وفدٌ روسيٌّ بالسودان.. القاعدة العسكرية وأشياء أخرى

تقرير: سوسن محجوب

مجدداً، يستل السودان كرت روسيا، الكرت الأحمر الذي لطالما قاد ضغوطاً كثيفة من التيار الغربي بقيادة واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي ــ سيّما بريطانيا، على السودان بسببه، وسعى هذا اللوبي منذ وقتٍ بعيدٍ منع أيِّ تقارب ما بين السودان وموسكو وبكين.
مطلع الأسبوع الجاري، قدم وفد روسي بقيادة المبعوث الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا – نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، في زيارة إلى بورتسودان التقى فيها الفريق أول البرهان ونائبه الفريق أول كباشي وعدداً من وزراء الحكومة. وقطعاً قيل الكثير في تلك اللقاءات، لكن الأهم هي أنّ بلد بوتين ستفتح أبواب ترسانتها العسكرية مقابل ضمان وجودها على شواطئ مدينة بورتسودان التي جرت فيها اللقاءات.

ظل فاغنر!
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، سلّط الإعلام الغربي وبعض المسوؤلين الغربيين، الضوء على علاقة مجموعة فاغنر مع قائد المليشيا، محمد حمدان حميدتي، حيث أكدت تلك التقارير أنّ قائد فاغنر كان متعاوناً جداً وسخر المناطق التي يوجد فيها جنوده فيها في أفريقيا الوسطى وتخوم الصحراء الليبية لمدد المليشيا بالأسلحة المُتطوِّرة، بل قام بتدريب الآلاف من كوادرها على حرب المدن قبيل اندلاع حرب 15 أبريل. كما أرسل حميدتي بعض كوادره لتلقي تدريبات بموسكو في مجال الطيران، لكن النهاية غير. “المتوقعة” لقائد فاغنر وتصفيته في الجو عقب عودته إلى روسيا من آخر رحلة له لأفريقيا الوسطى ــ حيث يقال إنها كانت لاستلام صناديق من الذهب السوداني من قادة قوات الدعم السريع نظير ما يرسله لها من الأسلحة وتدريب الجنود. موت زعيم فاغنر كانت هي نهاية العلاقة ما بين فاغنر وحميدتي، الذي كان قد زار موسكو سابقاً، بالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

تاريخٌ مُمُتدٌ من صفقات السلاح
ويعيد الباحث في الشؤون السياسية د. الحاج حمد في حديثه لـ(السوداني)، تاريخ الروس منذ وقت طويل مع السودان، ويقول إنّهم ظلوا المورد الأول لمد القوات المسلحة بالأسلحة والطيران الحربي منذ الاستقلال، ولم ينقطع ذلك التعاون حتى بعد التوسُّع الضخم للصناعات العسكرية في السودان.

القاعدة وأشياءٌ أخرى!
يرى مراقبون أنّ الحرب إنتجت العديد من الاصطفافات وبروز حلف أفريقي يعمل علناً في دعم زعيم مليشيا الدعم السريع، جعل خيارات السودان محدودة، بل ودفعه نحو الطرف النقيض لمعسكر الغرب وحلفائه من البلدان الأفريقية، وأضافوا في حديثهم لـ(السوداني)، أنّ مراجعة المصالح وتعقب فوائدها لدى موسكو وغيرها من الدول الغربية لا يخضع إلّا لمفاضلات مَن الذي سيُحقِّق لهم مصالحهم.

مباحثاتٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ وعسكريةٌ
إعلام مجلس السيادة اكتفى بنشر أن جلسة المباحثات السودانية ــ الروسية، ناقشت بالعاصمة المؤقتة بورتسودان، العلاقات الثنائية، وسُبُل تعزيز التعاون سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وثقافياً، دون الخوض في أيِّ تفاصيل، حيث ترأس وفد السودان عضو مجلس السيادة الانتقالي ــ نائب القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، فيما ترأس وفد روسيا المبعوث الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ــ نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وامتدح كباشي مواقف روسيا الداعمة للشرعية السودانية، مؤكداً أن كل محاولات المتربصين بمصالح السودان وسيادته واستقراره مصيرها الفشل، ونوه إلى انفتاح بلاده على كل المبادرات التي تهدف لحقن الدماء، شريطة أن تأتي في إطار الشرعية والرؤية السودانية التي “تضمن وتحفظ حقوق الشعب السوداني كاملة”. كما التأم اجتماعٌ بين نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار مع المبعوث الروسي.

