الخرطوم: الزين عثمان
في يناير من العام 2019 عاجل احدهم الطبيب بابكر عبد الحميد بطلقة قطعت عليه الطريق نحو تطبيب جراح احد المصابين في مواكب الثورة في حي كافوري حيث كان يقيم الشهيد. تقول والدته شريفة عوض لمن جاءوا يعزونها في رحيل ابنها الوحيد (انا ما ح ابكي على بابكر الا بعد أن يسقط النظام الذي قتله) ردد المتظاهرون ساعتها الهتاف (ام الشهيد امي ودم الشهيد دمي) ومضوا في طريقهم نحو اسقاط النظام فهو الطريق الوحيد لتجفيف دماء امهات الشهداء.
حدث ذلك وانتهت حقبة المخلوع في الحادي عشر من ابريل 2019 بدأت حقبة أخرى من موت الابناء وبالطبع من ودموع الامهات عقب فض اعتصام القيادة العامة بينما ظل السؤال حاضراً هل توقفت دموع الامهات ام تغيرت فقط اسباب نزولها؟
دموع وداد
الاسبوع الفائت تنطلق جلسات محاكمة المتهمين في قتل شهيد جامعة الرازي والطالب في كلية الطب محجوب التاج محجوب حيث قرر وبعد اسبوع فقط من مقتل بابكر أن يزود عن زميلاته في مواجهة عنف السلطة قبل أن ينتهي به الامر في مشرحة مستشفى ام درمان التعليمي وتوفي بسبب التعذيب في احد مقار الاحتجاز مضي محجوب ملتحقاً بركب شهداء الثورة تاركاً خلفه ابتسامة لا يمكن الصعود فوقها كلما وقعت عين احدهم على صورة للشهيد وبالطبع دموع تأبى أن تتوقف وتحجز مكانه في مقلتي والدته السيدة وداد عثمان والتي تظهر في تسجيلات الفيديو المنشورة لها وآخرها الفيديو الذي تم عرضه في وكالة الانباء الرسمية للسودان (سونا).
ستات الحشا المحروق
وما وداد سوى أم واحدة من قائمة من الامهات ممن حرق النظام السابق وسياساته حشأهن بقتل فلذات اكبادهن قائمة يمكن تصنيفها بأمهات سبتمبر حيث تصعد إلى سطح الاحداث السيدة احلام خضر (ام هزاع) امراه قتلوا ابنها في العام 2013 ليكسروا قلبها فطبخت من حزنها طاقة للتغيير اوصلتها للاختيار من ضمن المئة سيدة الاكثر تأثيراً في العالم وفقاً لاختيارات هيئة الاذاعة البريطانية ومع اختيارات (البي بي سي) يعترف ابراهيم على من الشباب الناشطين في الحراك الثوري في شمبات في مسيرتنا نحو انجاز الخلاص “كنا نعلم بان الطريق ضيق وتحيطه الأشواك من كل جانب، كان يضيق بنا لاقصى حد وقتها لم نكن نفعل سوى تتبع مسيرتها فقلب الأم دليلها ودليلنا”. في الوقت نفسه يردف ابراهيم “كنا في تمام حظنا لان في طريقنا احلام خضر وان طريقنا هو نفسه طريق ام هزاع”. في القائمة يمكنك ايضاً أن تضيف والدة الشهيد كشة التي تخرج في كل المواكب وقد وضعت صورة ابنها على صدرها بحثاً عن الطمأنينة وبالطبع العدالة والانصاف. وهناك ايضاً والدة الشهيد قصي حمدتو واخريات يجمعهن الوجع والبحث عن الإنصاف ويرددن في كل تجمع (المشنقة بس).
في الابيض رقص وزغاريد
الخميس الفائت اصدر قاضي محكمة الابيض حكمه بالاعدام على سبع من منسوبي قوات الدعم السريع ممن تورطوا في مذبحة طلاب الاساس في المدينة عقب سقوط نظام البشير بينما قررت المحكمة احالة احد المتهمين الى الاحداث لانه لم يبلغ الحلم بعد (طفل) هناك كانت الرمال تتحرك تحت اقدام الثوار وهم يبحثون عن ذات قيمة العدالة يقطعون في سبيلها المسافات لا يهم ما يهم أكثر أن يروا اهداف الثورة وقد تحولت إلى حقائق تمشي على الارض وتمنحهم الأمل بأن (يوم باكر افضل) لكن لحظة نطق القاضي بحكم الاعدام على المتهمين كانت بدايات جديدة بالنسبة لوالدة الشهيد يونس آدم التي اطلقت العنان لفرحها وانخرطت في نوبة رقص طويلة وسط تجاوب منقطع النظير من الثوار الذين رأوا في قرار المحكمة خطوة اولى في اتجاه تحقيق العدالة.
