أقاصي الدنيا || محمد محمد خير

الإسلاميون أقوى المؤيدين لحكومة حمدوك

شارك الخبر

علمتني السياسة قراءة نصها من باطنها. من الشغاف التي لاتراها العين المجردة. منها أيقنت أن العداء ليس مطلقاً وأن الثابت يمكن أن يصبح متحولاً وأن الأشياء ليست هي الأشياء.
كانت الإنقاذ منذ ولادتها مسرحاً لهذه القناعة، فقد نجحت في الوصول إلى السلطة بخدعة وانتهت بخديعة.
راهنت في عشريتها الأولى على طرح تجربتها كأنموذج إسلامي متمدد وعززت لذلك الفهم بالمؤتمر الشعبي الإسلامي الذي تولاه شيخها وعرابها بهدف تغيير أنظمة الحكم في الجوار القريب والبعيد وكانت الخرطوم في تلك الأيام مزاراً لكل الإسلاميين العتاة وبقعة يحج إليها كل الجلاوزة وانتهت تلك الحقبة بعزل شيخها وتسليم كارلوس والسطو على مال أسامة بن لادن وفتح المسارب السرية الاستخبارية مع أمريكا التي استمرت حتى انقلاب اللجنة الأمنية في إبريل هذا العام.
كانت الإنقاذ تخاطب الشارع المحلي بخطاب وتتوسل للخواجات بلغة أخرى. لغة تتسامح مفرداتها مع مفاهيم الدولة المدنية والحريات ودولة المواطنة، والتداول السلمي للسلطة عبر الانتخابات النزيهة.. لكنها حين تعود للخرطوم يشعل نصفها الآخر نيران الثيوقراطية والحكم الصمدي واحتكار السلطة ويلهب الناس بسياط النظام العام ويباعد السلام.
كان لا بد للشق الخارجي أن ينهي هذه الثنائية لصالح الناس ولصالح الفصيل المتعقل من الإسلاميين فكان له الإسهام الأكبر في التغيير الذي جرى.
أصبح الفصيل المتعقل من الإسلاميين أكثر قناعة بأن اسم السودان لن يتم رفعه من قائمة الإرهاب ولن تجرؤ أوروبا على التعامل في ظل الحظر الأمريكي وكذلك الخليج الذي يرغب في تصفية الإسلاميين تصفية ناجزة فما العمل؟
من هنا تشكلت نواة أمنية عسكرية لها قنوات تصل المدنيين والشارع الذي تسعره نار الغضب والجوع.
ولم يكن سوى هذا الخيار الذي سيضحي بالبشير وبقطاع من الإسلاميين ذوي الشوكة وانعقد النصر للشارع وللتيار الإسلامي الذي يتخفى الآن في ثنايا الحدث.
الشارع هو الصوت والناس والشعارات والأماني والأناشيد والأحلام والتيار المنشق من الإسلاميين الغلاظ هو الكتلة الصلبة هو همزة الوصل التي تربط بين أمريكا وأوروبا والخليج وهو المرشح للاستجابة لمطلوبات السلام. فماهي مطلوبات السلام؟
دولة مدنية علمانية ديمقراطية تعيد هيكلة كل الحياة. هذا أمر شاق على الإسلاميين لأن تحققه يعني بوار كل شعاراتهم لكنهم في ذات الوقت يدركون أنه من دون ذلك ستنطوي أرض السودان من تلقاء نفسها وتنقذف خارج الكرة الأرضية. لكن هذا الأمر على قسوته يشكل أيضاً مخرجاً للإسلاميين لأن تحققه سيتم على يد غيرهم وسيرفع عنهم الحرج الأيديولوجي لذا أتوقع أن يكون الإسلاميون أكثر الفصائل حرصاً على كل مطلوبات الدولة المدنية أولاً: لأنهم لن يشاركوا في ذلك لكنهم لن يعيقوه. وثانياً: سيعيد تجسير العلاقة بينهم وبين الخارج الأوروبي والأمريكي وسيرسخ في أذهان الخليجيين أنهم بالفعل خارج منظومة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين. وثالثاً: سيجدون وقتاً كافياً لإعادة تنظيم أنفسهم ومراجعة أطروحاتهم. ورابعاً: وهو الأهم سيمنحهم الفرصة لإعادة إنتاج الشعار الإسلامي على نحو مغاير على التجربة القديمة.
تأسيساً على ذلك أتوقع مساندة الإسلاميين لحكومة حمدوك بإخلاص وعلى نحو أكثر حماساً من بعض فصائل الحرية والتغيير. فمصلحتهم في هذه المساندة مصلحة استراتيجية لأنها تتعلق بالمستقبل والحفاظ على ما تبقى من الرمق وماء الوجه والكبرياء السياسية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.