من يجرد حساب من؟

● الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون مؤلف كتاب (سيكولوجيه الجماهير) أشار في ثنايا اطروحته الي أن التوجيه الجماهيري عادة ما يوظف للهدم والاقتلاع وليس للبناء، فالبناء يقوم به البعض، وحسب زعمه (لان معظم الحضارات تمّ بناؤها من قبل قلة أرستقراطية قليلة وليس من قبل الجماهير) وعموما كتاب لوبان يظل مبحثا مهما لكنه تنظير يتفق ويختلف معه .
●كيف تصنع جمهورا ؟ هذا السؤال اصبح عنوانا لمادة علمية تقوم على محددات وقواعد خاصة في اطار اللعبة السياسية وتوظف مهارات عالية باتت تتطور بتطور الزمن والأدوات، وبالطبع فإن سحر وسطوة التعبير الجماهيري العفوي والإنفعالي هي التي دفعت للتنظير ولتوظيف هذا السلاح الذي يمكن أن يكون مرعبا وحاسما في اي قضية من القضايا إذا ما امتازت بالجودة العالية ادوات التحكم والسيطرة الجماهيرية، والعكس صحيح فهو كالجواد اذا اعتلى ظهره فاقد الخبرة اسقطه وربما داس عليه.
●في وقائع الثورة السودانية هناك فرضيات تظل باقية إن رفضها البعض أو أكدها آخرون، ومنطق الأشياء يقول لابد من اخذها أو ردها في اطار سياقات المنطق نفسه والمعطيات الراسخة والمعلومات المؤكدة .. ومن هذه الفرضيات أن الانقلاب على نظام الانقاذ لم ينجح إلا بصناعة (جمهور حاسم) بتغذية وتطوير حالة احتجاج جماهيرية ثم تنسيق مع جمهور قوى سياسية صاحبة سخط تاريخي ضد حاضنة النظام السياسية، لتكتمل الحلقة التي كانت تمسك بها المؤسسات العسكرية والامنية صاحبة الرغبة الحاسمة في التغيير، وبالطبع هذه الفرضية تقابلها فرضية من يقولون بأن قوى قادت اجماهير واحدثت الضغط الذي ولد استجابة الانحياز، وغرضي من هذه المقاربة هو أن استخدام سلاح الحشود الجماهيرية ما زال هو الأداة التي تتسابق عليها مكونات الراهن السياسي لفرض اجندتها ورؤاها – رغم كثير من حالات (الخرخرة) التي تمارسها بعض القوى النافذة على الأخريات أو استخدامها (للمنشطات المحظورة) وعلى رأسها حقن الكذب، وحبوب التضليل .
• سأقفز على محطات عديدة منذ ابريل 2019م كان الاستخدام فيها كثيفا لسلاح التحشيد والمواكب لتحقيق الأهداف وترسيخ الشعارات (باسم الشعب) وللإيحاء للإعلام والرأي العام العالمي بصور محددة ومرغوبة عن مشهد الوطن ومن ثم توظيفه ضد احد جوانب الصراع الداخلي .
• مرحلة ما قبل 30 يونيو 2020م الماضي الآن في طريقها الى سجلات التاريخ وربما قيض الله لها مؤرخا صادقا ومحايدا مثل الوسيط الإفريقي بروفسير محمد الحسن ولد لبات ليسطر وقائعها العلنية والخفية مثلما سطر وقائع مفاوضات اقرار الوثيقة الدستورية، والآن الحالة السودانية تمر بتحولات كبرى تتلاشى عندها الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية الفاشلة (بلسان قادتها) لتقوم أخرى وفق مسار توافق عليه (الخارج المؤثر) مع (الداخل المصطف بجديد) برؤى جديدة على رأسها إنجاز انتخابات السنوات الثلاث التي شهرت الولايات المتحدة سيف عقوباتها على من يعرقلها، وشروط اخرى قيد التنفيذ .
• بلا أدني شك أن صاحب الدعوة والهدف من موكب الاثنين هو الحزب الشيوعي السوداني وواجهاته بعد إحساسه بتلاشي نفوذه الذي كان يقبض (بتلابيب) الفترة الانتقالية وإحساسه الأكبر بالعزل من المرحلة القادمة التي ستصطدم مع أهدافه في التحكم الانتقالي وركل اي عملية انتخابية الى ما وراء السنوات العشر القادمة، اذن فهدف الاثنين الماضي هو إعلان الرفض للقادم، والإرعاب بسلاح الحشود لكل من الخارج والداخل بما فيه المكون العسكري بدليل هتاف القيادية الشيوعية السيدة نعمات مالك بالموكب (يسقط يسقط حكم العسكر) .. لتأتي محصلة (جرد الحساب) خسارة مركبة بهزالة الموكب مما يعني تلاشي فاعلية سلاح التحشيد – ومواجهة السلطات الامنية لتجاوز حدود التعبير، مما يعني ضمور النفوذ وانتهاء حالة التخويف .
• أخيرا جرد الحساب الأخير رغم ما حاق بالشعب من الآلام التي تسببت فيها قحت بنفوذ الحزب الشيوعي وفشلهم في تحقيق ابسط مقومات الحياة الكريمة والعيش المعقول للناس – سيكون عبر صناديق الاقتراع ( النزيهة ) – طال زمنها ام قصر، فحينها سيقول الشعب كلمته الحقيقية باسمه الحقيقي، لا الكذوبة باسمه المختطف .. والى الملتقى ..

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.