بقبول “التغيير” وتحفظ “العسكري”.. الوساطة الإثيوبية في مفترق الطريق

الخرطوم: محمد عبد العزيز

اتهمت قوى إعلان الحرية والتغيير المجلس العسكري الانتقالي بقطع الطريق أمام مبادرة الوساطة الإثيوبية لمعالجة الأزمة، فيما أعلن المجلس العسكري عدم رفضهم لمبادرة الوسيط الإثيوبي داعياً لتوحيدها مع مبادرة الاتحاد الإفريقي، وتشمل الوثيقة الإثيوبية تأكيداً على الاتفاقات السابقة بين المجلس العسكري وقوى التغيير، ومنها حصول قوى التغيير على 67 % من مقاعد البرلمان، وأن تتولى منفردة تشكيل الحكومة الانتقالية إلى جانب مقترح لتقاسم المجلس السيادي بواقع سبعة أشخاص مدنيين ومثلهم من العسكريين وشخص مدني يتوافق عليه الطرفان.

تعارض مواقف
ثمة تعارض واضح للمواقف بين المجلس العسكري وقوى الحرية في فهم مقترح الوساطة الإثيوبية وفهم طبيعتها لا سيما بعد تصريحات المجلس العسكري عن تعارض في مبادرة الوسيط الإفريقي والإثيوبي، ويؤكد نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد حمدان دقلو عدم رفضهم لها، ويشير إلى أن مهمة الوسيط الإثيوبي تهيئة الأجواء للتفاوض، وقال: “رئيس الوزراء الإثيوبي لم يكن وسيطاً، ومهمته أن يلتقي الطرفين فقط وتقريب وجهات النظر ليجلسا إلى بضعهما البعض، وقال “لم يقل إن معه ورقة مبادرة، وأوضح لنا أن مهمته هي جعلكم تجلسون مع بعضكم البعض لإعادة التفاوض” وأضاف “بعد ذلك جاءتنا إملاءات جاهزة”.
في المقابل كشف تجمع المهنيين –أحد فصائل قوى الحرية والتغيير- أنه اجتمع بمبعوثي الاتحاد الإفريقي والوسيط الإثيوبي وأكدا لهما أن المُبادرة مُوحدة، وقال المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين إسماعيل التاج “اجتمعنا مع الوسيطين الإثيوبي والإفريقي الأحد الماضي وقالا لنا إن المبادرة موحدة”، وأشار التاج إلى تناقض المجلس العسكري في رده على الوسيط، وأضاف “المجلس قال إنه لم يطلع على المبادرة ولن يتعامل معها إلا بعد توحيدها مع الإفريقية فكيف يُصرح إنها تختلف عن الأخرى إذا لم يطلع عليها”.
وشدد التاج على أن المجلس العسكري حاول التقليل من المبادرة الإثيوبية وقطع بأنها لا تمثل أي وصايا على سيادة البلاد لافتاً إلى أن السودان ليس بجزيرة معزولة وأن رفضها يعني محاولة للخروج من المنظومة الإقليمية والدولية ما يُنذر بحرب معلنة ضد المجتمع الدولي.

