كنت في .. سفارة اثيوبيا ! (1)

ختمت اسبوعي المنصرم .. رغم إزدحامه .. بزيارة للسفارة الإثيوبية بالخرطوم بدعوة منها .. وما أحسبني كنت في حاجة لإذن من وزارة الخارجية .. مثل وزير المالية .. اولى المفاجآت التى انتظرتني هناك .. اقتصار الضيافة على الشاي فقط .. مع الاعتذار عن عدم وجود (بنة) .. قلت للسفير بدهشة .. السفارة الإثيوبية ولا توجد قهوة..؟! هناك شيء غير طبيعي !!.. ضحك السفير كما لم يضحك من قبل .. ولكنه فيما يبدو وجد في تعليقي مدخلا مناسبا .. إذ دلف مباشرة الى موضوع الدعوة.. ليقول لي .. هناك أشياء كثيرة غير طبيعية .. مثل التوتر الذي يجثم على العلاقات السودانية الإثيوبية .. أو الإثيوسودانية كما يسمونها ..ثم شرح .. من وجهة نظر بلاده بالطبع .. المشكلات التى تحاصر العلاقة بين البلدين .. مبتدرا بالحدود .. بدءا من 1902 حتى بلغ العام 2004 وتحديدا يوم 4 نوفمبر .. ليقدم لي المفاجأة الثانية .. إذ فتح بين يدي كتابا ضخما .. يحمل مخططا للمنطقة الحدودية .. وملاك مزارعها .. نعم هذا ما رأيته .. وعليه توقيعات سودانية واثيوبية رسمية .. تعترف بالواقع على الأرض كما كان عليه يومها ..أي في العام 2004 .. وهذا أمر يثير الكثير من التساؤلات حول مرجعية اولئك الذين قننوا ذلك الواقع ..؟ وبأي حق ..؟ كان هذا تعليقي على المفاجأة الثانية ..!
قلت للسفير تلك اتفاقية لم يكن السودان طرفا فيها .. كان رده إنها اتفاقية معترف بها دوليا .. وأن السودان لم يطلب تعديلها .. بل إن المفاوضات التى جرت فى الستينات و مطلع السبعينات أقرت تلك الاتفاقية .. قلت له حسنا .. ولكن ذات الاتفاقية التي تدافع عنها ألزمت بلادك بعدم إقامة أية منشآت على مجرى النهر بطول النيل الأزرق وفي منابعه في بحيرة تانا إلا بموافقة الطرف الآخر وبما لا يضر بمصالحه .. فإن كان المعني يومها الاستعمار البريطاني .. فهذا الطرف الآخر الآن هو السودان ..فلماذا لم تلتزموا بالاتفاقية ؟ .. قال لي السفير .. نحن لم نؤثر على مجرى النهر ولا منبعه .. ولم نتجاهل السودان ..و أخذنا ملاحظاته منذ وقت مبكر .. ومضى ليفجر لي مفاجأته الثالثة .. عبر عضو بوفد التفاوض ظل يستعين به خلال جلستنا تلك .. ( إننا خسرنا مائتي مليون دولار لنعدل في التصميمات الأساسية استجابة لطلب الرأي الفني السوداني ) .. اعترف أن الدهشة ألجمتني لثوان .. فقد كانت تلك أول مرة اسمع فيها هذه المعلومة أو انتبه اليها .. لينتهز السفير فرصة صمتي ويمضي قائلا .. ونحن حريصون على التفاهم والاتفاق وهذا ما نفعله الآن .. إننا نحاول الوصول لاتفاق مع مصر والسودان .. وهما المتعنتان .. !
قلت للسفير .. إبتداءً دعنا نتفق على أمرين فى هذه الجلسة .. اولا أنني هنا بصفتي الصحفية .. احاول قراءة الموقف الإثيوبي من خلال المعلومات التى ستقدمها لي .. لا أمثل أية جهة ولكنني أدعي أنني أمثل مصالح بلادي .. والأمر الثاني ..عطفا على الأول وهو الأهم .. أرجو أن يقتصر حديثنا على السودان لأنني من المؤمنين بأنه لا تطابق بين الموقفين السوداني والمصري في هذه القضية ..! وكان جليا أن ارتياحا قد غشي السفير جراء إفادتى الأخيرة .. فقال لي .. وشبح إبتسامة على وجهه .. نحن ايضا مقتنعون بذلك .. قلت له حسنا ولكن يجب أن نتفق ايضا .. إنني لست هنا لأبيعك موقفا سودانيا .. ولكن لإجلاء نقاط تتجاهلونها لذلك سأسألك الآن .. إنك تتحدث عن التعنت .. وأنا أرى أن العكس هو الصحيح .. فالسودان قد بح صوته الآن وهو يطالبكم بإقرار حقه في الإطلاع على كل المعلومات ذات الصلة بالملء والتشغيل .. وأنتم من تتعنتون .. ؟! كان رد السفير أنهم يرحبون بذلك وقد أبلغوا السودان بموافقتهم على تبادل المعلومات .. قلت له .. ولكن السودان لا يطلب منحة .. بل يطلب حقا .. لذا يجب أن يكون هذا الأمر محل اتفاق رسمي موثق ومشهود .. لا منحة تقدمونها حين تشاؤون وتحجبونها حين تشاؤون .. قال السفير .. نحن لن نقبل بأن تقيد أية جهة إرادتنا داخل بلادنا .. قلت له والسودان لن يقبل أن تتعرض منشآته المائية ومواطنيه للخطر .. وأنت تعلم تأثير اي حركة في سد النهضة على سدودنا ..!
غدا .. جدل بين حول المصطلحات ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.