حمدوك بمقر الدعم السريع .. أبعاد الزيارة

الخرطوم: وجدان طلحة

 

(نحن معكم وبكم سنمضي في طريق استكمال مهام المرحلة الانتقالية لنقول لشعبنا والعالم إننا عبرنا وانتصرنا للوطن وللقيم وللإنسانية)، هكذا قال قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي زار مقر الدعم السريع أمس، وأضاف: (شعارنا في ذلك السودان أولاً، مؤكداً أنها تُجسد بشكل واضح وصريح معاني ومضامين الشراكة بين طرفي الوثيقة الدستورية عسكريين ومدنيين، وتمثل تأكيداً على الروح الوطنية التي نمضي بها جميعاً، في إدارة بلادنا خلال هذه المرحلة المهمة).
حمدوك قام بزيارة للقيادة العامة وجهاز المخابرات العامة وغيرها، لكن وجوده في مقر الدعم السريع اعتبره البعض للعلاقة الطيبة التي تربط بين الرجلين، بينما اعتبرها آخرون لتحسين الصورة بين المكونين المدني والعسكري، ووجدت الزيارة ردود فعل كبيرة أمس.

بعد نجاح ثورة ديسمبر وتكوين الحكومة الانتقالية بدأت الحساسية بين المدنيين والعسكريين، لكن العلاقة بين نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، وضح أنها بها تقارب شديد، مردها أنه منذ أن تم تسمية حمدوك رئيساً للوزراء، وعندما كان موجوداً بأديس أبابا، أصدر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قراراً بتوفير طاقم حراسة إثيوبية لحمدوك بحكم منصبه الجديد .
وبحسب مصادر (السوداني) بعدها سافر أول مستشار سياسي لحمدوك وقتها وهو عبد الله ديدان لترتيب إجراءات عودته إلى الخرطوم، وكان لافتاً للأمر أن السفارة السودانية بأديس أبابا لم تبد أي موقف تجاه حمدوك بعد تعيينه رئيساً للوزراء، فقام حميدتي بإرسال طائرة خاصة من الخرطوم بها طاقم حراسة خاص، وهذا الموقف اعتبر كثيرون أنه يؤكد فهم حميدتي لكيفية التعامل مع رجال الدولة.
هذه كانت بداية العلاقة التي أخذت تنمو بين الرجلين، وكانت تظهر عندما يستجد أمر يحدث هزة في العلاقة بين المكونين، ويفاجئ حمدوك الساحة السياسية مثلاً باختيار حميدتي رئيساً للجنة العليا للطوارئ الاقتصادية وكان حمدوك نائباً له .
وكان حميدتي قد أعلن ترحيبه بالمبادرة التي طرحها حمدوك (الطريق إلى الأمام) ودعا إلى الالتفاف حولها.
زيارة حمدوك إلى مقر الدعم السريع، هي محصلة للعلاقة الطيبة بينهما، ولم تكن مرئية لدى كثيرين .
بناء الثقة
مراقبون سياسيون اعتبروا أن زيارة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لمقر الدعم السريع عادية، وهي ضمن برنامج زيارات لمؤسسات مختلفة، وأشاروا إلى أن حمدوك يهتم جداً بوحدة مكونات الثورة؛ لأن أي تشكيك أو تقليل من مكون ضد آخر، يمكن أن يعصف بالفترة الانتقالية، مشيرين إلى أن المكون العسكري هو الأقدر علي فهم التباينات داخل المؤسسة العسكرية، والتعامل مع الخلافات بمسؤولية.
المحلل السياسي د. محمد عبدالله ود أبوك دعا إلى إبعاد أي شعور بالاستغراب أو التساؤل الذي يأتي في إطار علاقات الدولة وأجهزتها المختلفة، باعتبار أن حمدوك رئيس مجلس الوزراء وزار قيادة الدعم السريع التي على رأسها شخصية سيادية، وهو الفريق أول محمد حمدان دقلو .
ود أبوك أشار إلي أن الزيارة تأتي في سياق زيارات درج رئيس الوزراء على القيام بها، مثل القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة، باعتبار أن هذه هي الأجهزة الرئيسية بالبلاد، مشيراً إلى أنها تعمل على بناء الثقة والتواصل بين مكونات الحكم المختلفة .
فهي مهمة وتمكن قيادة مجلسي السيادة والوزراء من معرفة أفكار بعضهم بعضاً، ومناقشتها لضمان استقرار المرحلة الانتقالية .
يرى كثيرون أن بعض مكونات المكون المدني تصور المكون العسكري بأنه ليس علي قلب رجل واحد، وقال هذا ليس صحيحاً؛ لأن المكون العسكري يعلم أن أي مواجهات وإحداث فتنة بين الجيش والدعم السريع والأمن والشرطة يعني نهاية الفترة الانتقالية بالتالي نهاية السودان.
مؤكداً أن لقاءات شركاء الحكم ومناقشة التحديات التي تواجههم مسألة مشروعة، بالتالي هذه الزيارة محمودة ، لأنه لا يمكن أن تكون هناك قطيعة بين المكونات .
وقال إن المكون المدني عجز عن تقديم آراء سياسية واقتصادية، وأصبحت السمة الغالبة هي الصراعات داخلها، وأطلق حمدوك مبادرة لوحدة الحرية والتغيير، ، وأضاف أن شتات المكون المدني وضعفه إذا أصاب المكون العسكري يعني نهاية السودان .
غير صدامية