مسارات وسيناريوهات
القيادي في قوى الحرية والتغيير خالد عمر يقول إن قوى الحرية والتغيير وافقت على الوساطة ومقترحاتها وأضاف بأن هنالك مطلوبات واجبة النفاذ وعلى رأسها لجنة التحقيق الدولية المستقلة، وهو ما تطابق مع ورقة مقترح الوسيط الإثيوبي للحل النهائي التي أرسلها لقوى الحرية والتغيير والتي نصت على ذات البنود التي طرحها الرئيس الإثيوبي مع إضافة بند عن إجراءات بناء الثقة والتي نحمل لها تعريفاً واضحاً للغاية.
ويشرح القيادي في قوى الحرية المشهد ويقول موافقة قوى الحرية على الوساطة الإثيوبية يضع المجلس العسكري أمام خيارين إما الموافقة عليها ونقل السلطة للمدنيين أو الاعتراف بوضوح بمخطط الانقلاب وتوسيع دائرة مواجهته لتشمل محيطه الإقليمي وتوحيد السودانيين ضده عقب أن قسمهم بفرية أن قوى الحرية والتغيير هي الطرف الذي لا يرغب في الاتفاق كما ذكروا في مؤتمرهم الصحفي الأخير.
رئيس حزب الأمة القومي، الصادق المهدي يقول إن المُبادرة الإثيوبية لا تؤثر بصورة إيجابية على ما يمكن تحقيقه في البلاد، وشدد على ضرورة قبول ما أسماها بالوساطة التحكيمية، وقال : “إما قبول التحكيم الوطني، أو مواجهة الجحيم” ونوه إلى أن قوى الحرية والتغيير تمتلك سلاح العصيان والتحرك المدني، بينما المجلس العسكري يمتلك سلاح الإجراءات الأمنية، ووصف الموقف في البلاد بـ”الخطير”، وأشار إلى تخوّف المجتمع الدولي مما قد يحدث في السودان، وحذر من أنه حال حدوث أي اضطراب في السودان، سيتوسع إلى أبعد نطاق، لكونه في منطقة وسط، قريبة لـ(بوكو حرام)، و (حركة الشباب الصوماليين)، و(تنظيم القاعدة بجزيرة سيناء)، وغيرها من الحركات المتطرفة.
المحلل السياسي يعقوب الدموكي يرى أن الوساطة الإثيوبية وصلت لطريق مسدود خاصة بعد موقف المجلس العسكري الذي لم يناقشها بعد تحفظه على عدم محاورته من قبل الوسيط الإثيوبي حول موقفهم ومقترحاتهم وإعلانه لمسودة الاتفاق من طرف واحد.
الدموكي يلفت إلى أن موقف الوسيط الإثيوبي محمود درير خلق أزمة ثقة مع المجلس العسكري إلى جانب ذلك يتوقع الدموكي تأثير المحاولة الانقلابية التي وقعت في إقليم الأمهرة على سير الوساطة ويضيف:” أتوقع أن تتفرغ إثيوبيا في الفترة القادمة لقضاياها الداخلية وتحويل ملف الوساطة للاتحاد الإفريقي”.

دعم دولي
الوساطة الإثيوبية التي تأتي مدعومة من الاتحاد الإفريقي والأوروبي والمؤسسات الأمريكية تهدف لتحريك الملف السوداني بعد مجزرة القيادة العامة والدفع باتجاه تشكيل سلطة انتقالية بقيادة مدنية في أسرع وقت ممكن، ووفقاً لوصفة تعرف بالربيع الإفريقي، وهي تختلف في سماتها عما حدث في الربيع العربي.
وصفة الربيع الإفريقي يغلب فيها الاستقرار والتنمية والأمن والديمقراطية التعددية وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على مصالح الولايات المتحدة والغرب في إيقاف تدفق المهاجرين أو الجماعات المتطرفة، فضلاً عن خلق مناخات مستقرة للمصالح والاستثمارات الغربية.
إثيوبيا التي تقود الحراك الإفريقي تخشى من انتقال الاستقطاب الخليجي لجوارها مما يتسبب في توتير الأوضاع في القرن الإفريقي لذلك تسعى لدعم انتقال السلطة للمدنيين بأقل حد من التدخل الإقليمي الخليجي، فضلاً عن مخاوفها من أن يكون النظام الجديد في السودان داعم للموقف المصري في مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وإلى جانب كل ذلك يمثل عامل الاستقرار في السودان عنصراً حيوياً في أمن واستقرار منطقة القرن الإفريقي بكاملها.
الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على نجاح الوساطة الإثيوبية خاصة أنها تربط تطور العلاقات مع الخرطوم بالإصلاحات في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير، مما يستلزم إجراء إصلاحات سياسية عميقة وذات مصداقية، خاصة أن الأزمة الحالية في جوهرها سياسية فيما تمثل الضائقة الاقتصادية مظهراً من مظاهر الأزمة، نتاج لسياسات النظام البائد حيث إن الإقصاء السياسي يتطلب بالضرورة إجراءات أمنية لا تتوافق مع حقوق الإنسان، يضاف لذلك تفرض على النظام ضرورة الحجر على حرية التعبير لتغطي على أي تجاوزات لحقوق الإنسان ولكنها بالضرورة تخلق بيئة خصبة للفساد ونهب الموارد، هذه الثنائية تستنزف موارد البلاد الاقتصادية وأي قروض أو إعانات دولية.
المؤسسات الأمريكية استبقت زيارة آبي أحمد للخرطوم بسلسلة من الاتصالات رفيعة المستوى بحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم السعودية والإمارات، فيما شهدت واشنطن التزام ممثلين من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وإثيوبيا كرئيس للإيقاد وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والنرويج لتنسيق الجهود لتشجيع المجلس العسكري السوداني وقوى الحرية والتغيير للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن على حكومة مؤقتة بقيادة مدنية حقيقية ويعكس إرادة الشعب السوداني.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.