محمد أحمد سالم.. شهادة مجروحة (1)

أجندة
عبد الحميد عوض

من حكمة وتسامح الثورة السودانية، عدم ممارستها للانتقام والتشفي تجاه كثيرين من القيادات الإنقاذية ومن والاهم، ولم تلاحق، لا قضائياً ولا أمنياً، إلا العشرات من النافذين في النظام، لمحاكمتهم في قضايا خطيرة، وأخرى مرتبطة بحقوق خاصة، وليست عامة.
(2)
آخر وزير عدل في النظام البائد، محمد أحمد سالم، ولو لا تلك الحكمة الثورية وذلك التسامح، لما بقي حراً طليقاً حتى اليوم، خصوصاً أنه، وحينما كان يجلس على مقعده ويتمتع بمزاياه ومخصصاته، كان شباب الثورة يُقتلون بالعشرات، ويصابون بالمئات، ويعتقلون بالآلاف، ولم ينبت سيادته ببنت شفة، يدين بها الأحداث، أو ينصح بها النظام القائم، وأولياء نعمته، بالكف عن القتل والتعذيب وامتهان كرامة الإنسان وانتهاك حرمات المنازل الآمنة، ولم يحدثهم بعدم قانونية أفعالهم تجاه شعبهم، وفوق هذا وذاك، لم يضع أذناً صاغية للكثير من النصائح التي قدمت له بالاستقالة عن المنصب، سنتئذ، ليحفظ ما تبقى من ماء وجهه، بل ومع سبق الإصرار والترصد، ذهب بنفسه للبرلمان مترافعاً عن حكومته وأفعالها، ومسوغاً لفرض حالة الطوارئ، التي أعلنها المخلوع في فبراير2019، ومدعياً دون خجل أن تطبيق الطوارئ يتم بصورة “خفيفة وهينة ولينة”. ولا أدري ما مفهوم وزير عدل وخبير قانوني ودستوري للخفة، والهين، واللين، وفي بيوت أشباح النظام، يموت معلم تحت التعذيب؟
(3)
محمد أحمد سالم، الذي يتدثر بثياب الزهد والحياد والاستقلالية، صدر قرار بتعيينه، في تلك الفترة السوداء، رئيساً للجنة تحقيق حول العنف الذي رافق الحراك الثوري، وللأسف الشديد، قتل الموضوع كما قُتل الشباب عبثاً في شوارع الثورة، ولم يصدر من لجنته، حتى سقوط النظام، ما يبرئ الجراح، وينصف الضحايا وذويهم، ويحد أيضاً من تلك الجرائم التي تضعه، أخلاقياً وربما قانونياً، في خانة المسئولية، وتطارده لعناتها أبد الدهر.
(4)
لا غرابة في ذلك، فمحمد أحمد سالم، ربيب الإنقاذ والتي أبقته لسنوات، مستشاراً قانونياً في برلمانات البصمة والتصفيق والعبث السياسي، وبعد إجازة الإنقاذ قانوناً هزيلاً باسم التوالي السياسي، لم تجد شخصية تناسب منصب المسجل العام لتنظيمات التوالي السياسي غير محمد أحمد سالم، لتبره بالوظيفة، وفيها، حدثت فصول من الكوميديا السوداء، حيث سطت شخصيات، وهمية، وأمام ناظريه، على أسماء أحزاب تاريخية، وتم تسجيل ما عرف بـ”أحزاب الفكة” ولنترك ذلك جانباً، لو كان الرجل أميناً في عمله، لما نهب حزب المؤتمر الوطني ثروات البلاد، واستنزف مواردها ، لأنه، وحسب القانون ، كان من واجبات مسجل التوالي السياسي مراجعة ميزانيات التنظيمات السياسية، وهى مهمة أقر بعضمة لسانه بفشله فيها، حيث ذكر أنه لم يتسلم، طوال فترة عمله، من أي حزب ميزانيته، أو تقرير المراجعة.
(5)
بعد سقوط نظام المخلوع، صمت الوزير الإنقاذي، ويحمد له ذلك، فليس عنده من شيء ليقوله أو يكتبه، أو يعلمه لطلابه المفترضين، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لكن، وقبل أيام، خرج علينا خبر أوردته الصحف، ولم يتم نفيه، عن حضور محمد أحمد سالم بوصفه خبيرا قانونيا أمام محاكمة عسكرية تحاكم قادة عسكريين بمحاولة انقلابية حدثت في يوليو 2019م، وبحسب ما جاء في الخبر، فإن سالم ذكر في شهادته بأن ما حدث في 11 ابريل 2019م، هو انقلاب عسكري على نظام دستوري قائم على دستور 2005م المجاز بواسطة برلمان منتخب من عامة الشعب، وأن ما بني على باطل، فهو باطل، مما يعني عنده، بشكل أو بآخر، بطلان الثورة السودانية، من ألفها إلى يائها، وهو ذات المنطق الذي كان يدافع به عن نظامه البائد وهو في كرسي الحكم.
(6)
تلك الشهادة التي فرح بها زبانية نظام الإنقاذ، تعد، وبكل المعايير، شهادة مجروحة، لأنها أتت من شخصية هي جزء من النظام الذي أطاحت به الثورة، كما أن في الشهادة تضليلا واضحا وبينا ، ولا أدري عن عمد أم عن جهل، فدستور 2005م الانتقالي أجيز بآلية سياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وهو نتاج اتفاق سلام وقع في نيفاشا، ولا ناقة فيه للبرلمان ولا جمل، وحتى وإن سلمنا بالمعلومة، فقد فات على رجل يدعي أنه خبير في القانون الدستوري، أن الدساتير تستمد مشروعيتها الحقيقية، من الاستفتاء الشعبي، وليس من مصادقة البرلمان، ولو أن كل ما يبنى على باطل فهو باطل، فعلى السيد وزير العدل الإنقاذي أن يكون عادلاً في أحكامه وشهاداته، وأن يقر إقرارا صريحا أن كل ما أسس ما بعد انقلاب الجبهة الإسلامية 1989 باطل، بما في ذلك البرلمان الذي يدعي مشروعيته.

 

شارك الخبر

Comments are closed.