حرب التقراي.. حرب الوكالة.. حرب الإقليم!

قبل نحو عام من الآن.. كان السودان في اضعف حالاته.. لجهة التشظي.. وملامح الأزمة السياسية التي كانت تخيم فوق سمائه.. والموقف المفتوح على كل الاحتمالات.. عقب الفض الدموي للاعتصام.. وعقب تعليق الاتحاد الإفريقي لعضوية السودان مشترطا عودته بتسليم السلطة للمدنيين.. بدأ الشرخ عميقا بين المدنيين والعسكريين.. يومها لم يتردد الناطق باسم قوى الحرية والتغيير.. في وصف دعوة المجلس العسكري لاستئناف الحوار.. بالدعوة المسمومة.. بل واعتبرها استهانة بدماء الشهداء التى سالت في ساحة الاعتصام..!

ويومها طالب المدنيون بتسليم السلطة فورا.. وبعودة الجيش لثكناته.. وقبل ذلك بحل قوات الدعم السريع.. ومليشيات الجنجويد.. وتسليم اسلحتها للجيش.. و في ذات اليوم الذي اعلنت فيه لجنة أطباء السودان المركزية.. أن ضحايا فض الاعتصام قد تجاوزوا المائة وعشرة شهيدا.. وفي اليوم السابع من شهر يوينو 2019.. هبط آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي.. في الخرطوم وسيطا بين المدنيين والعسكريين.. واستقبلته المدينة يومها استقبال الفاتحين.. حتى حين جاء يوم الاحتفال بتوقيع الوثيقة الدستورية.. كان آبي أحمد الأكثر ترحيبا من الحضور.. من بين كل المتحدثين..!

وحين اندلعت الأزمة الإثيوبية الأخيرة.. في إقليم التقراي.. المتاخم للسودان كان السودان.. و لنقل نسبيا.. قد تجاوز كثيرا من العقبات.. على الأقل تلك العقبات التى يمكن أن تحول بينه وبين أن يكون وسيطا.. بل هو الآن على رأس منظمة إيقاد.. التي سبق وأن أرسلت آبي أحمد نفسه الى الخرطوم.. ولاعتبارات كثيرة.. وليس حسن الجوار وحده.. فقد سارع السودان لتقديم خدماته.. ردا للجميل ربما.. او حرصا على استقرار الإقليم.. واستقرار حدوده الشرقية كذلك.. ولكن الذي حدث من آبي أحمد كان خارج كل التوقعات.. بدا أحمد زاهدا في الوساطة السودانية.. بل رافضا لها.. حتى أنه هدد بالخروج من إيقاد كلية.. أن جاءه السودان وسيطا بمظلته..!!

ورغم أن اديس ابابا لم تقدم حتى الآن تفسيرا لموقف الرجل الأقوى فيها.. فالتكهنات لم تتوقف.. فثمة مزاعم في اديس ابابا أن مسالة تدفق اللاجئين إلى داخل الأراضي السودانية.. ليست نتاجا حقيقيا للحرب.. بقدر ما هي تغطية لتدفقات من نوع آخر.. وليست في اتجاه واحد.. بل في اتجاهين.. فيما يذهب البعض الآخر في تفسير موقف آبي أحمد.. بأنه ليس موقفا اصيلا للرجل.. بقدر ما هو تعبير عن موقف زعيم آخر في المنطقة.. لا يرى في السلطة الحاكمة في الخرطوم اليوم.. إلا امتدادا لنظام الإنقاذ.. لذا فهو من أشد المحذرين لآبي أحمد بعدم السماح للسودان بالتدخل في الشأن الإثيوبي..! ولكن عداوات الرجل لا تنتهي عند الخرطوم.. بل تتمدد لتشمل منظمة إيقاد.. بل هو يسعى لتكريس بديل هو.. القرن الإفريقي الصغير.. الذي يمكنه ولا شك من فرض هيمنته.. إن لم يكن بأي شيء فبحكم الخبرة وعامل السن..!

هذه المواقف أفرزت ما لم يكن في حسبان الرجلين.. فبالنسبة للسودان.. يتشكل الآن موقف موحد تجاه اثيوبيا.. على غير ما كان سائدا من قبل.. بل وثمة من يعتقد الآن.. أن السودان بإمكانه إطالة أمد الحرب.. أما بالنسبة لإيقاد.. فليس مفاجئا أن تتحرك اثنتان من أهم دولها.. مثل كينيا ويوغندا.. نحو السودان.. لسماع وجهة نظره وبلورة موقف مشترك.. إن لم يكن موحدا.. الخلاصة.. أن آبي أحمد يبدو مرتبكا اكثر من أي وقت مضى..!!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.