غضبة الجمارك.. وقبضتها !

صبيحة الرابع والعشرين من سبتمبر 2019.. كنت في طريقي إلى رحلة خارجية ضمن وفد رسمي.. وشاء حظي أن تطلق البوابة الإلكترونية صافرتها حين عبرت.. فأمرني مسؤول الجمارك بتكرار العبور.. فانطلقت الصافرة ثانية.. رغم تجردي من كل شيء.. إلا ملابسي.. فأصر على تكرار العبور مثنى وثلاثا.. فانتبه أحدهم إن كنت احمل بطاقة فى جيبي.. وبالفعل كانت البطاقة الممغنطة مصدر التحذير.. وأنا أتهيأ لعبور البوابة الأخيرة.. ارتكبت فيما يبدو خطأ قاتلا.. فقد قلت لمسؤول الجمارك.. إن كنتم بهذه الدقة فكيف يتسرب الذهب من بين أيديكم.. فإذا به يقطب جبينه ويكشر عن أنيابه.. ويأمرني بالعودة الى حيث يقف معاليه.. ثم أخذ حقيبتي اليدوية وبعثرها على الطاولة.. وبدأ في إجراء فحص دقيق على كل محتوياتها.. حتى صباع المعجون لم ينج من ضغوط قاربت حد التفريغ.. وحين انتهى.. لم يمهلني حتى لإعادة محتويات حقيبتي المبعثرة.. بل أمرني بالتوجه لغرفة صغيرة في الجوار.. أدركت حينها أن سيادته يخوض (معركة كرامة) متوهمة فى مواجهتي.. سأكون فيها أنا الخاسر وإن انتصرت.. فقررت إلتزام الصمت والصبر.. توجهت إلى الغرفة.. ليشرفني سيادته بالحضور بعد مدى زمني غير مبرر.. وبدأ فى إجراء تفتيش دقيق على جسدي.. حتى كدت أصدق أني أخفي شيئا.. غير أنني وأنا أجمع أشتاتي وأتجه نحو البوابة الأخيرة لم أنس أن أودعه بعبارة.. مبروك شغلك نضيف..!

تذكرت هذه الواقعة.. عن غضبة الجمارك.. مقارناً بينها وبين قبضتها التي إرتخت بما يهدد لا اقتصادنا الوطني.. بل أمننا القومي.. ولست من أنصار إطلاق الأحكام.. ولا أرى أن ذلك من أدوار الصحافة.. خاصة فى قضية شائكة.. مثل قضية تهريب الذهب عبر مطار الخرطوم.. ولكن ما حفزني لكتابة تلك الوقائع المريبة.. والتي تبدو كمحاولة لطمس شيء ما.. منها ذلك الظهور الغريب لمسؤول الجمارك.. وهو يتحدث للإعلام.. موزعاً الأوسمة والأنواط على مرؤوسيه.. فهذه لوحدها تستحق التدخل.. إذ يبدو أننا أمام مسؤول.. لا يعرف واجباته ومهامه.. والأسوأ من ذلك.. أننا أمام مسؤول.. يخطئ ولا يدري أنه مخطئ.. بل هو يرى ذلك الخطأ إنجازاً يستحق الإحتفاء والتقدير.. والأسوأ من كل هذا أن إجابات مسؤول الجمارك.. قد أثارت أسئلة جديدة.. أكثر من كونها قدمت إجابات مقنعة لمن انتظرها.. فواحدة من الأسئلة الملحة.. هي دواعي تلك العجلة فى مخاطبة الإعلام..؟ أم تصور سيادته أنه بهذه العجلة والإفادات المرتبكة سيحصن نفسه ومرؤوسيه..؟ ثم ألا يرى ذلك المسؤول أن أية بضاعة خرجت من المطار دون إلتزام الإجراءات الرسمية هي مسؤولية الجمارك..؟ فوجود منافذ لا تسيطر عليها الجمارك.. وهي تعلم بها.. لا تعفيها من مسؤولية التجاوزات التى تقع فيها.. بل تظل الجمارك هي المسؤول الأول عن تلك الثغرة.. والآخرين يأتون بعدها.. أما الواقعة الأكثر غرابة فذلك الاحتفال الذي قيل أن الشركة المالكة للطائرة.. قد نظمته تكريما لأحد منسوبيها..فالحقيقة الوحيدة المؤكدة الآن أن الذهب قد وجد داخل الطائرة.. عليه كان حريا بالشركة.. بل ومن أوجب واجباتها.. أن تعرف هي أولا ثم تكشف للرأي العام.. كيف وصل الذهب إلى جوف الطائرة.. بل وتحت مقاعدها.. لأن ذلك يجعل إجراءات الأمن والسلامة في طائرات تلك الشركة على المحك.. فالذي يضع ثمانية عشر كيلو جراما من الذهب.. بكل اطمئنان.. داخل طائرة.. قادر على وضع تسعمائة جرام من المتفجرات.. كفيلة بتفتيت الطائرة.. إذن من مصلحة الشركة المالكة قبل غيرها.. أن يعرف الناس.. من الذى وضع الذهب وكيف.. لا من اكتشفه..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.