حكومة حمدوك الثانية

الرواية الأولي|| مجدي عبدالعزيز

شارك الخبر

 

* ( تحت هذا العنوان نشرت محتوى زاويتي هذه في الثاني من مارس الماضي، ووقتها كنت على قناعة بأن منح الفرص من أجل تعديل المسار يجوز، والآن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، لكن ما وعد به رئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك الشعب يوم 29 يونيو الماضي بقرارات مفصلية في مسيرة الفترة الانتقالية ستصدر خلال أسبوعين دفعني لإعادة نشر هذه المادة مع قناعتي أن الفرصة كانت مواتية أكثر في مارس الماضي … فإلى متن المادة ) :
*لإن أشعلت أزمة الخبز وشح الدقيق جذوة التظاهرات بعطبرة في ديسمبر ٢٠١٨م فمعاناة الحصول على (رغيفات) الآن صارت أكثر فداحة. فالمعاناة في كل ربوع السودان ، ولإن عبأت المعارضة الشارع في سبتمبر ٢٠١٣م ضد رفع الدعم عن المحروقات حتى لا يقع العبء على كاهل المواطن (بغض النظر عن صحة تقويمه لمسار الاقتصاد أم لا) فإن رفع الدعم حالياً أُدخل من الأبواب الخلفية وأصبح الحصول علي حصة من الوقود المدعوم أكثر إقلاقاً ورهقاً لذوي الدخول المحدودة ، ولإن قارب الدولار حدود الستين جنيهاً في عهد النظام السابق فاليوم يناطح سقف المائة وعشرة جنيهات إلى اللا معلوم ومن ثم ترتب على ذلك ازدياد جنون أسعار السلع، وعم الكساد في كثير من قطاعات التجارة المنظمة مستثنياً قطاعات الحاجات الملحة (كلوا واشربوا) وتضاءل رواج التجارة العامة إلى حدود الأنشطة غير المنظمة التي انتعشت بشدة كحلقات ستات الشاي وطبالي السجائر والصعوط وما شابه … ناهيك عن تآكل خدمات الصحة ومعضلة الدواء ومؤشرات أزمة الكهرباء المتوقعة في فصل الصيف وموسم رمضان القادمين، وغيرها من أوجه الأزمات التي لا مسار لها غير جهة الانحدار.
*(برنامج المائة يوم) ذلك المقياس التأشيري الذي تعلنه أي حكومة في الدنيا عند تشكيلها لتؤسس به إلى الانطلاق ـ كما أعلنته حكومتنا ـ يبدو أنه أصبح برنامجاً مجهرياً يحتاج إلى مئات الأيام الأخرى حتى تُري إنجازاته ،، وعبارة (أدوا الحكومة فرصة) التي يطلقها البعض عبارة ليست أكثر من عاطفية ولا تحمل من الأمل إلا على ظلال الكلمات الرنانة التي يطلقها وزراؤها وأحيانًا كثيرة بلا ضابط، وهي عبارة لا تقدم من المبررات إلا ما هو على مشاجب التعليق فقط على شماعة (النظام البائد) ، ولم تعد واقعية بحكم أن الحكومة نفسها لم تستقم على خطة واحدة وأكبر دليل على ذلك الإعلان عن ميزانية قيل إنها قابلة للتجزئة خلال العام، وقبل ذلك تصريح رئيسها بأنه لم يستلم برنامج عملها من حاضنتها السياسية في الوقت المناسب، غير أن أنشطة الحكومة التنفيذية نفسها تداخلت بشكل غير متجانس مع قضايا مصيرية هي صحيح في درجة الأهمية لكن التجانس السياسي والتوظيف المالي والإداري لشأنها أهم كمعادلة السلام وعقبة حكم الولايات وتسيير شؤونها التي لا تتوقف، وكقضية الأمن التي دخلت سوق المزايدات بين تجاذب رؤى إعادة الهيكلة لأجهزته وبين مجاملة الناشطين والتخوف من حراك الشارع ، ثم ليس آخراً عقبة الاقتصاد الذي بنيت خطة تمويل موازنته على أصدقاء السودان الذين ما فتئوا يمارسون لعبة (الجرجرة) في كل مرة، ووزارة المالية ما زالت على خط الانتظار.
*حسناً .. دعونا بعد هذا المشهد القاتم أن نتحلى بالإيجابية ونحاول الإسهام بقدر من الواقعية دون أن نلجأ إلى السهل من عبارات (تسقط، وماسورة، وتعال معليش) . وبصراحة أعتقد أن معضلة هذه الحكومة لا تكمن في شخص رئيسها الدكتور عبدالله حمدوك وإنما في طريقة (سمكرتها) التي تمت بها وبالطبع في أولويات برنامجها (التنفيذي) كحكومة انتقال، فالواضح للعيان أن شخصية حمدوك ومواصفاته منذ الوهلة الأولى كانت تحظى بالمقبولية إلى حد كبير داخل التحالف الحاكم وخارجه، وأعتقد أن هذا استحقاق كان يؤهله لأن يمنح حرية أكبر في اختيار معاونيه فالنجاح أو الفشل سينسب ـ كما في حكومات كل الدنيا – إلى ما يسمى بـ (حكومة حمدوك) .. الآن بعد المرور بمحطات ومنعطفات كثيرة من النزاع مع العسكريين والتشكيك والتفكيك والتلكيك الوزاري ليس من الصعب التوافق على برنامج بدائل اقتصادي وخدمي ملامحه واضحة يستطيع أن ينتشل البلاد من حالة الشروع في الغرق حتى وإن كان طريقه صعباً(وأفكار وتجارب السودانيين ليست بالعقيمة) ، و إرادة تنفيذه تكمن في تطوير الشراكة المدنية العسكرية ومد ظلاله إلى كل السودانيين، ولا أعني بذلك مشاركة المتناقضات في حكومة واحدة بل حشد أكبر قدر من التأييد الجماهيري وتحجيم دواعي معارضته، لكن في اعتقادي أن الشرط الأعظم لنجاح هذه الحكومة هو تكوينها الفعلي من الكفاءات الحقيقية من تكنوقراط قطاعات الدولة وما أكثرهم، وأن توكل رئاستها إلى صاحب هذه المقبولية الكبيرة، علي أمل التقدم خطوة بإذن الله في حكومة حمدوك الثانية .. وإلى الملتقى.
///
الفاتح

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.