روسيا تستنكر
وزير الخارجية المكلف السفير، حسين عوض، قال للصحفيين عقب جلسة المباحثات، إنّ المبعوث الروسي، استنكر خلال المباحثات، الدعاوى القائمة على المساواة بين شرعية الدولة السودانية والتمرد. كما أشار الوزير إلى التأمين على دعم روسيا للسودان في مواجهة كل ما من شأنه تهديد سيادة السودان ومصالح شعبه.

على خُطى البشير
ويواصل الباحث في الشؤون السياسية د. الحاج حمد أنّ روسيا ظلت تحتكر السوق السودانية لأسلحتها، على الرغم من الضغوط الغربية التي حاولت تحويل هذا السوق لصالحها، لكنها لم تنجح، ويضيف أنّ حكومة الإنقاذ استخدمت علاقتها مع إيران لإنهاء العقوبات الغربية عليها، وظلت تغض الطرف عن مخاوف مجموعات سنية تحذر من التمدد الشيعي وفتح الحسينيات الشيعية، ومضى إلى أنّ الرئيس الأسبق البشير وتنقله بحثاً عن الدعم المالي لفك الاختناقات الاقتصادية أواخر حكمه، ما دفعه أن يوافق على روشتة تحالف عربي في الحرب ضد الحوثيين في اليمن ــ كما قطع العلاقة مع طهران، ويضيف: “الآن البرهان يعيد تلك العلاقة، ويبدو أنّ هدفها الحاجة لتطوير قدرات الجيش في اتجاهات تتماشى مع أساليب قوات الدعم السريع ومواجهة الأسلحة المتطورة التي تمتلكها، وفي رأيي أن الجنرال يسعى إلى إحداث الفرق”.

قصة قاعدة
ما بدا مهماً في زيارة الوفد الروسي، هو الموقف الرسمي للحكومة السودانية من القاعدة الروسية، حيث تعدّدت الروايات بشأنها، ويرى سفير روسيا في السودان أندريه تشيرنوفو في مُقابلة مع وكالة “نوفوستي” أن عدم تمكن السودان من استكمال إجراءات التصديق على اتفاقية إنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان على البحر الأحمر سببه الأزمة السياسية الداخلية التي تشهدها السودان الآن، وكذلك بسبب حل البرلمان في البلاد، لذلك لم يتمكّن الجانب السوداني بعد من استكمال الإجراءات الداخلية اللازمة للتصديق عليها، ويضيف: “على أيِّ حال، الكلمة الأخيرة تبقى لأصدقائنا السودانيين”.
ووقّـع الجانبان الروسي والسوداني عام 2019، على اتفاقية بشأن إنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية ببورتسودان.
القاعدة مُقابل السِّلاح
وفي فبراير العام الماضي، ذكرت وكالة “أسوشيتد برس”، أن موسكو وافقت على مطالب السودان الأخيرة، بما في ذلك تزويدها بمَزيدٍ من الأسلحة والمعدات، وتقول إنّ الجانب الروسي بدّد جميع مخاوف السودانية، ما جعل القوات المسلحة تُوافق على الصفقة، وما تبقى هو التصديق على الصفقة من قِبل القيادة العسكرية في البلاد والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني.
وفي 2021، قال القائم بالأعمال في سفارة السودان لدى روسيا زن بلاده لم تطلب مساعدة اقتصادية من روسيا مقابل اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية، مؤكداً أنّ التقارير عن ذلك لا أساس لها من الصحة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.