يا ليل ( ابقالي ) شاهد .. في سوح الشيخ قريب الله

الرواية الأولى || مجدي عبدالعزيز

شارك الخبر

 

 

مشهورة هي القصة ومتداولة ووثق لها حسن نجيلة في كتابه الخالد ( ملامح من المجتمع السوداني ) التي وقعت في ليلة من ليالي ام درمان ( النسامة ) يوم تسلل صوت المطرب كرومة إلى أذن الشيخ قريب الله ـ شيخ الطريقة السمانية ـ وهو يغني في دار عرس ليس ببعيد عن دار الشيخ الورع بودنوباوي ( يا ليل ابقالي شاهد على نار شوقي وجنوني .. ياليل ) ، ثم كان الاستدعاء اللطيف ، ( الحيران ) المرسلون يهمسون في اذن كرومة ـ حين فاصل بعد وصلة ـ ( الشيخ عايزك في المسيد ) ، وتقع الرجفة في دواخل المطرب الشفيف إلا أن مؤازرة ومرافقة الشاعر عمر البنا خففت عليه من حالة ( الوقعة السوداء ) التي اكتنفته بظنه انه ارتكب خطيئة وما إستدعاء الشيخ إلا للتوبيخ .
وتقول بقية رواية حسن نجيلة إن كرومة قال للحيران ( سأذهب معك، ونهضا. ويخب التلاميذ أمامهما .. ويبلغان الحجرة التي فيها الشيخ وبعض مريديه، وينحني كرومة مسلماً ومقبلاً يد الشيخ ويلقاه الشيخ في بشاشة ولُطف. ويؤتى لهما بشراب من العسل الممزوج بالماء يرشفانه في بُطء ويزداد اطمئنان كرومة. وينظُر الشيخ إلى كرومة ويقول له لقد سمعتُك الآن تُنشدُ كلمات طيبة عن (الليل) فهلا أسمعتني أياها؟ كان هذا آخر ما فكر فيه كرومة ، ولكنه نهض مُنتشياً بهذا الطلب ونهض معه عمر البنا ليقوم له بمُهمة (الشيال) أو (الكورس) وبدأ كرومة يُغني مطلع القصيدة في شيء من الاضطراب، ويُردد المقطع الأول في الأغنية : والشيخ ينظر بعيداً ساهماً، الليل ، كم له فيه من تسبيح وتهليل. ويرتفعُ صوت كرومة بكل ما يحملُ من نبرات ساحرة و (بحة فى صوته) آسرة : يا ليل صار ليك مــعاهد طرفي اللي منامو زاهد يا ليـــــــــــــــــــــــــــــل … ويهتزُ الشيخ، ويرتفع صوته في صيحة من تملكته نشوة الليل ليل الصوفي العابد . صاح . الله! ويسمعُ كل من في الحجرة صيحة الشيخ . الله! وقد انكفأ على (التبروقة) مغشياً عليه! ويُسرعُ تلاميذ الشيخ الذين جاءوا بكرومة وصاحبه وقد وقفا وسط الحُجرة كتمثالين جامدين لما أصابهما من دهشة، ويصحباهما إلى خارج الدار ليُكملا ليلتهما في دار العرس، ويتركا الشيخ حتى يفيق مما غشيه من هذا الكلام الذي يُدركُ وحده عمق معانيه، وليُكمل ليله في عبادته وتهجُده )
مساء الاثنين الماضي جمعتنا سوح ومسيد الشيخ قريب الله ( الجامع ) بمناسبة الاحتفال بميلاد عطره من أحفاد الشيخ قريب الله ـ باكورةـ لحفيده وشيخ الطريقة الصديق الشيخ محمد حسن ،، ذات المكان الذي رسم فيه حسن نجيلة ملمحا من ملامح المجتمع السوداني بالقصة أعلاه ،، وحسبت في خاطري أن هذه الليلة وغيرها من ليال أخر في هذا المكان وأماكن مشابهة يمكنها أن ترسم ملامح جديدة لمجتمعنا حاضرا ومستقبلا بعد رؤيتي ومعايشتي ( للسوح الجامع ) وهو يضج بخلاف المريدين واهل الطريق برموز من مكونات المجتمع السياسية والاقتصادية والمجتمعية والعسكرية ، وكانت فرصة فريدة لالتقاء ذوي المشارب المختلفة وتجاذب أطراف الحديث بالهم العام ، وقدسية المكان وروحية المناسبة والداعي تضفي عليهم من السكينة والاحترام المتبادل ، هذا الاجتماع السهل بدعوة كريمة من شيخ نبيل أظنه سيستعصي إن كان تحت اي لافته أخرى وسيصعب إن كان في غير ذات الأمكنة .
لكن من مباعث الأمل ودوافع الاطمئنان أن نقول هناك من الأيقونات والأمكنة يمكن أن تجمع السودانيين ونخبهم دون تقاطعات او اعتراضات كما يحدث في عوالم السياسة وأشباهها ، وهذا ما عنيت به في مقال سابق ( المكونات الأصيلة ) للمجتمع التي في استصحابها في التشاور والحوار وصيانة دورها في التقريب والتسهيل يمكن أن نرسم بدورها الرائد ليس ملمحا بل مستقبلا كاملا للمجتمع السوداني .
لا ينكر الا غير مدرك تأثير وأهمية مشايخ الطرق الصوفية ومكوناتها علي مجتمعنا في عدة اوجه تعليمية وإصلاحية و ( جودية) ،، وأخري إنسانية متعلقة برعاية الضعفاء والمساكين ، وتقديم ( الدين والعجين ) ، ومن الملاحظ أن كثيرا من هذه المكونات وسعّت من دائرة نمطها التقليدي إلى أنماط حديثة تواكب مجريات العصر والتقانة دون تفريط في أصالة ،،
شركاء الفترة الإنتقالية ستبقى شراكتهم ( محدودة ) بحدود سياسات ديوانية وبينية وتحالفية يتخذونها ويقرونها ، لكنهم يستطيعون أن يجعلوها شراكة مجتمعية وقومية أكثر اتساعا بتأكيد وتأييد أدوار المكونات الأصيلة في المجتمع ،، والى الملتقى ..

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.