قصص حقيقية يرويها الضحايا لـ(السوداني).. (السُّمبك) وابتلاع أحلام السُّودانيين
تقرير: محاسن أحمد عبد الله
قضى آلآف السودانيين نحبهم غرقاً في البحر الأبيض المتوسط أثناء رحلة بحثهم عن حياة أفضل وواقع أجمل، بعد أن حملوا تلك الأحلام بدواخلهم لسنوات، على أمل أن تتحقق داخل أرض الوطن، ولكن بعد أن خابت أحلامهم كان حلم الهجرة غير الشرعية بـ(السُّمبك) آخر خيوط الأمل التي تعلقوا بها عسى ولعل تكون طوق نجاة وسببا من أسباب العيش الكريم لما تبقى من أعمارهم.
قصة التوأم (راني وسامي)
جمع التوأم (سامي وراني) مبلغا كبيرا من المال من عملهما في مهن هامشية بعد تخرجهم في الجامعة لعدم العثور على وظيفة تعوض تعب وشقاء والديهما، فكان قرار الهجرة لبلاد (الفرنج) لتحقيق أحلامهما التي فشلوا في تحقيقها بوطنهما؛ زادت رغبتهما في الهجرة بعد أن ظلا يُشاهدان صور أصدقائهما ورُفقاء درب الطفولة وهم يتجولون في شوارع الدول الأوروبية، تزين وجوههم علامات الرضاء وهم يرتدون الملابس الأنيقة، كل ذلك فتح شهيتهم للهجرة لتحقيق أحلامهم الوردية.
القرار الصعب
لم يكن اتخاذ ذلك القرار سهلاً خاصةً وقعه على والديهما اللذين تخطا العقد السادس من العُمر، رفضا الفكرة، لكن إصرار التوأم على القرار كان أقوى من رفضهما للسفر نحو المجهول.
حكى التوأم (راني) قصته لـ(السوداني) بصوت حزين وواهن: “لو رجعت بي عجلات الزمن للوراء، لن اتخذ قرار الهجرة ذلك الطريق المحفوف بالمخاطر الذي فقدت فيه توأمي (سامي) والروح لا تعوض”، صمت برهة قبل أن يواصل: “أخذنا ما معنا من مال وسلمناه للوسيط السوداني الذي قام بجمعنا وآخرين للسفر إلى دنقلا ومنها تم تسليمنا لآخرين من جنسية ليبية لعبور الصحراء تمهيداً لسفرنا إلى بريطانيا، ولكن عند الحدود الليبية وقعنا في أيدي إحدى العصابات وتم احتجازنا ثم أخذ هواتفنا للاتصال بأسرنا لطلب مبلغ مالي كبير مقابل إطلاق سراحنا وتسهيل أمر هجرتنا”.
مأساة التعذيب
وأضاف راني: “رفضنا ذلك الاستنزاف لأننا نعلم بالوضع المادي لأسرنا، بجانب حالة القلق التي يمكن أن يعيشوها إذا علموا بالأمر، قضينا أسابيع تحت التعذيب، للأسف توفي توأمي من شدة التعذيب، الأمر الذي أدخلني في حالة نفسية سيئة قبل أن يساعدني شاب ليبي على الهرب والعودة للسودان بخفي حنين بعد أن فقدت توأم روحي”.
مخاطر ومهددات
الهجرة غير الشرعية لها أسباب كثيرة ومختلفة، من بينها البحث عن فرصة لكسب العيش وتحسين الأوضاع المعيشية والمقدرة على تلقي العلاج والتعليم وغيرها من متطلبات الحياة الأخرى، وهناك أسباب أخرى تتعلق بالحروب والقتل والاضطهاد والشعور بالظلم أو الاغتصاب والكوارث الطبيعية أو أي مهددات أو مخاطر أخرى تجعل الشخص أو الأفراد يقررون الهجرة.
في وقت سابق، كان الاتحاد الأوروبي أبلغ الخرطوم أن السودان يعد منبعاً رئيسياً للمهاجرين إلى أوروبا ويتعيّن عليه أن يغلق المنافذ بالقوات العسكرية خاصة مع الاضطرابات الأمنية في ليبيا التي تعد الوجهة الرئيسة للكثير من المُهاجرين السودانيين.
ويبقى السؤال هل الطريق مفروش بالورود أمامهم والأحلام مقدمة على طبق من ذهب؟ بالقطع الإجابة (لا).
