أنتم لستم مضرين.. أيها النواب..!

تحليل سياسي: محمد لطيف

شارك الخبر

قناعتي أن اكثر ما أضر بالديمقراطية الثالثة 86-1989؛ هو سلسلة الإضرابات المطلبية التى قادتها الحركة النقابية بمختلف قطاعاتها.. فقد كانت تلك الإضرابات خصما على الإنتاج، وبالتالي على النمو الاقتصادي، وبالتالي على الاستقرار السياسي.. ولسبب من هذا ظللت أحذر من تكرار تجربة الديمقراطية الثالثة.. ونحن نتهيأ للديمقراطية الرابعة، وربنا يتمم على خير.. كنت ولا زلت أطالب بتقديم الواجبات على الحقوق، وبتقديم إعادة تأهيل الخدمة المدنية وهيكلة مؤسساتها، قبل مراجعة الهياكل الوظيفية، وتقديم تحسين بيئة العمل على تحسين الأجور.. كانت قناعتي ولا تزال، أن المؤسسة العاجزة عن توفير موارد تشغيلها ينبغي أن تذهب فورا..!
ولكن.. اتصالا مفاجئا من صديقي الدكتور صلاح هارون الاستشاري المعروف، وبالقضية التي أثارها معي.. كان في الواقع كمن يحمل إزميلا يضرب به على رأسي، وهو يحدثني عن إضراب جزئي لنواب الاختصاصيين، بدأ منذ امس الأول، ويستمر لمدة عشرة ايام، يعقبها إضراب مفتوح إن لم تجد مطالبهم، العادلة.. والعادلة هذه من عندي لقناعتي بها، ورغم متابعتي؛ ربما بغير انتظام لتطورات قضية النواب منذ عدة سنوات، ورغم إطلاعي على سلسلة من البيانات التي صدرت عن مبادرة النواب، إلا أن إيجاز مستر هارون، رسم لي صورة مخيفة حقا، بل ومرعبة.. فالحقيقة التى ينبغي أن يعترف بها الجميع، هي أنه لا الاختصاصيين، ولا اطباء الامتياز، وبالضرورة ولا الكوادر الطبية المساعدة، هم من يدير دفة العمل، بل إن عبء تقديم الخدمات الطبية، في مختلف المشافي، عامة كانت أو خاصة، إنما يقع على عاتق النواب.. هذا إن كنا نتحدث عن الظروف الطبيعية، فما بالك إن كنا وكانت البلاد بل والعالم كله يواجه حدثا استثنائيا، إصطلح على تسميته بجائحة كورونا..!
ويزداد الموقف قتامة عزيزى القارئ إذا طالعت آخر تقارير تقييم الإضراب الجزئي، إذا انخرطت فيه حوالى سبعين مستشفى تكاد تكون قد غطت كل أرجاء السودان، وشملت كل المشافي الرئيسة فى الخرطوم، وكل مشافي عواصم الولايات، وكذلك المستشفيات التعليمية.. إن المشهد يقول باختصار كما لخصه مستر هارون “أن المرضى لا منجى أمامهم ولا ملجأ، سيما وأن المعني بجزئية الإضراب أن العمل سيغطي فقط مراكز العزل ومراكز غسيل الكلى والعناية الوسيطة والمكثفة والعمليات الطارئة، إلى آخر القائمة المعروفة للمختصين”.. باختصار؛ يا سادتي المواطن الآن أمام اختبار للموت البطيء..!
ولكن.. قبل أن يحمل أحدكم على نواب الاختصاصيين، ويلومهم على التورط فى إضراب رغم الظروف الصحية العامة التي يشهدها العالم، والظروف الاقتصادية الخاصة التي يشهدها السودان.، يجب أن تسألوا أنفسكم سؤالا واحدا، ما هي مطالب هؤلاء الشباب..؟ ولكن ايضا، وقبل الإجابة على هذا السؤال، دعوني أختلف مع قيادات مبادرة إضراب النواب في تسمية الإضراب نفسه، فالذي نعرفه عن تعريف الإضراب، أنه توقف جماعي لمتعاقدين مع مخدم عن أداء مهامهم الوظيفية لأسباب قدروها تتعلق بأوضاعهم الوظيفية أو المهنية أو المالية. ولكن وضع نواب الاختصاصيين لا ينطبق عليه هذا الأمر.. فهم لا تعاقدات لهم مع المخدم، الذي هو الحكومة في حالتنا هذه، بالتالي لا رواتب لهم.. بل إن نائب الاختصاصي ينفق على نفسه، ينفق على تدريبه، ينفق على تعليمه، بل إن نائب الاختصاصي الذي تعتمد عليه الدولة ويعتمد عليه المجتمع في معركة الكوفيد 19، مطلوب منه أن يدفع خمسة عشر الف جنيه عداً نقداً للفحص حال اشتباهه بالإصابة بالفايروس اللعين، علما بأنه لم يكن مخالطا في حفل ترفيهي، بل كان يخوض معركة المواجهة في خطوطها الأمامية.. فهل يلام إن توقف عن العمل من يعمل في هكذا ظروف..؟
وأخيرا.. فالاستجابة لمطالب النواب، استجابة لمطلوبات الحفاظ على حياة المواطن.. فهل حريصة أنت أيتها الحكومة على، حياة مواطنيك..؟! نأمل ذلك..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.