المُجتمع المدني وتعزيز التحوُّل الديمقراطي في السُّودان

تقرير: نهلة خليفة محمد

تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً وجودياً في تهيئة المناخ السياسي الملائم لنجاح التحوُّل الديمقراطي في السودان، ولهذا يجب العمل على تقويتها والتعلم من تجاربها.

ويُواجه التحوُّل الديمقراطي في السودان الذي يترقبه السودانيون والعالم أجمع، تحديات من أجل تهيئة المناخ السياسي الملائم لنجاح الانتقال. ولتحقيق هذا التحوُّل، يجب إيجاد آليات لتعزيز الوحدة الوطنية والاتفاق في القضايا الوطنية الكبرى بالانفتاح على كافة شرائح المجتمع السوداني، خاصةً تلك التي ساهمت في صناعة الثورة، من قوى الشباب، ومنظمات المجتمع المدني والكيانات المهنية والتي ينتظر منها الكثير في تحقيق الانتقال الديمقراطي.

وتقول نعمات كوكو، مديرة مركز الجندر للبحوث والتدريب “إن منظمات المجتمع المدني أحد المكونات التي لعبت دوراً مهماً لتهيئة البيئة الملائمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”. مستدركة: “إن الانتخابات ليست ملفاً مفتوحاً الآن أمام منظمات المجتمع المدني”. مبينة أن الانتخابات هي استحقاق ديمقراطي يجب أن يكون بنهاية الفترة الانتقالية. وتضيف نعمات: “إن التحدي الآن يتجلى في كيفية الحفاظ على الديمقراطية ومسارات الانتقال الديمقراطي في ظل هذا الاحتقان والاستقطاب السياسي”.

إن اكتمال برنامج الانتقال الديمقراطي يتوقّف على تفكيك دولة التمكين عن مفاصل الدولة، خصوصاً بعد سيطرة حزب واحد على الوضع السياسي والاقتصادي في السودان وفرضه لمشروعه الحضاري المرتكز على إيديولوجية محددة أو ما يُعرف بالإسلام السياسي.

وقيام إحصاء سكاني سليم وشامل يغطي كل مساحات الوطن خاصة مناطق النزاعات، لأنها كانت خارج نطاق آخر انتخابات باسم المناطق المحررة، بالإضافة إلى إنشاء مفوضية الانتخابات كاستحقاق دستوري ووضع قانون للانتخابات بتوافق الجميع، كلها من متطلبات الانتقال الديمقراطي.

وتقول كوكو، إن من تجارب مركز الجندر التي تساعد على التهيئة لمناخ الانتقال الديمقراطي تقديم مبادرة مشروع (الكوتا) النسائية والتي تم التوافق عليها من كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني خاصةً النسائية والتي تم تضمينها في قانون الانتخابات للعام 2010. ولكن، “النظام الانتخابي الذي قُدِم أفرغها من محتواها بتقديم (الكوتا) في قائمة نسائية منفصلة وكأن المقترح أن يكون انتخاب المرأة على قائمة التمثيل النسبي”، بحسب تفسير كوكو.

تقول نعمات: “هذا أضعف الدور الإيجابي للدعم الحزبي والسياسي للمرشحات”، مؤكدة على ضرورة الاستفادة من هذه التجربة وتطويرها في قانون الانتخابات المقترح بنهاية الفترة الانتقالية.

“في طريق الثورة والتغيير تتجمّع إرادة الشباب والنساء وقوى ثورة ديسمبر المجيدة لتصنع التاريخ الذي يمهد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية”، تختم كوكو، محذرة؛ إن أي إشارة لملف الانتخابات في هذا الظرف الذي يتّسم بتعقيدات المشهد السياسي إنما تُصب في تمكين بقايا النظام الساقط من قوى الرأسمالية الطفيلية وحلفائهم. السبب في ذلك هو أن تفكيك دولة التمكين عن مفاصل الدولة مازال بعيداً، وكذلك العديد من ضمانات قيام انتخابات نزيهة مازالت مفقودة.

النزاهة والشفافية
ويقول محجوب محمد صالح، عميد الصحافة السودانية: “الانتخابات الحرة النزيهة هي الركيزة الأساسية لبناء النظام الديمقراطي ولشرعية السلطة وتداولها في أي بلد، لذلك اهتم بها وبشروطها وضماناتها المُجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والوطنية المعنية بضمانات النظام الديمقراطي”.

