الطبيعة لا تعرف الفراغ.. ولجنة التفكيك كذلك !

تحليل سياسي: محمد لطيف

شارك الخبر

انتقادات عديدة تزامنت مع ما رشح أمس.. عن اجتماع طارئ عقدته لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مع مديري عموم المصارف بحضور بنك السودان المركزي.. لبحث أسباب الارتفاع غير المبرر لأسعار العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية.. بزعم أن هذا ليس من اختصاص اللجنة.. فإذا كان بعض المنتقدين هذا ديدنهم.. أصابت اللجنة أم أخطأت.. فالبعض الآخر ربما ينطلق من باب الحرص على عدم تدخل اللجنة في اختصاصات الجهاز التنفيذي.. ليبرز هنا سؤال.. هل قام الجهاز التنفيذي بواجبه على الوجه الأكمل..؟ ولعل الإجابة ميسورة في حالة سوق العملات.. التي تثبت الوقائع كل يوم أن ثمة أيادٍ خفية تحرك هذا السوق، وتنشط هذه الأيادي كلما تحركت الحكومة بإجراءات تضبط حركة النقد الأجنبي.. وهنا تقف الحكومة عاجزة عن حماية إجراءاتها، لتنهار تلك الإجراءات أمام أعينها بضربات توجهها تلك الأيادي الخفية، دون هوادة.. ففي كثير من الأحيان تبدو هذه اللجنة المفترى عليها، هي الأكثر إحساساً بما يعتور المشهد الاقتصادي من تعقيدات.. فيأتي تدخلها هنا وهناك بما لا يعجب البعض.. فتنطلق نغمات تدخل اللجنة في العزف، وهو حديث حق أريد به باطل..!

قلت من قبل وأعيد، أن إصلاح الاقتصاد يبدأ من إصلاح الجهاز المصرفي، الذي لم يبدأ بعد.. ولئن ظن البعض، أن حال هذا الجهاز المصرفي سينصلح تلقائيا، فهم مخطئون.. فالذي كان جزءاً من الأزمة لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل.. ولئن كانت الحكومة لا تعلم أن بعض هذا الجهاز المصرفي متورط في تجارة العملة، فهي غافلة ولا شك.. قبل السفر إلى باريس قالت هبة محمد علي مستشارة وزارة المالية – أظن أن هذه صفتها الآن – أن عشرة إصلاحات قد تمت في الجهاز المصرفي.. فقدمت لها ثلاثة نماذج فقط تؤكد أن الجهاز المصرفي ما يزال على حاله.. إلا أنها لم تعلق، فربما اعتبرت حديثي خارج الموضوع..!

أياً كانت النتيجة التي انتهى إليها اجتماع لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مع الجهاز المصرفي، ستظل الحقيقة أن الجهاز المصرفي ما يزال بعيدا عن يد الإصلاح.. بين يدي معلومات تؤكد أن سبعة من العاملين في أحد المصارف موقوفون.. لتورطهم في التعامل بالنقد الأجنبي خارج قنواته الرسمية.. وإذا ربطنا ذلك مع كثير من الوقائع كانت تظهر بين الفينة والأخرى تؤكد عدم حماس بعض العاملين فى بعض المصارف في تنفيذ سياسات البنك المركزي القاضية بتنشيط نوافذ شراء النقد الأجنبي من المواطنين.. بحجج واهية مثل عدم توفر السيولة أو راجعنا غدا .. وإذا لاحظنا أن الموقوفين سبعة من مصرف واحد، فلك أن تتصور حجم التخريب الذى يتهدد سياسات البنك المركزي.. من داخل الجهاز المصرفي لا من خارجه.. والمهم هنا التنبيه أن هؤلاء العاملين الموقوفين، ليسوا بتجار عملة، بل في الواقع هم متعاونون مع تجار العملة الحقيقيين.. وفي رأي البعض أيضاً أن هذا لا يمثل إلا سفح جبل الجليد.. فما خفي أعظم ولا شك..!
ويقودنا هذا مرة أخرى للحديث عن دور بنك السودان المركزي.. وعن إدارته للرقابة على الجهاز المصرفي.. وما إذا كان قادراً على القيام بدوره الرقابي على أداء الجهاز المصرفي..؟!
إذن.. طالما ظلت هذه الشروخ ماثلة .. وتغوص كل يوم عميقاً في جسد الاقتصاد .. في ظل غياب تدخل حكومي رادع .. يصبح من حق لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو التدخل .. وقد أثبتت هذه اللجنة دوماً أنها مثل الطبيعة .. لا تعرف الفراغ .. ولئن تحدث الناس عن أخطاء هنا وهناك تشوب عملها .. فذلك ببساطة .. لأنها تعمل .. فليت كل المؤسسات تعمل .. فتخطئ وتصيب ..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.