أم درمان على “ضلالها”

قبل أيام نعت مدينة أم درمان أحد رموزها ونجوم مجتمعها، السيد الهادي نصرالدين، المعروف كواحد من أشهر ظرفاء المدينة، وشاهد على كثير من أحداثها الاجتماعية ، وخازن أسرارها، و”جزء من معالمها كالطابية والنيل وبوابة عبد القيوم” كما كتب الزميل طارق شريف في مرثيته المنشورة في عدد من مواقع التواصل الاجتماعي.

خبر نعي الهادي- عليه شآبيب الرحمة والغفران-وجد صدى واسعاً في وسائل الإعلام المختلفة، فقد بحثت أمس في محرك البحث “قوقل” عنه، ووجدت أن عشرات المواقع السودانية أوردت الخبر وبعضها زاده تعريفاً وتتبعاً لسيرته ومسيرته، كما تناقلت وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة وتبادل عارفو فضله التعازي والمواساة، كما نشرته غالب صحفنا الورقية واهتمت به قنوات التلفزة، ودبج البعض مقالاتهم وأفرد له الأستاذ الكبير حسين خوجلي “عمود على الهواء” بقناة أم درمان.

ولو قارنت الاهتمام بحادث الوفاة من حيث التغطية الإعلامية والاهتمام المجتمعي، بأي حادث آخر في الايام الماضية،مثل مقتل 11 شخصاً في حادث سير بولاية شمال كردفان، لرجحت كفة وفاة الهادي نصر الدين على ما عداها،وربما نافست قصة الوفاة قصص السيول والفيضات في سنار سنجة وكبكابية وانهيار سد بوط بولاية النيل الأزرق.

أما بعد عزيزي القارئ،قبل أن تكمل قراءة هذا المقال، أود أن أسالك- خاصة إن كنت من ارياف السودان ومدنه البعيدة- عن عدد الظرفاء الذي تعرفهم في مدينتك أو قريتك ؟ وهل يختلفون عن الهادي نصر الدين في شيء من حيث الظرف والحيوية الاجتماعية والقدرة على توثيق الحياة الاجتماعية؟ وماذا كان ينقصهم حتى يجدوا ذات الاهتمام والشهرة التي حصل عليها الهادي نصر الدين،عليه الرحمة؟.

في تقديري الشخصي، أنه ما من ميزة للأخير على البقية، إلا حالة كونه من سكان أم درمان و”ود قلبا”، وعلى مرمى حجر من سكنه توجد الإذاعة والتلفزيون، ولا يحتاج الصحفي لمحاورته غير عبور كبري واحد في ظرف 10 دقائق،ومن حسن حظ الهادي ايضا أنه عاش في مدينة حكمت السودان أو بالأحرى “تحكمت” بعقليتها المركزية القابضة سياسياً واجتماعيا وثقافياً وفنياً،في حين غابت الكاميرات والاهتمام عن كل ظرفاء البلاد المنتشرين في الاصقاع.

ومن المفارقات أن جذور الهادي نصر الدين تعود لقرية ام شانق بولاية الجزيرة، وأجزم تماماً أنه لو شاءت الأقدار وولد وعاش الرجل بكل ظرفه وحيويته في تلك القرية، لما وجد ما وجده من أضواء في حياته وبعد مماته.

هذا المقال، ليس مراد به القدح في شخصية الهادي نصر الدين التي شهد لها الجميع بالإنسانية المطلقة، ولا هو قدح في المكانة التاريخية لبقعة الإمام المهدي، بل المراد به لفت لفت الأنظار إلى حقيقه المركزية السودانية التي ثبت أنها لا تتمدد فقط سياسياً ،لكنها وأبعاد أخرى مجتمعية، تعكس حالة الظلم والتهميش التي ضربت وتضرب بقية أجزاء السودان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.