ويضيف محجوب: “لا بد لنا في انتخابات السودان المقبلة من توفر النزاهة والشفافية لأنها ذات أهمية تاريخية في إنفاذ التحول الديمقراطي من حكم شمولي أفرز مؤسسات وممارسات تتعارض تماماً مع متطلبات النزاهة والشفافية الانتخابية”.

ودعم صالح حديثه باستعراض بعض الصكوك الدولية التي حددت أسس الانتخابات الحرة النزيهة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في المادة ٢١ على ضرورة مشاركة كافة المواطنين في إدارة الشؤون العامة لبلدهم، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة ٢٥/٢ التي نصت على حق الترشيح لكل مواطن والانتخابات عبر انتخابات دورية نزيهة بالاقتراع العام السري، مع توفر الضمانات التي تكفل تعبير الناخبين عن آرائهم بحرية.

ويفسر صالح من أجل تحقيق كل ذلك، يجب “صياغة الدستور وإقامة المجلس التشريعي في هذه المرحلة، فهما الأساس لعمل منظمات المجتمع المدني للإعداد الجيد للانتخابات”. ولا تزال كل مفاصل السلطة في يد القوى التي حكمت منذ ١٩٨٩ ومطلوب منها أن تفكك نظامها طواعيةً عبر انتخابات نزيهة. كافة القوى تبحث عن ضمانات لكف يد السلطة القائمة للتأثير على الإرادة الحرة للناخب.

وأشار صالح أنه لتحقيق نزاهة وحرية الانتخابات القادمة لا بد من الإحصاء السكاني، كشرط ومدخل لرسم الخريطة السكانية حتى تستطيع المفوضية البدء في وضع السجل الانتخابي، توفير البيئة القانونية السليمة وكف يد الحكومة عن أي تدخل في الشأن الانتخابي، تحويل كل أجهزة الإعلام الإلكترونية الحكومية إلى أجهزة خدمة عامة، وضع قانون صارم لمكافحة الممارسة الفاسدة في الانتخابات.

يضيف صالح: “يجب أن تنص القوانين الانتخابية صراحة على حق المرشحين ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والمراقبين الدوليين في مراقبة العملية الانتخابية، بدءاً من مرحلة التسجيل، وانتهاءً بإعلان النتائج وتمكينهم من المتابعة داخل وخارج مسار الانتخابات وفي أي مكان في السودان”.
هذا ما يؤكده الدكتور الطيب مختار، رئيس منظمة الشفافية السودانية، مشدداً على أهمية المساعدة لإرساء ضوابط نزاهة وشفافية وديمقراطية الانتخابات، من المنظمات الخارجية ومنظمات المجتمع المدني الوطنية ذات الصلة كالشفافية السودانية ومفوضية حقوق الإنسان، بالتركيز على حق الانتخاب وحرية الاختيار.
“المساعدات المطلوبة تتمثل في الرقابة على الانتخابات وتأكيد الشفافية والنزاهة ونشر الوعي وتأكيد الالتزام بالمعايير المُتعارف عليها”، يقول مختار. “يجب كذلك التركيز على المساعدة التقنية المعلوماتية التحليلية التي تدعم نزاهة الانتخابات وشفافيتها، بالإضافة إلى توعية المواطن بأهمية الالتفات إلى البرامج الانتخابية التي تحقق طموحاته بعيداً عن العصبية الحزبية العمياء.”
يفسر مختار، “من الأسباب التي تقود إلى عدم نزاهة وشفافية الانتخابات أيضاً غياب دور منظمات المجتمع المدني وعدم نشر الأحزاب لبرامجها الانتخابية حتى تتم محاسبتها من الناخبين بعدم التصويت لها في الانتخابات القادمة”.

ويصف مختار، الالتزام الحزبي الأعمى والتمترس وراء اللافتة الحزبية، بغض النظر عن البرنامج الانتخابي، بمهددات العملية الانتخابية.

يشدد مختار “يجب إرساء مفاهيم جديدة للانتخاب تقودها منظمات مجتمع مدني وطنية ذات صلة وأجهزة إعلام حكومية ووطنية غير حكومية”.
علينا أن نقر أن تحول مجتمعنا إلى مجتمع مدني حقيقي ما زال أمامه الكثير من التحديات والخطوات، وأول المطلوبات هو تطوير حياتنا الحزبية ونظامنا الانتخابي الذي يجب أن يكرس التكتل على أساس سياسي بالإضافة إلى ترسيخ دور المجتمع المدني في الرقابة وتعزيز ثقافة المجتمع المدني وحقوق الإنسان والديمقراطية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.