مستشارو حميدتي.. من هم؟

الخرطوم: شهدي نادر

منذ بواكير الحراك الثوري الذي انتظم مدن البلاد في ديسمبر من العام الماضي، اتخذ قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، موقفه حيال المواكب التي تجوب الشوارع محتجة على الأوضاع، حين خاطب فصيلا من قواته عائدا من الحدود بمعسكر طيبة الحسناب جنوب غربي أم درمان، بتأكيده أن الحكومة طلبت منهم كقوات العمل على جمع السلاح من المواطنين ففعلوا لتقوم البنوك والمصارف لاحقا بالتحفظ على أموال المواطنين. والسلاح هو ما يدافع به الناس عن أنفسهم وممتلكاتهم. وهو ما عده حمديتي خلال حديثه ظلما حاق بالناس ممن خرجوا رافضين لهذا الظلم، ليعلن هو الآخر رفضه لأي تعليمات قد تصدر لقواته بالمشاركة في التصدي للاحتجاجات التي تجوب المدن السودانية.

تحجيم حكومي
ردة الفعل الحكومي على حديث قائد الدعم السريع بطيبة الحسناب تمثلت في تعيين العميد الصوارمي خالد سعد ناطقا باسم الدعم السريع في قرار فسره مراقبون بأنه محاولة للسيطرة على مواقف الرجل التي فيما يبدو أنها بعيدة عن الموقف الرسمي، عبر ضبط الخطاب الإعلامي لقوات الدعم السريع بما يتوافق والموقف العام للدولة. ليتوارى بعدها حميدتي عن الأنظار في أجواء يشوبها التوتر بفعل تسارع وتيرة الأحداث على مستوى الشارع الذي ارتفعت درجة غليانه حيث تكاثرت الشائعات وتناسلت حول مصير الرجل وإمكانية تعرضه لمكروه من قبل الناقمين على موقفه الذي عده البعض خروجاً عن طاعة النظام ليسجل ظهوراً جديداً في آخر خطاب للبشير في مارس الماضي.
أسماء عديدة ظلت متداولة كلما برز اسم حميدتي، وظل كثيرون يربطون بينه وبين بعض من يلازمونه في مناسباته وخطبه، فتظهر صورهم إلى جواره دون تأكيد أو نفي، ولعل من أبرز هذه الأسماء رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي، ووكيل وزارة الإعلام السابق عبد الماجد هارون وكذلك رئيس لجنة لجنة النقل بالبرلمان المحلول عبد الله علي مسار.
بيد أن المدهش أنه في وقت سابق تمت تسمية الأستاذ بجامعة الخرطوم د.مضوي إبراهيم كمستشار للرجل فضلا عن البرلماني السابق أبو القاسم برطم. بيد أن كل هذه الأسماء لم تجد مقربا من الرجل يؤكدها.
مع الشارع
وصل المحتجون لقيادة الجيش في الخرطوم في السادس من أبريل، ليعقبهم بأيام وصول قوات الدعم السريع للقيادة هي الأخرى، واصطفاف جنودها بجوار جنود القوات المسلحة، لينحاز الجيش أخيراً في الحادي عشر من أبريل عبر رئيس اللجنة الأمنية العليا عوض بن عوف ليجهر الشارع برفضه القاطع لشخصية عوض بن عوف واعتباره امتدادا للبشير ليفاجئ حميدتي هو الآخر الشارع بإعلان رفضه دخول المجلس العسكري الذي يرأسه ابن عوف مختارا كما قال بالانحياز للشارع في كل ما يختاره وأن ما يرضيه يرضي الشارع ليترجل ابن عوف عن رئاسة المجلس العسكري نزولا لرغبة الثوار ما أكسب حميدتي بموقفه أرضية جديدة.
يتحرك لوحده
نزول ابن عوف قابله صعود جديد لشخصية حميدتي بفعل المواقف التي عمد على إرسائها في أوساط السودانيين وتصويره كبطل قومي صنعته مواقفه الداعمة للثورة ومطالب الثوار الملتحفين الشوارع، ما فتح الباب حول مصدر هذه المواقف إن كان حميدتي نفسه أم يستعين بآخرين لهم أجر الاستشارة في صنع قراراته ومواقفه، وهو أمر استبعده الصحفي والمحلل السياسي يعقوب الدموكي خلال حديثه لـ(السوداني)، مشيرا إلى أن المتابع لأقوال الرجل وأحاديثه يجدها تعليقا على مواقف بعينها بصورة عفوية وليست مكتوبة جاهزة أو معدة سلفا ليرجح خيار استعانته بمستشارين لرسم خارطة طريق يتحرك فيه.
الدموكي يقول إن أحاديث حميدتي كلها تصنعها الأحداث التي تشهدها الساحة لذلك تجده يتحدث بدون أي تكليف.