مراقبون أشاروا إلى أن الزيارة لا تأتي في إطار تحسين الصورة بين المدنيين والعسكريين، كما أن حمدوك ليس مطالباً الآن بتوضيح حقيقة العلاقة بين المكونين، وأن المواطن يراقب الوضع، ويعرف ما هو شكل العلاقة .
آخرون اعتبروا أن هناك مواقع أهم كان على حمدوك زيارتها، والوقوف على مشاكلها مثل شرق وغرب البلاد، وزيارة مواقع تسليم المواطنين دعم (ثمارات) والوقوف على معاناتهم، وهم يقضون يومهم تحت الشمس، ورغم ذلك يرجعون إلى منازلهم بلا نقود.
أستاذ العلوم السياسية صلاح الدين الدومة يذهب في تصريح لـ(السوداني)، إلى أن طبيعة شخصية حمدوك غير صدامية، فيحاول كثيراً أن يستلطف ويستعطف، ومن خلال هذه الزيارة يريد استلطاف حميدتي في أمر ما، لكن لا أعلمه، وقال: “سابقاً عندما كان الحديث عن ضرورة مراجعة شركات الجيش سجل زيارة إلى مقر القيادة العامة”، وأضاف أنه استقبل الحزب الشيوعي الذي ينتقده في كثير من القرارات بل أعلن السقوط الثالث .
شك وريبة
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي كمال كرار أشار في تصريح لـ(السوداني) إلى أن زيارة حمدوك لمقر الدعم السريع ستخصم من شعبيته، ولن تضيف له شيئاً، وكان الأولى أن يهتم بسؤال: (مَن فض اعتصام القيادة العامة؟)، خاصة أن هذا الأمر يجد اهتماماً من الشعب السوداني والعالم الخارجي، مشيراً إلى أن الدعم السريع والقوات الأمنية، مطالبة بإظهار براءتها من جريمة فض الاعتصام، وإلى أن يتم ذلك، فإن الشعب السوداني ينظر إلى هذا النوع من الزيارات بعين الشك والريبة، وقال إن هناك أولويات كان على حمدوك الاهتمام بها بدلاً عن الزيارات التي لا جدوى منها.
قال حميدتي:
حميدتي قال خلال زيارة حمدوك، إن قوات الدعم السريع كان لها قصب السبق في انتصار الثورة المجيدة، وقدمت في سبيل ذلك تضحيات كبيرة، مشيراً إلى أنها وجدت استهدافاً ممنهجاً من بعض المتربصين، ورغم مرارة الظلم، إلا أنها ظلت وستظل مع القوات النظامية الأخرى، حاميةً للوطن، أمينةً على مقدرات ورغبات الشعب، صابرةً ومرابطة تنفيذاً لواجبها المقدس، صوناً لكرامة شعبنا وأرضنا.
وأضاف: (سنظل على عهدنا الذي قطعناه لشعبنا، بالمحافظة على أمنه واستقراره، والحرص على تحقيق أهداف الفترة الانتقالية المتمثلة في تحقيق السلام الشامل وبناء دولة المواطنة، وصولاً إلى ديمقراطية حقيقية عبر انتخابات حرة ونزيهة، مؤكداً جاهزية القوات لتنفيذ أي مهام وطنية تُسند إليها. وقال: (إن الواجب فرض على قواتنا العمل في ظروف شاقة أثناء قيامها بواجباتها خاصة على حدود السودان المختلفة التي نواجه عبرها استهدافاً متواصلاً)، وأضاف: (خير شاهد على ذلك ضبطية المتفجرات التي نفذتها قواتنا في حدودنا الشرقية أمس الأول، وفي مناطق صحراوية قاسية خلال عمليات محاربة الهجرة غير الشرعية وغيرها من المهام في عدد من الجبهات؛ مما يتطلب المزيد من الاهتمام بتحسين أوضاع هذه القوات، ورعاية أسر الشهداء، ودعم المعاقين من أجل رفع روحهم المعنوية، لأنهم يمثلون عنصراً مهماً في حماية الوطن والمواطن).
وتابع: (إن الظروف المعقّدة والحسّاسة التي تمر بها بلادنا والتي يتحملها شعبنا بعزيمة وصبر تتطلب جهداً أكبر من الذي نقوم به الآن، لرفع المعاناة عن المواطن الذي يعيش ظروفاً قاسية بحثاً عن لقمة العيش الكريمة، يحدث كل هذا في ظل تعقيدات وانقسامات كبيرة في المشهد السياسي وهشاشة في الأوضاع الأمنية وتنامي خطاب الكراهية، والعنصرية والجهوية والقبلية مجدداً، إن التحديات الجسيمة التي تواجهها بلادنا تتطلب منا جميعاً دون تركيز على تقسيم بين عسكريين ومدنيين، والعمل معاً للقيام بعملية إصلاح شاملة وعميقة، بالتركيز على أهم الأولويات، وفي مقدمتها تحسين الخدمات الضرورية، والاهتمام بمعاش المواطن والعمل على إرساء دعائم السلام، وفرض هيبة الدولة، وإيجاد مخرج لحالة الاحتقان السياسي بخلق أرضية مشتركة يلتقي فيها الجميع دون إقصاء، ولعل مبادرة السيد رئيس الوزراء، تُمثل مخرجاً للتأسيس عليه مع استصحاب الأفكار والآراء والمبادرات الأخرى).
داعياً إلى العمل المشترك وتجاوز الخلافات الحزبية والجهوية والقبلية، وقال: (يجب علينا مواجهة أخطائنا بشجاعة لنبني مستقبل أجيالنا القادمة، وأهمية الثقة في بعضنا البعض، بجانب الإيمان بالقيم التي تربطنا وبالوطن الذي يجمعنا وبالشعب الذي ينتظرنا، كذلك يجب علينا أن نثق ونقدر المؤسسات التي تخدمنا وتحمينا).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.