لماذا لم تتحقق رؤية حمدوك؟

نصف رأي ||خالد التيجاني النور

شارك الخبر

(1)
في أول خطاب له للرأي العام قال رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عندما سئل عن إمكانية حل المشكلة الاقتصادية، بدا واثقاً في إجابته وهو يؤكد أن فرص معالجة الأزمة الاقتصادية متوفرة على الرغم من كل مظاهر الأزمة، مستدلاً بأن الاقتصاد السوداني، على علّاته، من حيث الحجم وفق مؤشرات اقتصادية قياسية هو سادس أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية “تسبقه نيجيريا، جنوب أفريقيا، مصر، الجزائر والمغرب”، بيد أن أهم ما تضمنته وصفة الدكتور حمدوك في هذه الخصوص آنذاك لفته الانتباه إلى أن إدراك النجاح في الإحاطة بالوضع الاقتصادي المأزوم يستلزم توفر شرطين أساسيين هما “الرؤية الصحيحة، والسياسات الصحيحة”، كانت تلك ولا تزال هي الإجابة النموذجية بلا جدال.
(2)
لا شك أن رؤية الدكتور حمدوك بهذا التشخيص الدقيق كانت واضحة بشأن المهمة المطلوب القيام بها، ليس فقط بحكم تراكم المعرفة و الخبرة والتجربة والعمل في قيادة مؤسسات دولية وإقليمية وهو ما يجعله بالتأكيد على إطلاع بمكانة السودان الاقتصادية وفق تقارير معتمدة، ولكن أيضاً بحكم متابعته الشخصية اللصيقة لتطورات الاقتصاد السوداني عن كثب على الرغم من ابتعاده نظرياً عن البلاد، وقد تسنى لي على المستوى الشخصي خلال العقد الماضي مقابلة د. حمدوك مرات عديدة خلال مؤتمرات دولية امتدت من نيويورك إلى أحمد أباد بالهند حيث شهدت له محاضرة متميزة في إحدى فعاليات الاجتماع السنوي لبنك التنمية الأفريقي الذي كان مخصصاً لإطلاق أحد أهم أهدافه الخمسة الرئيسية في خطته العشرية وهي المعنية بتطوير الاستثمارات الزراعية الضخمة في القارة الإفريقية، ولمست من خلال نقاشات مطولة اهتمامه وعنايته بتجربتي رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي، والرئيس الراوندي بول كاغامي من خلال مشاركة ومعايشة عن كثب.
وبهذه الخلفية يقفز سؤال محوري إلى دائرة الاهتمام لماذا لم تتحقق توقعات رئيس الوزراء بشأن أجندة الإصلاح الاقتصادي في السودان؟.
(3)
في الواقع ما حدث فعلياً خلال العام المنصرم أن الأوضاع الاقتصادية بدلاً من أن تتحسن أو على الأقل تتوقف عن التراجع، ازدادت سوءاً، ولكن ذلك لم يحدث نتيجة لأسباب اقتصادية محضة فقط، وإن كانت حاضرة بالضرورة في سياق الاشتراطات الموضوعية لذلك، خاصة في ظل تبعات طوارئ جائحة كورونا. صحيح أن رئيس الحكومة يتحمل قدراً من المسؤولية بحكم الدور القيادي الذي يضطلع به، بيد أنه ليس من المنطق أن يقف ذلك عنده حصرياً في ظل عوامل وتعقديات متداخلة ذات أبعاد داخلية وخارجية، وقد تحدثنا في كثير من المقالات في أوقات سابقة عن الخذلان التي وجدته الحكومة الانتقالية من المجتمع الدولي الذي أسرف في بذل الوعود البلاغية، وأسهم بتباطؤ تقديم العون الجدي لها في إفشال جهود الإصلاح بوضع اشتراطات تعجيزية، وهو أمر لا يمكن أخذه بحسن نية إذ لا بد أن له ارتباط بحسابات معينة في أجندة مصالح عواصم القرار الدولي تجاه السودان.
(4)
لكن أيضاً من جهة أخرى لا يمكن الاكتفاء بوضع اللوم على الخارج، بإيجاد أعذار للعامل الداخلي في الخلل الذي حدث في إدارة الملفات الاقتصادية، ذلك أن الاقتصاد السياسي لا يعمل في فراغ، فـ “الرؤية الصحيحة، والسياسات الصحيحة” اللتان كانتا حاضرتين بوضوح في أجندة رئيس الوزراء في أول عهده تستلزمان أن تتحولا من قناعة شخصية إلى موقف متوافق عليه مؤسسياً من كل الأطراف الفاعلة في دوائر الحكم والسياسة والمجتمع ضمن مشروع وطني محل إجماع وتضامن، وبذلك تتوفر الشروط الموضوعية لنجاح أية عملية إصلاح اقتصادي مرتكزة بالأساس على توفر بيئة سياسية مواتية بامتياز.
(5)
ولكن ذلك لم يتحقق للاسف الشديد، في ظل حالة الفشل السياسي، المختبئ وراء الأوضاع الاقتصادية المتردية، المحيطة بإدارة الفترة الانتقالية التي تتحمل مسؤوليته بالكامل بلا شك مكوناتها العسكرية والمدنية كافة، بحكم شراكتها في المسؤولية، وهو ما يجعل توقع حدوث أي إصلاح اقتصادي في ظل هذا التشرذم والعجز، وبالضرورة في غياب المشروع الوطني والرؤية الصحيحة والسياسات الصحيحة، ضرباً من الخيال.، وبدون تدارك هذا القصور الفاضح، ليس لأحد توقع نجاح مسيرة التغيير الحقيقي.

شارك الخبر

Comments are closed.