كيف يفكر رئيس الوزراء؟! (4)

تحليل سياسي: محمد لطيف

شارك الخبر

كنت ولا زلت أرى أن واحدا من اكبر الثغرات التى يؤتى ززمنها الاقتصاد السوداني، هو الجهاز المصرفي.. كنت اقول ذلك منذ سنوات طويلة، وليس الآن فقط.. قلت مثلا إن التمويل الأصغر لا يعدو أن يكون مشروع رشوة سياسية، تقدم للمواطن.. والنتيجة تضخم غير مبرر.. ثم مصائب إجتماعية جراء جر ذلك التمويل للكثير من المواطنين الى السجون.. وقلت إن المصارف نفسها تتحمل الوزر الأكبر في ذلك، فهي لا تدقق في المشروعات المقدمة للتمويل، ثم لا تهتم بمتابعة مصير ذلك التمويل، كيف إستغُل؟ وأين ذهب؟.. وتتحول المصائب الفردية الى كارثة وطنية، حين ينطبق ذات الأمر على التمويلات الكبيرة.. كل ذلك وبنك السودان المركزى يغط في نوم عميق.. قبل اسابيع كتبت أن بعض موظفي المصارف ينشطون في تجارة العملة، لا بشكل شخصي، بل بإدارة حسابات لتجار عملة معروفين، ثارت ثائرة البعض، وعاتبني أصدقائي في الجهاز المصرفي.. ولكن ما هي إلا ايام قليلة، وبدأنا نطالع الأخبار، عن ضبط مصرفيين متورطين..!
سأنقل هنا تعليقا من رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، الذى يعتبر خبيرا اقتصاديا، قبل أن يكون مسئولا تنفيذيا، فحين قلت له إن إصلاح الإقتصاد يبدأ بإصلاح الجهاز المصرفي.. كان رده بسؤال: “وهل لدينا جهاز مصرفي؟”.. يا للهول.. فإن كان هذا رأي السيد رئيس الوزراء في الجهاز المصرفي، فعلى العاملين هناك، أن يتحسسوا، لا مواقعهم، بل مؤسساتهم، وأداءها.. اعلم أن هذا الحديث سيغضبهم، وقد تعمدت ذلك دون استئذان من رئيس الوزراء، ولكني أتمنى صادقا أن تكون هذه الغضبة في اتجاهها الصحيح، لا على رئيس الوزراء، بل على بؤس هذا الجهاز المصرفي.. ولكنى وقبل أن امضي في عرض افكار السيد حمدوك.. سأعرض عليكم واقعة مهمة، تعزز كل ما سنقول بعد ذلك، فحين كان مؤتمر باريس يلملم اوراقه، اتصل بي صديق يدير احد المصارف الكبيرة يطلب مساعدتي في مده بمعلومات تفصيلية عن حجم الإستثمارات المتوقعة، لأنه بصدد إعداد دراسة لملاك المصرف لرفع رأس المال حتى يكون قادرا على التعاطي مع التطورات المحتملة، وإنه يحرص على أن تكون دراسته واقعية ومتسقة مع حجم التدفقات النقدية المحتملة، اكبرت طريقة تفكيره وأشدت بها، وساعدته ما وسعتني القدرة.. وأتساءل الآن، كم مسئول مصرفي فكر بذات الطريقة؟!
إذن، هذه الواقعة تعكس وجهة نظر حمدوك بدقة متناهية، كيف؟، لأنه يرى أن ضعف رؤوس اموال المصارف يجعلها اقرب إلى المتاجر منها إلى مؤسسات مصرفية ذات وزن وقيمة ودور وتأثير. ويبدو وهذا اجتهاد من عندي، أو قل استنتاج أن السيد رئيس الوزراء قد يئس من تغيير يقوده البنك المركزى بشكله الحالي، فحين يقول؛ إنه تحدث معهم كثيرا، ثم يغرق في صمت عميق، فلا تفسير إلا أن ذلك الحديث الكثير لم يثمر شيئا.. والدكتور حمدوك يرى أن دمج المصارف من شأنه أن يرفع من قدرتها على القيام بدورها التقليدى، ناهيك عن الدور الاستثنائي المحتمل، إن هي عجزت عن زيادة رأسمالها منفردة، وتحقيق كفاية رأس المال.. وأبشره منذ الآن؛ أن الأمر لن ينجح لأن جل هذه المصارف تعمل لصالح افراد، سيسعون ما وسعتهم الحيلة لتعطيل مشاريع الإصلاح، إن هي أضرت بمصالحهم..!
ولكن يبدو أن الدكتور حمدوك يحتفظ دوما بخيار آخر، نابع من قناعته بأن ضرورة إدماج السودان في المجتمع الدولي، ليس مجرد شعارات سياسية، بل لن يتأتى هذا الأمر إلا عبر خطوات عملية على الأرض، ولسبب من هذا فهو يفكر؛ إن لم يكن قد فعل بالفعل، في دعوة عدد من المصارف العالمية الكبيرة، لافتتاح فروع لها بالسودان، وهذه المصارف العالمية؛ حال حضورها للسودان سيتجاوز تأثيرها الدور المصرفي التقليدي إلى التأثير على مجمل الأداء المصرفي في البلاد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.