السودان وأزمة الترجمة.. التعثر سيد الموقف

الخرطوم: القسم السياسي- بي بي سي

في وقت يتأهب فيه الشارع السوداني لمليونية العدالة أو أربعينية الشهداء، كان الموقف السياسي أكثر تعقيدا وضبابيا نوعا ما، فبعد دعوة للصحفيين والإعلاميين بهدف تغطية توقيع الطرفين قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري على اتفاق مبدئي يتيح انتقال اللطة إلى المدنيين وتقاسمها في المستوى السيادي مع العسكريين، تعثر الامر وتوقف عند حدود تصورات كل طرف لما تمت صياغته.

مشهد اول
وفي الوقت الذي يتحدث فيه المجلس العسكري عن محاولة انقلابية فاشلة استبقها عودة لخدمة الإنترنت وبرزت ما يوصف بـ(الهوايل) من الانتهاكات لحقوق الإنسان في السودان فجر 29 رمضان في محيط القيادة العامة، ليزداد الضغط الأخلاقي وربما القانوني على المجلس العسكري في سرعة تسليم السلطة من أجل سرعة خروج التحقيقات لتحديد المتورطين في المذبحة، وما سبقها من أحداث.
بيد أن الموقف ازداد تعقيدا على خلفية بيان سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد مختار الخطيب الذي أعلن فيه مطالبته لقوى إعلان الحرية والتغيير بعدم التوقيع على أي اتفاق مع المجموعة الحالية في المجلس العسكري باعتباره متورطا فيما حدث.

سياسياً.. ما الموقف؟
الخطأ في فحوى دعوة وسائل الإعلام للتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق تقاسم السلطة في السودان يبدو أنه مقصود. ويبدو أن الاتفاق يحتاج إلى قراءة متأنية بعد أن ظهرت إشكاليات في ترجمة نصه من الإنكليزية إلى العربية، فتحولت المصطلحات إلى ألغام لا بد من إزالتها قبل التوقيع.
فالعلاقة بين المجلس السيادي وحكومة الكفاءات هو إحدى هذه الإشكاليات. فثمة فرق بين الاعتماد والمصادقة لضبط علاقة المجلس مع الحكومة، إما أن يختارها المجلس، وإما أن يُصادق على تشكيلتها بشكل صوري.

مرة أخرى
أزمة المصطلحات تظهر مرة أخرى عند الحديث عن حكومة كفاءات مستقلة، أو حكومة كفاءات فقط، فالربط بين الكفاءة والاستقلال ليس محبذا بالنسبة لقوى الحرية والتغيير التي يبدو أن تشكيلتها الوزارية معدة مسبقا. مشكلة الترجمة في السودان لا تقتصر على اتفاق تقاسم السلطة، بل تطال تطلعات السودانيين لإنهاء عقود من حكم شمولي هدم البلاد بشرا واقتصادا.

خطأ أكبر
من الخطأ طبقا للمراقبين ترجمة الثورة الشعبية إلى طرد الجيش من إدارة البلاد، لأنه لا يمكن تجاهل دور الجيش في مرحلة انتقالية لدولة مثل السودان بكل تجاذباتها السياسية والعرقية.
كذلك لا يبدو إقصاء أي قوة سياسية أو مسلحة من صفوف المعارضة ترجمة صادقة للثورة أيضا، فليس المعارضون هم فقط من كانوا في سجون البشير، وليست أحزاب اليسار هي فقط من يجيد المطالبة بحقوق الشعب.
غالبية كبيرة من أبناء الأرياف والولايات شاركت في الاحتجاجات ضد البشير، وربما كانت قوامها الأساسي، لكنها لم تمثل بشكل كافٍ في قوى الحرية والتغيير. ثمة أيضا جماعات مسلحة حاربت البشير بوصفه طاغية وليس بغرض الانفصال، هي الأخرى تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار خلال رسم مستقبل السودان.

الشارع يسمح
الشارع السوداني سمح لقوى الحرية والتغيير بأن تتصدر المشهد، لأنه لا يريد استبدال طاغية بطاغية ولا يريد للإسلام السياسي أن يقطف ثمار ثورته، ولكن هذا التفويض الشعبي، قد ينتهي في أي لحظة يشعر فيها الشارع أن هذه القوى لم تكن على قدر المسؤولية.
السودان ليس فقط الخرطوم، وقادة السودان ليسوا فقط أولئك الذين ينعمون بالمال ويمارسون السياسة كلعبة الغولف، ثمة تنوع كبير في ذلك البلد الكبير، والعبرة من انفصال الجنوب في عهد حكم لم يراعِ الاختلاف والتنوع والتعدد في البلاد يجب أن تكون حاضرة بقوة في هذه المرحلة.
لا يرغب السودانيون في استمرار حكم الجيش إلى الأبد، ولكن المرحلة الانتقالية تحتاج إلى تعقل وحكمة في التعامل مع كافة القضايا واحتواء كل أطياف الشعب، لذلك لا بد أن يتسع صدر الجيش وقوى الحرية والتغيير للجميع، ولا بد للطرفين من ترجمة أمينة لتطلعات الشعب الذي لن يتردد في اللجوء إلى الشارع مرة أخرى، إذا قرأ بين سطور الاتفاقيات والقوانين ما يغالط رؤيته لسودان حلم به كثيرا وبذل من أجله كل غالٍ ونفيس.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.