الاقتصاد من مواسير الزراعة.. إلى انابيب النفط ! (1)

ذهبت الحكومة إلى باريس وعادت.. صحيح ثمة آمال عريضة ترتبت على المؤتمر الذي انعقد هناك 17 مايو الحالي.. ولكن الصحيح ايضا أن الآمال نفسها يكتنفها الغموض.. إن لم يشبها الحذر.. الاعتقاد بأن إعفاء الديون هو الحل السحري.. اعتقاد خاطيء.. إلغاء الديون إن تحقق هو فقط يمهد الطريق نحو إصلاح الاقتصاد.. القروض والمنح وإن أتت فهي تعين على بناء الاقتصاد.. ولا تبنيه وحدها.. والاعتماد عليها هو الجنون بعينه.. !

يعيدنا هذا إلى الحديث عن الموارد.. والحديث عن الموارد يقودنا إلى السؤال عن موقف الصادرات.. وتطوير الصادرات وتحسين الصادرات.. في ظل حقيقة أن العجز بين ما نصدر وما نستورد.. يقارب الثمانية مليارات دولار.. إن لم يفقها.. لصالح الأخير.. و في الصادرات تحدثك الحكومة عن القطن.. الذي لن يتجاوز عائده المائة وخمسين مليون دولار.. وتحدثك عن الصمغ.. وفي حين أن حجم التجارة العالمية أي تداول الصمغ في السوق العالمي لا يبلغ المليار دولا ر في أحسن الأحوال.. فالسودان لم يعد هو المصدر الوحيد للسوق العالمي من هذه السلعة كما كان قبل سنوات.. بل اصبحت تنافسه عدد من الدول.. المفارقة أن بعضها خارج حزام الصمغ العربي.. فهناك تشاد وافريقيا الوسطى والسنغال ونيجيريا وحتى اثيوبيا التي لا تنتجه اصلا.. وبعض هذه الدول تتفوق علينا في التنافس على السوق العالمي لتتدنى حصتنا إلى ما لا يزيد عن المائتي مليون دولار.. لماذا..؟ لأنها لا تعاني من التهريب.. لأنها لا تنتج أصلا.. بل تعيد تصدير ما يهرب اليها من السودان..!

ويحدثونك عن الذهب.. وللحكومة مع الذهب في كل يوم قصة.. والمؤسف أن كل هذه القصص لا تحقق عائدا ولا توفر دولارا.. وقصص الذهب هذه لم تبدأ مع حكومة الانتقال هذه.. بل بدأت مع نظام الإنقاذ.. فالبشير حين ارتحل النفط مع الجنوب.. كان رهانه على الذهب.. كانت تقديراته يومها أن الذهب سيحقق عائدا سنويا يفوق الملياري دولار في العام.. ولكن الحقيقة التي غابت عنه.. وتغيب على حكومة الإنتقال الآن.. أن الذهب إبتداءً ليس قطاعا منظما.. ثم إنه ليس ملكا للحكومة.. حتى تفترض أن كل جرام يخرج من باطن الأرض.. سيعود دولارا إلى خزينة الدولة.. وثالثة الأثافي.. أن نزيف التهريب.. الذي بدأ مع اول كيلوجرام.. ظل مستمرا حتى يوم الناس هذا.. والتهريب ليس محض جريمة يرتكبها بعض الخارجين على القانون فتقوم الدولة بملاحقتهم ومكافحة جريمتهم.. بل بعض هذه الدولة نفسها بات متورطا فيه.. فيما البعض الآخر يقف مكتوف الأيدي.. إما عجزا أو جهلا أو رهبة.. والأخيرة هي الأرجح..!

فماذا بقي لاقتصاد السودان من مخرج..؟ هذا السؤال يقودنا لسؤال آخر.. اكثر أهمية.. لما لا تتحدث الحكومة عن النفط..؟ هل تظن أو يظن بعض منسوبيها أن أي أرض وطأتها الإنقاذ باتت محرمة.. ؟ وإلا فما معنى أن تتجاهل الحكومة الانتقالية.. كل النداءات التى صدرت من الخبراء الوطنيين في قطاع النفط.. يلحون عليها حينا ويستجدونها أحيانا.. أن تولى اهتماما لهذا القطاع.. باعتباره المخرج الحقيقي.. بل والمنقذ للاقتصاد السوداني من النفق المظلم الذي يتخبط فيه..؟! وهل كان الأفضل للسودان أن يحدثنا المبعوث الأمريكي كل صباح عن مهددات الاستقرار.. أم يقنع شركة شيفرون بالعودة للعمل في السودان.. ؟ وهل يكفي ماكرون أن حشد العالم في باريس لدعم السودان.. أم يكون الأجدى أن يقنع شركة شل بالاستثمار في النفط السوداني..؟ ربما لا تكون المسألة بهذه البساطة.. ولكنها تستحق المحاولة.. غدا نستعرض فرص الاستثمار المتاحة في هذا النفط.. بآراء الخبراء ولغة الأرقام..!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.