جماهير .. صالة خدمات الجمهور !

تحليل سياسي : محمد لطيف

شارك الخبر

 

 

وقفت مشدوها أمام أفواج بشرية تتلاطم امامي .. دون توقف .. قررت أن أتريث بعض الشيء .. حتى يخف الزحام .. ولكن سريعا اكتشفت أنني كنت مخطئا فالأعداد في ارتفاع .. والتدفق في تزايد .. فلم يكن أمامي من مناص غير أن أخوض مع الخائضين .. فقذفت بنفسي في أول سنتمترات وجدتها خالية أمامي في ذلك الموج الهادر .. محتفظا بكمامتي على وجهي .. ومجتهدا فى الحفاظ على التباعد الجسدي .. ولكن هيهات .. الاندفاع والالتحام كانا سيد الموقف .. وحين عبرنا الممر الأرضي ثم ارتقينا الدرج الى الطابق الأول .. بدا لي أننا نتجه وجهة خاطئة .. فالصالة كانت قد امتلأت عن آخرها .. تساءلت .. أين سيذهب القادمون خلفنا .. المدهش أنهم جميعهم .. من سبقونا ونحن ومن لحقوا بنا .. كلنا احتشدنا في ذات الصالة .. إنها صالة نوافذ الخدمات الرئيسية بمجمع الخرطوم لخدمات الجمهور .. أو خدمات الشرطة .. وهذا المجمع واحد من ثلاثة مجمعات .. تعتبر ضخمة نسبيا .. مقارنة بسابقاتها .. وقفت مشدوها وأحد المسئولين يحدثنى أن معدل التردد اليومي على مجمعات الخدمات هذه .. حوالى ثلاثين الف شخص .. أي بمعدل عشرة آلاف لكل مجمع .. !

شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وأنا اتصور نفسي واحدا ضمن عشرة آلاف شخص .. في ذلك اليوم .. لم يكن جلهم يمارس أي شكل من اشكال الإستجابة للنصائح الصحية والتعاطي مع الاحترازات المطلوبة .. حتى أننى كدت أن اصدق أن الكورونا كذبة كبرى صنعها الساسة بدقة للسيطرة على سلوك المجتمعات .. ولكن كيف سيستقيم هذا المنطق والضحايا بالملايين حول العالم .. بل وبالعشرات من حولنا ..حاولت أن أتجاوز الواقع المأساوي الماثل الأمامي بالتفكير في النصف المليء من الكوب .. قلت في سري .. أي مؤسسة هذى التي يمكن أن تقدم خدمات مباشرة لعشرة آلاف شخص يوميا وفي موقع واحد وبأفراد معدودين ..؟ لم تسعفني ذاكرتي بمؤسسة أخرى حقيقة .. مما جعل إحساسي يتضاعف بالدور الذي تقدمه الشرطة عبر خدماتها المدنية المتنوعة .. ولكن .. وأنا اتطلع في وجوه رجال ونساء الشرطة .. بمختلف رتبهم وتخصصاتهم .. من أصغر جندي الى اعلى الضباط رتبة .. وهم في حالة عطاء مستمر .. وتعايش غريب مع ذاك الازدحام .. دفع بالصورة المأساوية مرة أخرى الى مقدمة تفكيري .. !

كان السؤال الأول الذي قفز الى ذهني .. هل تعلم إدارة الشرطة العليا .. الظروف التى يعمل فيها هؤلاء الجنود والضباط ..؟ وهل تدرك المخاطر المترتبة على هذا الزحام ..؟ على الجمهور وعلى العاملين على حد سواء ..؟

قد تبدو المعادلة عصية على الحل .. إن ذهبنا للنظر فى التحكم فى أعداد المترددين على هذه المجمعات يوميا .. كواحدة من خيارات تخفيف الزحام .. أو السماح بتواجد الجمهور في باحة المجمع .. شريطة تحديد العدد الذى يدخل وفقا لأولوية الحضور .. ولكن هذه الخطوة صحيح أنها ستخفف الضغط على العاملين .. ولكنها فى المقابل ستزيد العبء على المواطن .. بطول الانتظار .. ولعل من المناسب هنا أن نذكر هذا المواطن .. أن صحته أثمن من أي وقت يمكن أن يقضيه في الانتظار .. وأن سلامته الشخصية .. أهم من أي خدمة يمكن أن ينجزها .. وقديما قالوا .. درب السلامة للحول قريب ..!

ولكن إن كانت هذه حلولا مؤقتة لمواجهة أزمة طارئة .. فقد تكون واحدة من الحلول الطويلة الأمد توسيع قاعدة تقديم الخدمة .. بزيادة عدد مراكز تقديمها .. أما الحلول الأكثر عملية .. فهي إطالة أمد الوثائق الثبوتية نفسها .. فعلى سبيل المثال .. لماذا يجب على كل سوداني أن يحصل على جواز جديد كل خمس سنوات ..؟ لماذا لا يكون ذلك بعد عشر سنوات .. مثلا ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.