يعزز بالطاقة الإيجابية والابتعاد عن تلك السلبية والكلمات الجارحة التي قد لا تلقي لها بالا وتعمق الهوة بينك وبين متلقيها.

شارك الخبر

Comments are closed.