اللاجئون أو المهاجرون يواجهون مشاكل كثيرة ومختلفة إذا تم القبض عليهم من قبل خفر السواحل، من بينها العنف الجسدي أو الاحتجاز التعسفي ومشاكل من المهربين أنفسهم من بينها العنف الجنسي، الأمر الذي يؤثر على صحتهم البدنية والنفسية وهو ما يعد مخالفة للقوانين الإنسانية للهجرة، بجانب الاستغلال المادي بطلب الفدية من أهاليهم وهناك نماذج كثيرة مع سودانيين.
منظمة الهجرة الدولية
ذكرت منظمة الهجرة الدولية في تقارير سابقة، إن ارتفاع أعداد المهاجرين غير الشرعيين من السواحل الليبية نحو شواطئ أوروبا شهد تزايداً لم يسجل منذ سنوات بسبب الهدوء النسبي في ليبيا، حيث ذكرت التقارير أن ما يقارب الـ20257 مهاجراً تم إنقاذهم خلال مطلع العام 2023 حتى أغسطس من العام الماضي، أي ما يعادل إجمالي المهاجرين خلال العام الماضي، وقالت المنظمة إنه في منتصف يوليو الماضي إن عدد المهاجرين الذين قضوا في البحر المتوسط خلال محاولتهم الوصول الى أوروبا في الاشهر الستة الأولى من العام 2021 ازداد أكثر من الضعف هذا العام، وقد ناهز 1.164 مهاجراً.
الحادث المشؤوم
نموذج آخر مؤلم ومُحزن للغاية لأب سوداني فقد طفليه الاثنين ووالدتهما في عمق البحر الأبيض المتوسط، حكى لـ(السوداني) محمود علي الحسن، والد الأطفال الضحايا الشهير كموسيقي في الوسط الفني السوداني بـ(أبو الشوش) وهو يعمل موظفا بأحد البنوك السعودية، أطلق آهة قصيرة من عمق أحزانه ثم قال: “أبنائي مؤمن ومهند يبلغوا من العمر 3 و4 سنوات، أنا مقيم بالسعودية منذ سنوات، تحركت والدتهم طليقتي وأطفالي من سواحل الإسكندرية يوم 25 مايو 2016 حتى يوم 3 يونيو 2016 كان حادث الغرق المشؤوم، تقريباً من الساعة الواحدة صباحاِ الحمد لله على كل حال، عندما سمعت الخبر ذهبت فوراً إلى روما ثم إلى جزيرة صقلية لمدة أسبوعين برفقة صديق سوداني يدعى أيمن العبيد من أبناء مدني وقابلت الجهات الحكومية والمسؤولين عن المهاجرين واطلعت على تقرير الحادث بالصور وقائمة الأسماء المفقودة، كانت الصدمة بالفعل وجدت اسمي طفليّ وطليقتي المرحومة أسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، الحمد لله على كل حال”.
واقع مرير
وأضاف: “عند مقابلتي للجهات الحكومية تم أخذ عنواني والإيميل الخاص بي للتواصل إن كان هناك جديد، ولكن لم يكن هناك تواصل بعد رجوعي ولا يوجد جديد، كنت متواصلا مع أحد الشباب السودانيين؛ مقيم في إيطاليا، لكنه عاد إلى السودان وكان هناك محامي اتفق معي لمتابعة القضية، وأكدت الجهات الحكومية في مقاطعة سراكوزا، وهي مقاطعة تقع جنوب شرق جزيرة صقلية، بأن الجهات الحكومية سترفع قضية في الباخرة البلجيكية التي تسببت في حادث غرق الباخرة المنكوبة، ولكن للأسف لا جديد والواقع المرير أكد أنني فقدت أطفالي مدى الحياة ومازال جرحهم بداخل قلبي أخضر”.
تقارير صادمة
أفادت تقارير خاصة بالهجرة غير الشرعية أنه يوجد حالياً عددٌ ضئيل جداً من عمليات البحث والإنقاذ في وسط البحر الأبيض المتوسط، والناس ما زالوا يحاولون الفرار من ليبيا، ففي عام 2023، حاول 341,010 أشخاص عبور البحر المتوسط، اعتُرض طريق أكثر من ثلثهم (34%) في البحر وأُعيدوا إلى ليبيا، رغم أن ليبيا لا تعدّ مكانًا آمناً، ومازال الناس يلقون حتفهم أو يُفقدون أثناء محاولاتهم، ففي عام 2023، لقي 3,041 شخصًا حتفهم أو فُقدوا”.