إضراب حميدتي
ثورة السودانيين مرت بمنعطفات كثيرة وتصعيد من جانبي التفاوض قوى الحرية والتغيير التي قادت الشارع والمجلس العسكري الذي انحاز للشارع، لتبرز مجزرة الثامن من رمضان، ليتوجه الاتهام لقوات الدعم السريع من قبل الشارع بالتسبب فيها، الأمر الذي دفع قوى الحرية والتغيير على التصعيد في مواجهة المجلس العسكري عبر إعلان الإضراب عن العمل، ما جعل نائب رئيس المجلس العسكري حميدتي يستبق تنفيذ الإضراب ويعلن فصل أي موظف يضرب عن العمل ليعرف إضراب يومي (28-29 مايو). حديثه في تلك المرة جعله في مواجهة قطاع عريض من الشارع الذي يشكل المهنيون غالبيته ممن تهكموا من حديث نائب رئيس المجلس العسكري بالتأكيد على أن الإضراب حق مكفول، ومضى العاملون في تنفيذه حسبما أفادت صور وفيديوهات تناقلتها وسائل التواصل من داخل المؤسسات.
طلاق بائن
مواقف حميدتي الجديدة وضعته في خانة مواجهة الشارع الذي أكد انحيازه له في بداية احتجاجه لتأتي مجزرة فض الاعتصام التي تبرأ منها، وأكد أن قواته وقعت في فخ نُصب لها لكنها بالمقابل كانت طلاقا بائنا بين الرجل والشارع، ما جعله يتجه لميادين جديدة بعيدا عن ميدان الثورة وثوارها حيث بدأ يتحرك وسط الإدارة الأهلية. وهنا يقول الدموكي إن حميدتي بالأصل شخص من الريف ويعرف جيدا دور الإدارة الأهلية في تحقيق السلم الاجتماعي خصوصا وأن السودان دولة مترامية الأطراف، وللإدارة الأهلية أدوارها التي تؤديها في هذا الشأن.

تأكيد صعب
المحلل السياسي د.عبده مختار في حديثه لـ(السوداني) جزم بصعوبة القطع عما إذا كان لحميدتي مستشارون أم أنه يتحرك وحده، مبينا أن الانطباع العام أنه إنسان ما في قلبه على لسانه حيث يتحدث بعفوية وكثيرا ما يرتجل في خطاباته الجماهيرية، مضيفا أنه قد يجمع بين الاستشارة في بعض الأمور والارتجال في البعض الآخر، خصوصا في ظل تداول بعض الأسماء التي يقال إن الرجل يستعين ببعضهم لكنه يبقى تأكيدا يصعب نفيه، وأمراً في غاية التعقيد.
مختار لم يستبعد أن يكون للمجلس العسكري عموما مستشارون نسبة لحداثة أعضائه في أمور الحكم والسياسة، ويؤكد أن المشكلة تتمحور في السؤال عن هوية المستشارين ومدى حياديتهم ووطنيتهم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.