التفكيك.. الفعل و رد الفعل!

تحليل سياسي: محمد لطيف

تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989.. هذه هي العبارة القانونية التى انتهت اليها عبقرية ثورة ديسمبر، لتكون عنوانا لقانون أصدره المشرع للأغراض التى تحمل ذات المعنى.. ولكن هذه العبارة قبل ذلك عبرت ايضا عن عبارة سياسية تقول: تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن.. ولئن كانت معاني هذه العبارة ظلت تتردد بصيغ مختلفة منذ مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية 1995.. فإنني سأظل متمسكا بزعمي، حتى يثبت العكس، أنني كنت اول من صدر موضوعا بذات العنوان في الصحافة السودانية.. كان ذلك في العام 1998 أي قبل انقضاء عشرية التمكين، وقبيل المفاصلة الشهيرة التى ضربت مفاصل الحركة الإسلامية.. كانت الإنقاذ في الواقع قد أنجزت تمكينها أو كادت، حين كتبت في صحيفة الرأي العام، المستقلة آنئذ، تحليلا عنوانه: صراحة لا مواربة.. ضرورة تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن.. وذلك في إشارة لقبضة نظام الإنقاذ على مفاصل السلطة في البلاد.. وقد أثار ما كتبناه يومها ضجة واسعة.. ذلك أنه وببساطة لَم يكن مألوفاً.. أما خلاصته فقد كانت أنه لا خلاص للسودان من أزمته السياسية إلا إذا أصبح كل أبنائه شركاء حقيقيين في إدارة بلادهم!

علما بأنه في ذلك العام، لم يكن الراحل الشيخ الترابي قد خرج يحدث الناس عن إنحرافات تلاميذه .. وخروقات نظامه .. الذي سهر على الإعداد له نيف وعشرين عاما .. ولم يكن الراحل الدكتور موسى كرامة قد كشف للناس ألاعيب الجماعة وحيلهم في نقل المال العام الى الشركات الخاصة .. ولم و لم ولم .. ولكن كل ذلك كان بائنا لكل من أراد أن يرى .. ولأنني كنت قد رأيت .. فقد كتبت ما كتبت .. ولسبب من هذا .. كنت وسأظل من اكثر المؤمنين بضرورة هذه الخطوة .. فهي خطوة بالنسبة لي تسبق التحول الديمقراطي .. وتسبق الانتخابات .. وتسبق إصلاح الاقتصاد .. وتسبق إحلال السلام .. ولا تندهش .. فقط أسألني لماذا .. ؟ لأقول لك لأنها شرط الوجوب الأوحد .. لنجاح كل ما ذكرناه بعاليه .. ولأن حكمة مشروعية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو .. أنها الأساس لنجاح إنجاز كل مطلوبات الانتقال .. دون أي استثناء .. وكل من يعتقد بغير ذلك .. وكل من يروج لغير ذلك .. فهو إما أنه يخدع نفسه .. أو أنه يحاول أن يخدع الآخرين .. وفي الحالين فالمصيبة اعظم .. !
وإلا فقل لي يا هداك الله .. هل يمكن إصلاح الإقتصاد دون إصلاح الخدمة المدنية ..؟ فنظام الثلاثين من يونيو ما يزال قابعا هناك .. إن لم يكن بمنسوبيه .. فبقوانينه وممارساته .. وهل يمكن إنجاز التحول الديمقراطي .. دون تنقية الساحة السياسية من تشويهات نظام الثلاثين من يونيو ..؟ فما تزال كوادرها تصنع التحالفات الكرتونية ذات الأهداف اﻻرتدادية .. ولا تزال رموزها تؤجج نيران القبلية والجهوية والعنصرية .. وصولا لغايات سياسية .. لا تخفى على أحد .. وهل يمكن إنجاز إنتخابات حرة ونزيهة ومعبرة تعبيرا حقيقيا عن إرادة الناخبين .. دون السيطرة على المال السياسي .. وإعادته الى الخزينة العامة .. ليوظف في رفع الوعي الانتخابي على سبيل المثال ..؟ !!
لكل ذلك .. وهذا غيض من فيض .. يصبح مشروع تفكيك نظام الثلاثين من يونيو .. شأنا مقدما على ما عداه .. قد يختلف البعض حول بعض الوقائع التى تصدر عن لجنة تفكيك التمكين .. وحول مدى قربها ونأيها عن الصواب .. وهذا أمر مشروع .. بل ومطلوب .. كما هو مشروع ومطلوب المطالبة بإصلاحها .. مثلها مثل كل المؤسسات .. أما من يطالب بزوالها ثم يحلم باستمرار إنجاز مطلوبات انتقال ..فهو إما أنه يخدع نفسه أو يحاول خداع الآخرين ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.