المصالحة ليست.. محض شعارات للمزايدة!

تحليل سياسي: محمد لطيف

شارك الخبر

سأزعم تبريرا لغيابي عن هذه المساحة، أنني كنت في انتظار أن ينجلي غبار معركة التشكيل.. وهذا يذكرني بفضيلة أن نقول للمغادرين شكراً؛ لا على أدائكم، بل على بقائكم.. فمن أكمل الشوط لآخره قد حقق رقما قياسيا في تاريخ حكومات الانتقال.. فحكومة اكتوبر الأولى لم تكمل نصف العام.. وحكومة الجزولي اكملت عاما فقط.. ولولا الانتخابات التي تلت عام الانتقال ذاك؛ لكانت الصورة قاتمة.. ونقول ايضا إن الحكومة التي اعلن عن تشكيلها بالأمس.. يمكن اعتبارها واحدة من الحكومات الأكبر قاعدة.. إن لم تكن اكبرها على الإطلاق، منذ فجر الاستقلال.. فقد ضمت كل الطيف السياسي، يمينه ويساره ووسطه.. وحين نتحدث عن اتساع قاعدة الحكومة فإنما نعني أن فرصها ربما تكون اكبر من سابقتها في الحصول على دعم سياسي مطلوب ومهم لإنجاز مطلوبات الانتقال..!
ولكن.. هذا المدخل يقودنا لحديث آخر؛ لا يقل أهمية عن تشكيل الحكومة نفسها، وهو ما راج عن حديث حول المصالحة الوطنية.. ولئن كان الدكتور جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل والمساواة، وزير المالية، قد ظل يطلق تلميحات مختلفة حول الأمر، فإن السيد مني اركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، كان اكثر صراحة وهو يتحدث عن مصالحة حتى مع المؤتمر الوطني نفسه.. ولئن كان مفهوما أن ينطلق الدكتور جبريل من خلفيته الفكرية والسياسية، وهو يحاول تجسير الهوة بين الإسلاميين عموما وبين القوى المحسوبة على ثورة ديسمبر، فإن السيد مني اركو مناوي قد حاول تسويق مبادرته بتأكيد أن كل من أفسد يجب أن يحاكم.. ولكن يفوت على السيد مني حقيقة مهمة، وهي أن المؤتمر الوطني، الحزب، وليس الأفراد، هو الذي ساد المشهد السياسي لثلاثين عاما، وهو المسئول عن كل الاحتقانات السياسية والتشظي الاجتماعي والفشل الاقتصادي الذي منيت به البلاد..!
ومع ذلك، دعونا نبصم بالعشرة، ونبارك دعوة القائدين العظيمين، بأهمية المصالحة الوطنية لتنطلق البلاد في مسارها الصحيح، ولتحقيق الاستقرار السياسي والتجانس المجتمعي والرفاه الاقتصادي.. وعليه؛ وحتى تأتي دعوة القائدين أكلها، فثمة قاعدة ذهبية تصلح للتطبيق في كل شيء، إنها القاعدة الشهيرة، إبدأ بنفسك.. فكلنا نذكر أنه مثلا؛ وفي عشية التوقيع على اتفاقية ابوجا للسلام في الخامس من مايو من العام 2006 كانت هناك ثلاث حركات رئيسية في دارفور، وبالأحرى حركتان، حركة تحرير السودان الأم، وحركة العدل والمساواة.. وبتراجع عبد الواحد نور عن التوقيع في آخر لحظة، وإقدام السيد مني على ذلك، كان ذلك إيذانا بانقسام الأولى.. فماذا حدث بعد ذلك؟.. لقد كرت مسبحة الإنقسامات والإنشطارات وسط الحركات، حتى تجاوزت الآن الخمسين حركة أو كادت.. ولن ينكر إلا مكابر، أن تحرير السودان والعدل والمساواة، هما أصل هذه الحركات وأصل الفكرة..!
إذن؛ إن دعوة القائدين ستكتسب مصداقية عظمى، وتجد احتراما عظيما، إذا بدأ كل منهما بمراجعة البيت من الداخل؛ وإعادة ترتيبه، بإطلاق مبادرة قادرة على استيعاب كل من خرج من ذلك البيت، وحتى من خرج عليه.. حينها تحقق الدعوة إلى المصالحة صدقيتها، ويكتسب الداعون اليها ثقة الجميع، مما يؤهلهم لطرح المبادرة القومية، بل وقيادتها.. أما قبل ذلك؛ فلن يعدو الأمر محض مزايدات سياسية، وربما تحتضن بين طياتها؛ مكاسب سياسية لهذا الطرف أو ذاك، وهو ما سيصطدم بمصالح آخرين؛ ليزداد الشرخ الوطنى، فتنتهي الدعوة للمصالحة إلى مزيد من التشرذم.. وجل من قائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.