متاريس في الطريق
بالنسبة لوالدة الشهيد محمد هاشم مطر فإن لا شيء يرغبون فيه كأمهات شهداء اكثر من حصولهن على العدالة فهي الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من الاحساس ببعض الارتياح رغم أن حزن غياب الابناء لا يمكن حتى وصفه بالطبع فان الطريق نحو تحقيق تلك الغاية يتطلب توفر الاجراءات المؤدية اليه وقبل ذلك توفر الارادة من قبل حكومة الثورة في انجاز ملفات العدالة والتي لطالما رددت قيادات السلطة الانتقالية وعلى رأسها رئيس الوزراء بان القصاص لدماء الشهداء هي الاولوية وهي اللبنة الاولى في بناء دولة القانون ومع التأكيد على أن القصاص ليس للتشفي وانما لكي يتعظ القتلة الظالمين انه لن تهدر دماء مرة اخرى في هذه الارض النقية وهو طريق تعترضه مجموعة من المتاريس حيث لا يخفي بعض منسوبي منظمة اسر الشهداء عدم رضائهم عن الاداء الحكومي فيما يتعلق بالجوانب القانونية وخصوصاً تلك المتعلقة بإكمال الهياكل ويدعمون رؤيتهم تلك بان غياب المحكمة الدستورية ساهم في تعطيل تنفيذ الاحكام بالاعدام التي اصدرتها المحاكم في وقت سابق وعلى رأس تلك القضايا والاحكام قضية الشهيد الاستاذ أحمد الخير التي انتهت باصدار قرار بإعدام من عذبوا حتى الموت في مدينة خشم القربة.
طريق العبور
حسناً ولتجاوز هذه المتاريس فيما يتعلق بتحصيل العدالة لدماء الشهداء فان القانوني حاتم الياس وفي حديثه لـ (السوداني) يرى أن الامر ينطلق في الاساس باعادة بناء المؤسسات القانونية واعادة النظر في تركيبتها الشمولية السابقة وبغياب الحيادية الحديث حول اشكاليات في البنية القانونية التي تناولها الياس تبدو رؤية متفق حولها لدى كثيرين فإن عملية تأخر اجراءات الحسم القانوني ترتبط وبشكل رئيسي بعمليات التأخير في اعادة هيكلة المؤسسات القانونية مثل النيابات والقضاء خصوصاً في اعقاب اصدار قرارات سيادية في وقت سابق انتهت باقالة النائب العام ومعه رئيسة القضاء دون الاتفاق على بديل حتى الآن وهو امر قد يشير ايضاً الى أن ثمة تداخلات ومسؤوليات سياسية في هذا الجانب تتطلب من شركاء الانتقال الاسراع في حسم هذه الملفات بأعجل ما تيسر عمليات الاصلاح القانوني تتطلب بالضرورة ارادة سياسية تمضي في هذا الاتجاه. ومؤكد أن غياب هذه الارادة سيساهم في زيادة حدة الاختلافات ما بين الحكومة والشارع الذي يمكن أن يتجاوز كل القضايا ما عدا قضية الشهداء ودونكم الهتافات الحاضرة في كل موكب يخرج إلى الشوارع.
على بوابة الخروج
وبالعودة إلى حكاية والدة الشهيد الدكتور بابكر عبد الحميد السيدة شريفة عوض والتي رهنت بكائها على ابنها بالنجاح في اسقاط النظام وهو ما حدث بالفعل سقط المخلوع وبكت السيدة بحرقة عندما أحست بان ثمة انتصار قد تحقق لكنها لا تزال يرافقها السؤال الاخر هل بامكان أم أن تنتصر دون أن تعرف من الذي اطلق الرصاص على وحيدها؟ كيف لها أن تنام ومن سلبها راحة بالها لا يزال حراً طليقاً يمضي في الطرقات؟
وفي سلسلة الاسئلة الممتدة ثمة أجابة تنطق بها السيدة وداد وهي تنادي على ابنها الغائب الحاضر (وصلنا يا محجوب) هي فقط بضع خطوات ونرى رؤوس من حرمونا الحق في النوم وقد تدلت من مشانق العدالة لكن وقبل أن تنهي والدة المحجوب كلماتها قطعت عليها العبرات والدموع الكلمات وان كانت رقصة والدة الشهيد آدم يونس في الابيض ترسم صورة أخرى مفادها أن دموع الهزيمة هي ذاتها دموع الانتصار.